البحر المحيط الثجاج في شرح صحيح الإمام مسلم بن الحجاج
البحر المحيط الثجاج في شرح صحيح الإمام مسلم بن الحجاج
ناشر
دار ابن الجوزي
شماره نسخه
الأولى
سال انتشار
(١٤٢٦ - ١٤٣٦ هـ)
محل انتشار
الرياض
ژانرها
فمأخذ القاضي أنه لو جاز القطع على أنّا مؤمنون، لكان ذلك قطعًا على أنّا في الجنّة؛ لأن الله تعالى وعد المؤمنين الجَنَّة، ولا يجوز القطع على الوعد بالجنة؛ لأن من شرط ذلك الموافاة بالإيمان، ولا يعلم ذلك إلَّا الله، وكذلك الإيمان إنما يحصل بالموافاة، ولا يعلم ذلك، ولهذا قال ابن مسعود ﵁: هلَّا وكَل الأولى كما وكَل الآخرة، يريد بذلك ما استدل به من رأى رجلًا قال عنده: إني مؤمن، فقيل لابن مسعود ﵁: هذا يزعم أنه مؤمن، قال: فسلوه أفي الجنّة هو، أو في النار؟ فسألوه، فقال: الله أعلم، فقال عبد الله: فهلَّا وكلت الأولى كما وكلت الثانية.
قال ابن تيمية: ويُستدلّ أيضًا على وجوب الاستثناء بقول عمر ﵁: من قال: إنه مؤمن، فهو كافر، ومن زعم أنه في الجَنَّة، فهو في النار، ومن زعم أنه عالم، فهو جاهل، ولما استدل المنازع بأن الاستثناء إنما يحتاج إليه لمستقبل يشكّ في وقوعه قال: الجواب: أن هنا مستقبلًا يُشكّ في وقوعه، وهو الموافاة بالإيمان، والإيمان مرتبط بعضه ببعض، فهو كالعبادة الواحدة.
قال: فحقيقة هذا القول أن الإيمان اسم للعبادة من أول الدخول فيه إلى أن يموت عليه، فإذا انتقض تبيّن بطلان أولها، كالحدث في آخر الصلاة، والوطء في آخر الحجّ، والأكل في آخر النهار، وقول مؤمن عند الإطلاق يقتضي فعل الإيمان كله، كقول مصلّ، وصائم، وحاجّ، فهذا مأخذ القاضي، وقد ذكر بعد هذا في "المعتمد" مسألة الموافاة، وهي متّصلة بها، وهو أن المؤمن الذي علم الله أنه يموت كافرًا، وبالعكس، هل يتعلّق رضا الله، وسخطه، ومحبّته، وبغضه بما هو عليه، أو بما يوافي به، والمسألة متعلّقة بالرضا والسخط، هل هو قديم، أو محدث؟
[والمأخذ الثاني]: أن الاسم عند الإطلاق يقتضي الكمال، وهذا غير معلوم للمتكلّم، كما قال أبو العالية (^١): أدركت ثلاثين من أصحاب محمد ﷺ
_________
(^١) هكذا في "مجموع الفتاوى"، والذي في "صحيح البخاريّ": "وقال ابن أبي مليكة، أدركت ثلاثين من أصحاب النبيّ ﷺ كلهم يخاف النفاق على نفسه، ما منهم أحد يقول: إنه على إيمان جبريل وميكائيل". انتهى.
1 / 55