الأساليب البديعة في فضل الصحابة وإقناع الشيعة
الأساليب البديعة في فضل الصحابة وإقناع الشيعة
ناشر
المطبعة الميمنية،مصر
محل انتشار
على نفقة أصحابها مصطفى البابي الحلبي وأخويه
ژانرها
ـ[الأساليب البديعة في فضل الصحابة وإقناع الشيعة (مطبوع بهامش كتاب شواهد الحق)]ـ
المؤلف: يوسف بن إسماعيل بن يوسف النَّبْهَاني (المتوفى: ١٣٥٠هـ)
الناشر: المطبعة الميمنية، مصر، على نفقة أصحابها مصطفى البابي الحلبي وأخويه
عدد الأجزاء: ١
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
صفحه نامشخص
- بسم الله الرحمن الرحيم -
الحمد لله الذي أرسل سيدنا محمدا ﷺ رحمة للعالمين، وأيده بآله الطيبين الطاهرين، الغر الميامين، وأصحابه أسد عرين الدين، ونجوم الهداية للمهتدين ﵃ أجمعين. فقد جاهدوا في الله حق جهاده، ونشروا دينه في بلاده وعباده، ولذلك ذكرهم في آيات كثيرة في كتابه الأسنى، وأثنى عليهم ورضي عنهم ووعدهم الحسنى، وهو ﷾ الكريم الجواد الصادق الوعد الذي لا يخلف الميعاد، فهل يمكن أن يصلهم مكروه بعد أن رضي عنهم الملك الجليل، أو يلحقهم عيب بعد أن جملهم بثنائه الجميل، أو يصل إليهم سوء بعد أن وعدهم الحسنى وجعلهم من رضوانه في المحل الأسنى؟ حاشا وكلا، وكفى بمن يعتقد خلاف ذلك ضلالا وجهلا. أما يكفي رضاه تعالى عنهم أن يكون لهم من الأسواء حصنا ومن المخاوف أمنا؟ بلى والله إن فيه أعظم كفاية وأقوى وقاية. وأفضل صلوات الله وتسليماته وتحياته وبركاته على مشرفهم بصحبته
1 / 2
ومصرفهم بحكمته وجاعلهم بإذن الله تعالى خير أمته، سيدنا محمد الرؤف الرحيم، المنبه على كثرة فضلهم في الحديث والقديم.
أما بعد، فإني كنت منذ ثلاث وعشرين سنة ألفت بفضل الله تعالى وحسن توفيقه كتابي الشرف المؤبد لآل محمد ﷺ. ثم بعد سنين أنعم الله - وله الحمد والمنة - بتكرار طبعه وانتشار نفعه. وقد ألهمني من فضله تعالى الآن تأليف هذا الكتاب في فضل الأصحاب، لأفوز إن شاء الله بالحسنيين، وأكون قد تمسكت بأسباب السعادة وطيبها بكلتا اليدين. والحامل لي على تأليفه أن الشيطان قد قاد في هذا الزمان بعض الجهال من أهل السنة بوسيلة حب آل البيت الكرام والتعصب لهم بمجرد الهوى والأوهام إلى بغض بعض الصحابة الكرام، لا سيما معاوية وعمرو بن العاص لخروجهما عن طاعة الإمام، وصار هؤلاء الجهلة يتبجحون بذمهما معتقدين بجهلهم أن ذلك من القرب التي ترضي الرب والحسنات التي تنفعهم في الحياة وبعد الممات. وسول لهم أبو مرة أن أئمة الأمة من أهل السنة
1 / 3
ما أنصفوا في الجواب عنهما وعن كل من كان على شاكلتهما من الصحابة المحاربين لعلي ﵁. وربما تجاوز بهم الحال إلى الاعتراض على الخلفاء الراشدين ولا سيما عثمان، وقد يفضلون عليه بل عليهم عليا بمجرد الهوى والعصبية والحمية الجاهلية، ويرون أن ذلك هو الإنصاف الذي يزعمونه في أنفسهم مدعين أنهم لا تأخذهم في اتباع الحق لومة لائم، مع أنهم في أمر الدين مثل البهائم. ويظنون من شدة جهلهم وعمى قلوبهم أن جميع الأمة من عهد الصحابة ﵃ إلى الآن هي غير مصيبة في ذلك، وأنهم هم ومن كان على شاكلتهم من كل جاهل قدم تابع لهواه بلا علم ولا فهم على هدى وصواب في بغض بعض الأصحاب. فكانوا بذلك من الأخسرين أعمالا الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا. فسوء حال هؤلاء الجهلة من أهل السنة هو الذي حملني على تأليف هذا الكتاب ليعرف من قرأه منهم أنه في خطأ عظيم وخطل ذميم، وأنه في ذلك ليس على هدى من الله، بل هو على
1 / 4
شفا جرف من الهلاك إن لم يتداركه باللطف مولاه.
