78

الداء والدواء

الداء والدواء

ناشر

دار المعرفة

شماره نسخه

الأولى

سال انتشار

۱۴۱۸ ه.ق

محل انتشار

المغرب

ژانرها

عرفان
[فَصْلٌ الْمَعَاصِي تَمْحَقُ الْبَرَكَةَ] فَصْلٌ الْمَعَاصِي تَمْحَقُ الْبَرَكَةَ وَمِنْ عُقُوبَاتِهَا: أَنَّهَا تَمْحَقُ بَرَكَةَ الْعُمُرِ، وَبَرَكَةَ الرِّزْقِ، وَبَرَكَةَ الْعِلْمِ، وَبَرَكَةَ الْعَمَلِ، وَبَرَكَةَ الطَّاعَةِ. وَبِالْجُمْلَةِ أَنَّهَا تَمْحَقُ بَرَكَةَ الدِّينِ وَالدُّنْيَا، فَلَا تَجِدُ أَقَلَّ بَرَكَةٍ فِي عُمُرِهِ وَدِينِهِ وَدُنْيَاهُ مِمَّنْ عَصَى اللَّهَ، وَمَا مُحِقَتِ الْبَرَكَةُ مِنَ الْأَرْضِ إِلَّا بِمَعَاصِي الْخَلْقِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ﴾ [الْأَعْرَافِ: ٩٦] . وَقَالَ تَعَالَى: ﴿وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا - لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ﴾ [الْجِنِّ: ١٦ - ١٧] . وَإِنَّ الْعَبْدَ لَيُحْرَمُ الرِّزْقَ بِالذَّنْبِ يُصِيبُهُ. وَفِي الْحَدِيثِ: «إِنَّ رُوحَ الْقُدُسِ نَفَثَ فِي رُوعِي أَنَّهُ لَنْ تَمُوتَ نَفْسٌ حَتَّى تَسْتَكْمِلَ رِزْقَهَا، فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَجْمِلُوا فِي الطَّلَبِ، فَإِنَّهُ لَا يُنَالُ مَا عِنْدَ اللَّهِ إِلَّا بِطَاعَتِهِ، وَإِنَّ اللَّهَ جَعَلَ الرَّوْحَ وَالْفَرَحَ فِي الرِّضَى وَالْيَقِينِ، وَجَعَلَ الْهَمَّ وَالْحُزْنَ فِي الشَّكِّ وَالسُّخْطِ» . وَقَدْ تَقَدَّمَ الْأَثَرُ الَّذِي ذَكَرَهُ أَحْمَدُ فِي كِتَابِ الزُّهْدِ: «أَنَا اللَّهُ، إِذَا رَضِيتُ بَارَكْتُ، وَلَيْسَ لِبَرَكَتِي مُنْتَهًى، وَإِذَا غَضِبْتُ لَعَنْتُ، وَلَعْنَتِي تُدْرِكُ السَّابِعَ مِنَ الْوَلَدِ» . وَلَيْسَتْ سَعَةُ الرِّزْقِ وَالْعَمَلِ بِكَثْرَتِهِ، وَلَا طُولُ الْعُمُرِ بِكَثْرَةِ الشُّهُورِ وَالْأَعْوَامِ، وَلَكِنَّ سَعَةَ الرِّزْقِ وَطُولَ الْعُمُرِ بِالْبَرَكَةِ فِيهِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ عُمْرَ الْعَبْدِ هُوَ مُدَّةُ حَيَاتِهِ، وَلَا حَيَاةَ لِمَنْ أَعْرَضَ عَنِ اللَّهِ وَاشْتَغَلَ بِغَيْرِهِ، بَلْ حَيَاةُ الْبَهَائِمِ خَيْرٌ مِنْ حَيَاتِهِ، فَإِنَّ حَيَاةَ الْإِنْسَانِ بِحَيَاةِ قَلْبِهِ وَرُوحِهِ، وَلَا حَيَاةَ لِقَلْبِهِ إِلَّا بِمَعْرِفَةِ فَاطِرِهِ، وَمَحَبَّتِهِ، وَعِبَادَتِهِ وَحْدَهُ، وَالْإِنَابَةِ إِلَيْهِ، وَالطُّمَأْنِينَةِ بِذِكْرِهِ، وَالْأُنْسِ بِقُرْبِهِ، وَمَنْ فَقَدَ هَذِهِ الْحَيَاةَ فَقَدَ الْخَيْرَ كُلَّهُ، وَلَوْ تَعَرَّضَ عَنْهَا بِمَا تَعَوَّضَ مِمَّا فِي الدُّنْيَا، بَلْ لَيْسَتِ الدُّنْيَا بِأَجْمَعِهَا عِوَضًا عَنْ هَذِهِ الْحَيَاةِ، فَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ يَفُوتُ الْعَبْدَ عِوَضٌ، وَإِذَا فَاتَهُ اللَّهُ لَمْ يُعَوِّضْ عَنْهُ شَيْءٌ الْبَتَّةَ. وَكَيْفَ يُعَوَّضُ الْفَقِيرُ بِالذَّاتِ عَنِ الْغَنِيِّ بِالذَّاتِ، وَالْعَاجِزُ بِالذَّاتِ عَنِ الْقَادِرِ بِالذَّاتِ، وَالْمَيِّتُ عَنِ الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ، وَالْمَخْلُوقُ عَنِ الْخَالِقِ، وَمَنْ لَا وُجُودَ لَهُ وَلَا شَيْءَ لَهُ مِنْ

1 / 84