وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ﴾ وأما قوله: "لأن يمتلئ جوف أحدكم قيحًا [حتى يريه] خير من أن يمتلئ شعرًا" فإن المعقول من معنى الامتلاء أن يشعل المالئ للشيء جميع أجزائه حتى لا يكون فضل لغيره، وإذا كان هذا هكذا فإنما أراد النبي ﷺ بهذا القول من امتلأ جوفه من الشعر، حتى لا يكون فيه موضع للذكر ولا لحفظ القرآن، ولا لعلم الشرائع والأحكام، والسنة في الحلال والحرام، وهذا ظاهر لمن تدبره، ويزيده وضوحًا ما روى عنه ﵇ من أنه سمع قومًا يقولون: فلان علامة، فقال: وما هو علامة؟ فقيل: يعلم أيام العرب وأشعارها، وأنسابها ووقائعها فقال: ذلك علم لا ينفع من علمه ولا يضر من جهله، إنما العلم آية محكمة، أو فريضة عادلة أو سنة قائمة، [وما خلاهن فهو فضل] ولم يزل الشعر ديوان العرب في الجاهلية لأنهم كانوا أميين [ولم تكن الكتابة فيهم] إلا أهل الحيرة ومن تعلم منهم، فإنما حفظت مآثرها وأخبر آبائها، وما مضى من أيامها [ومذكور أحسابها] ووقائعها، ومستحسن أفعالها ومكارمها بالشعر، [الذي قيل فيها، ونقلته الرواة عن شعرائها]، ولولا الشعر ما عرف جود حاتم طيء، وكعب بن مامة، وهرم بن ستان، وأولاد جفنة، لكن