أما الشيعة فليس لي أمل في رجوعهم بقراءته عن مذهبهم القديم وإن كان غير مستقيم، لأنهم ورثوه عن الآباء والأجداد، وسيورثونه الأبناء والأحفاد. فإن صاحب البدعة والمذهب المخالف مهما أقمت عليه الحجة وألزمته الدليل وعجز هو عن الرد ولم يجد للجواب من سبيل لا يحمل ذلك على أن مذهبك حق ومذهبه باطل، وإنما يحمله على أنك أمهر منه بترتيب الحجج وإقامة الدلائل. فهو لا يترك مذهبه لزخرفة أقاويلك بزعمه وزيادة علمك عن علمه. وقد يهدي الله لنوره من يشاء ويوافق العلة الدواء فيحصل بإذن الله الشفاء. وهذا إذا قدر الله حصوله بهذا الكتاب وظهر به لبعض الشيعة الصواب فأرضى الله ورسوله بالجمع بين محبة الآل والأصحاب يكون ذلك نعم الفائدة، ولكنها فائدة زائدة. ومقصودي الأصلي هو المحافظة على رأس مالنا، وهم عوام أهل السنة الذين يقرؤن هذه التواريخ الموضوعة والحكايات المصنوعة، وما صح من ذلك فقد أوّله أحسن تأويل علماؤنا
1 / 5
الأعلام أئمة الإسلام. ولشفقتهم على أمثال هؤلاء العوام قالوا: إن قراءة محاربات الصحابة وما وقع بينهم المشاجرات والمخاصمات حرام. ولكنهم قرؤها ولم يصغوا لهذا التحريم حتى نفث الشيطان في قلوب بعضهم في حق بعض الصحابة ذلك الاعتقاد الذميم، فوجب علينا أن ننصحهم بالألسنة والأقلام، ونشرح لهم ما يلزمهم اعتقاده في حق أصحاب رسول الله ﷺ من عقائد الإسلام. فإذا فعلنا ذلك أدينا ما وجب لهم علينا، وإذا وفقهم الله للرجوع إلى الحق نقول هذه بضاعتنا ردت إلينا.
ولما كان هؤلاء الجهال من أهل السنة لا يخلو أمرهم من أن يكونوا من الحنفية أو المالكية أو الشافعية أو الحنابلة نقلت لهم في كتابي هذا عن أئمة هذه المذاهب الأربعة نقولا معتمدة ترشد الضلال وتعلم الجهال، إذ تعرف كل واحد منهم مذهب إمامه وأقوال أئمة مذهبه في شأن أصحاب رسول الله ﷺ وما يجب لهم من حسن الاعتقاد والثناء الجميل، فيتبع ولا يبتدع، وهذا هو القسم الأول من هذا الكتاب وهو أساس
1 / 6
القسم الثاني الذي اتبعت فيه تلك النقول الجليلة باحتجاجات فائقة وعبارات رائقة أقمت بها الحجج الدامغة والدلائل القاطعة والبراهين الواضحة، لم أستعر أكثر عباراتها من أحد من المؤلفين وإن كان جميعها في الحقيقة مأخوذا من الكتاب والسنة وكلام أئمة الدين. وهذا القسم الثاني من هذا الكتاب هو مبني على القسم الأول؛ ذلك من قبيل المجمل، وهذا من قبيل المفصل. إذ هو في الحقيقة تكرار لكلامهم السديد بعبارة أخرى وأسلوب جديد، لتتكرر على ذهن القارئ تلك المعاني المنيرة بأساليب متعددة وعبارات كثيرة. وليس ثمة في الحقيقة شيء زائد، إذ المعنى المقصود من القسمين وإن تعدد القائلون واحد. وإذا أصر بعض أولئك الجهال بعد هذا كله على العناد ومجانبة سبيل السداد. فالله ﷾ يفعل في خلقه ما أراد، ﴿ومن يضلل الله فما له من هاد﴾.
وسميته "الأساليب البديعة في فضل الصحابة وإقناع الشيعة" ورتبته على مقدمة وقسمين وخاتمة.
المقدمة: في تعريف الصحابي وعدد الصحابة وطبقاتهم.
والقسم الأول في نقل عبارات أكابر العلماء
1 / 7
من أئمة المذاهب الأربعة التي استدلوا بها من الكتاب والسنة وإجماع الأمة على فضل أصحاب رسول الله ﷺ وما يجب في حقهم من حسن الاعتقاد ولزوم سبيل السداد، ولا سيما الخلفاء الراشدين ﵃ أجمعين، وقد اقتصرت على نقل عبارات اثني عشر إماما من أكابر أئمة المذاهب الأربعة، ثم أتبعتهم ببعض من نقلت عنهم في كتابي الشرف المؤبد، ورتبت هؤلاء بحسب أزمانهم؛ وهم الإمام أبو جعفر أحمد بن محمد الطحاوي الحنفي المتوفى سنة ٣٢١، والإمام حجة الإسلام أبو حامد محمد بن محمد الغزالي الشافعي المتوفى سنة ٥٠٥، والإمام القاضي عياض المالكي المتوفى سنة ٥٤٤، والإمام الغوث الأعظم سيدي عبد القادر الجيلاني الحنبلي المتوفى سنة ٥٦١، والإمام العارف بالله شهاب الدين عمر بن محمد السهروردي الشافعي المتوفى سنة ٦٣٢، والإمام محي الدين يحيى بن شرف النووي الشافعي المتوفى سنة ٦٧٦، والإمام تقي الدين أبو العباس أحمد بن تيمية الحنبلي المتوفى سنة ٧٢٨، والإمام كمال الدين بن الهمام الحنفي المتوفى سنة ٨٦١ والإمام العارف بالله سيدي عبد
1 / 8
الوهاب الشعراني الشافعي المتوفى سنة ٩٧٣، والإمام شهاب الدين أحمد بن حجر الهيتمي الشافعي المتوفى سنة ٩٧٣، والإمام برهان الدين إبراهيم اللقاني المالكي المتوفى سنة ١٠٤١، والإمام السيد محمد مرتضى الزبيدي الحنفي المتوفى سنة ١٢٠٥. ﵏ أجمعين وحشرنا في زمرتهم تحت لواء سيد المرسلين، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين. وإذا لم يقنع أحد بكلام هؤلاء الأئمة الأعلام فهو لا شك كاذب بدعواه أنه من أهل السنة وجماعة الإسلام. ومن كان كذلك فهو أضل من الأنعام، لا عتب عليه ولا سلام.
والقسم الثاني: في الاحتجاج على فضلهم وكمالهم بعبارات فائقة بنيتها على الآيات والأحاديث وأقوال العلماء السابقة.
والخاتمة: في حكايات ومنامات تؤكد دلائل فضلهم وتنذر مبغضهم بأسوإ الحالات
المقدمة في تعريف الصحابي وعدد الصحابة وطبقاتهم ﵃
ذكر الإمام القسطلاني في المواهب وغيره أن الصحابي هو من صحب النبي ﷺ من المسلمين أو رآه ولو
1 / 9
ساعة وهو مؤمن به ومات على ذلك. قال رحمه الله تعالى: والصحابة ثلاثة أصناف: الأول: المهاجرون. الثاني: الأنصار. الثالث: من أسلم يوم الفتح. قال ابن الأثير في جامع الأصول: والمهاجرون أفضل من الأنصار، وهذا على سبيل الإجمال. وأما على سبيل التفصيل فإن جماعة من سباق الأنصار أفضل من جماعة من متأخري المهاجرين، وإنما سباق المهاجرين أفضل من سباق الأنصار. ثم هم بعد ذلك متفاوتون، فرب متأخر في الإسلام أفضل من متقدم عليه مثل عمر بن الخطاب وبلال بن أبي رباح.
قال القسطلاني: وقد ذكر العلماء للصحابة ترتيبا على طبقات:
الطبقة الأولى: قوم أسلموا بمكة أول المبعث، وهم سباق المسلمين مثل خديجة بنت خويلد وعلي بن أبي طالب وأبي بكر وزيد بن حارثة وبقية العشرة ﵃.
الطبقة الثانية: أصحاب دار الندوة، بعد إسلام عمر بن الخطاب ﵁ حمل النبي ﷺ ومن معه من المسلمين على الذهاب إلى دار الندوة فأسلم لذلك جماعة من أهل مكة.
الطبقة الثالثة: الذين هاجروا إلى الحبشة
1 / 10
فرارا بدينهم من أذى المشركين، منهم جعفر بن أبي طالب وأبو سلمة بن عبد الأسد.
الطبقة الرابعة: أصحاب العقبة الأولى، وهم سباق الأنصار إلى الإسلام، وكانوا ستة، وأصحاب العقبة الثانية من العام المقبل، وكانوا اثني عشر رجلا.
الطبقة الخامسة: أصحاب العقبة الثالثة، وكانوا سبعين من الأنصار منهم البراء بن معرور وعبد الله بن عمرو بن حرام وسعد بن عبادة وسعد بن الربيع وعبد الله بن رواحة.
الطبقة السادسة: المهاجرون الذين وصلوا إلى النبي ﷺ بعد هجرته وهو بقباء قبل أن يبني المسجد وينتقل إلى المدينة.
الطبقة السابعة: أهل بدر الكبرى، قال ﷺ لعمر في قصة حاطب بن أبي بلتعة: «وما يدريك لعل الله اطلع على هذه العصابة من أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم» رواه البخاري ومسلم.
الطبقة الثامنة: الذين هاجروا بين بدر والحديبية.
الطبقة التاسعة: أهل بيعة الرضوان الذين بايعوا بالحديبية تحت الشجرة. قال ﷺ: «لا يدخل النار إن شاء الله
1 / 11
من أصحاب الشجرة أحد» رواه مسلم.
الطبقة العاشرة: الذين هاجروا بعد الحديبية وقبل فتح مكة كخالد بن الوليد وعمرو بن العاص.
الطبقة الحادية عشر: الذين أسلموا يوم الفتح، وهم خلق كثير.
الطبقة الثانية عشر: صبيان أدركوا النبي ﷺ ورأوه يوم الفتح وبعده في حجة الوداع وغيرها، كالسائب بن يزيد. انتهى كلام المواهب. ونسب هذا التقسيم إلى الحافظ أبي عبد الله الحاكم في كتاب علوم الحديث.
قال الإمام الزرقاني في شرحه عليها: وقال ابن سعد إنهم خمس طبقات: الأولى: البدريون. الثانية: من أسلم قديما ممن هاجر عامتهم إلى الحبشة وشهدوا أحدا فما بعدها. الثالثة: من شهد الخندق فما بعدها. الرابعة: مسلمة الفتح فما بعدها. الخامسة: الصبيان والأطفال ممن لم يغز. اه.
قال في المواهب: وأما عدة أصحابه ﷺ، فمن رام حصر ذلك رام أمرا بعيدا، ولا يعلم حقيقة ذلك إلا الله تعالى، لكثرة من أسلم من أول البعثة إلى أن مات النبي ﷺ وتفرقهم في البلدان
1 / 12
والبوادي. وقد روى البخاري أن كعب بن مالك ﵁ قال في قصة تخلفه عن غزوة تبوك: "وأصحاب رسول الله ﷺ كثير لا يجمعهم كتاب حافظ" يعني الديوان. لكن قد جاء ضبطهم في بعض مشاهده كتبوك. وقد روي أنه سار عام الفتح لمكة في عشرة آلاف من المقاتلة، وإلى حنين في اثني عشر ألفا، وإلى حجة الوداع في تسعين ألفا وقيل مائة ألف وأربعة عشر ألفا ويقال أكثر من ذلك حكاه البيهقي، وإلى تبوك في سبعين ألفا، وقد روي أنه ﷺ قبض عن مائة ألف وأربعة وعشرين ألفا، والله أعلم بحقيقة ذلك، انتهى كلام المواهب.
وقال شارحها المذكور: وجاء عن أبي زرعة الرازي أنه قيل له: أليس يقال حديث النبي ﷺ أربعة آلاف حديث؟ فقال: ومن قال ذا؟ فلق الله أنيابه، هذا قول الزنادقة، قبض رسول الله ﷺ عن مائة ألف وأربعة عشر ألفا من الصحابة ممن روى عنه وسمع منه، وفي رواية ممن رآه وسمع منه، فقيل له: هؤلاء أين كانوا وأين سمعوا منه؟ قال: أهل المدينة وأهل مكة ومن بينهما والأعراب
1 / 13
ومن شهد معه حجة الوداع، كل رآه وسمع منه بعرفة. قال ابن فتحون في ذيل الاستيعاب: وأجاب أبو زرعة بهذا سؤال من سأله عن الرواة خاصة، فكيف بغيرهم؟ قال الحافظ، يعني ابن حجر: ولم يحصل لجميع من جمع أسماء الصحابة العشر من أساميهم بالنسبة إلى قول أي زرعة هذا، فإن جميع ما في الاستيعاب ثلاثة آلاف وخمسمائة، وزاد عليه ابن فتحون قريبا من ذلك. وبخط الحافظ الذهبي على التجريد: لعل الجميع ثمانية آلاف إن لم يزيدوا لم ينقصوا، قال، يعني الحافظ ابن حجر: ورأيت بخطه أيضا أن جميع من في أسد الغابة سبعة آلاف وخمسمائة وأربعة وخمسون نفسا. وسبب خفاء أسمائهم أن أكثرهم أعراب وأكثرهم حضروا حجة الوداع اه. وعن الشافعي: قبض ﷺ عن ستين ألفا، ثلاثون بالمدينة، وثلاثون في قبائل العرب وغيرها. وعن أحمد: قبض ﷺ وقد صلى
1 / 14
خلفه ثلاثون ألف رجل. كأنه عنى بالمدينة، فلا يخالف ما فوقه. والله أعلم بحقيقة ذلك، فإن كل من قال شيئا إنما حكاه على قدر تتبعه ومبلغ علمه أو أشار بذلك إلى وقت خاص وحال، فإذن لا تضارب بين كلامهم اه. وعن مالك: مات بالمدينة نحو عشرة آلاف نفس من الصحابة. انتهى كلام الزرقاني رحمه الله تعالى.
القسم الأول في نقل عبارات أكابر العلماء من أئمة المذاهب الأربعة التي استدلوا بها من الكتاب والسنة وإجماع الأمة على فضل أصحاب رسول الله ﷺ وما يجب في حقهم من حسن الاعتقاد ولزوم سبيل السداد
ورتبتهم بحسب أزمانهم.
الإمام الطحاوي
قال رحمه الله تعالى في عقيدته: ونحب أصحاب رسول الله ﷺ، ولا نفرط في حب أحد منهم ولا نتبرأ من أحد منهم، ونبغض من يبغضهم وبغير الحق يذكرهم، ولا نذكرهم إلا بالجميل، وحبهم دين وإيمان وإحسان، وبغضهم كفر ونفاق وطغيان، ونثبت الخلافة بعد رسول الله ﷺ أولا لأبي بكر الصديق ﵁ تفضيلا له وتقديما على جميع الأمة، ثم لعمر بن الخطاب ﵁،
1 / 15
ثم لعثمان بن عفان ﵁، ثم لعلي بن أبي طالب ﵁، وهم الخلفاء الراشدون والأئمة المهديون، وإن العشرة الذين سماهم رسول الله ﷺ نشهد لهم بالجنة كما شهد رسول الله ﷺ، وهم: أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وطلحة والزبير بن العوام وسعد وسعيد وعبد الرحمن بن عوف وأبو عبيدة بن الجراح، وهو أمين هذه الأمة، رضوان الله عليهم أجمعين. ومن أحسن القول في أصحاب رسول الله ﷺ وأزواجه وذرياته فقد برئ من النفاق. وعلماء السلف من السابقين والتابعين ومن بعدهم من أهل الخير والأثر وأهل العفة والنظر لا يذكرون إلا بالجميل، ومن ذكرهم بسوء فهو على غير السبيل. انتهت عبارة الإمام الطحاوي في عقيدته.
الإمام الغزالي
قال رحمه الله تعالى في كتاب الاقتصاد في الاعتقاد في شرح عقيدة أهل السنة من الصحابة والخلفاء الراشدين ﵃: اعلم أن للناس في الصحابة والخلفاء إسرافا في أطراف، فمن مبالغ في الثناء حتى يدعي العصمة للأئمة، ومنهم متهجم على
1 / 16
الطعن يطلق اللسان بذم الصحابة. فلا تكونن من الفريقين، واسلك طريق الاقتصاد في الاعتقاد. واعلم أن كتاب الله مشتمل على الثناء على المهاجرين والأنصار، وتواترت الأخبار بتزكية النبي ﷺ إياهم بألفاظ مختلفة، كقوله: "أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم" وكقوله: «خير الناس قرني ثم الذين يلونهم». وما من واحد إلا ورد عليه ثناء خاص في حقه يطول نقله. فينبغي أن تستصحب هذا الاعتقاد في حقهم ولا تسئ الظن بهم. وما يحكى عن أحوال تخالف مقتضى حسن الظن فأكثر ما ينقل مخترع، وما ثبت نقله فالتأويل متطرق إليه، ولم يجر ما لا يتسع العقل لتجويز الخطإ والسهو فيه وحمل أفعالهم على قصد الخير وإن لم يصيبوه. والمشهور من قتال معاوية مع علي وسير عائشة ﵃ إلى البصرة، فالظن بعائشة أنها كانت تطلب تطفئة الفتنة، ولكن خرج الأمر من الضبط، فأواخر الأمور لا تبقى على وفق طلب أوائلها بل تخرج عن الضبط. والظن بمعاوية أنه كان على تأويل وظن فيما كان يتعاطاه. وما يحكى سوى هذا من روايات الآحاد فالصحيح
1 / 17
منه مختلط بالباطل، والاختلاق أكثره اختراعات الروافض والخوارج وأرباب الفضول الخائضين في هذه الفنون، فينبغي أن تلازم الإنكار في كل ما لم يثبت، وما ثبت فاستنبط له تأويلا، فما تعذر عليك فقل لعل له تأويلا وعذرا لم أطلع عليه. واعلم أنك في هذا المقام بين أن تسئ الظن بمسلم وتطعن عليه وتكون كاذبا، أو تحسن الظن به وتكف لسانك عن الطعن وأنت مخطئ مثلا، والخطأ في حسن الظن بالمسلم أسلم من الصواب بالطعن فيه. فلو سكت إنسان مثلا عن لعن إبليس أو لعن أبي جهل أو أبي لهب أو من شئت من الأشرار طول عمره لم يضره السكوت؛ ولو هفا هفوة بالطعن في مسلم بما هو بريء عند الله تعالى منه فقد تعرض للهلاك. بل أكثر ما يعلم في الناس لا يحل النطق به لتعظيم الشرع الزجر عن الغيبة؛ مع أنه إخبار عما هو متحقق في المغتاب. فمن يلاحظ هذه الفصول ولم يكن في طبعه ميل إلى الفضول آثر ملازمته السكوت وحسن الظن بكافة المسلمين وإطلاق اللسان بالثناء على جميع السلف الصالحين، هذا حكم الصحابة
1 / 18
عامة. فأما الخلفاء الراشدون فهم أفضل من غيرهم، وترتيبهم في الفضل عند أهل السنة كترتيبهم في الإمامة، أي الخلافة، وهذا لمكان أن قولنا فلان أفضل من فلان معناه أن محله عند الله تعالى في الآخرة أرفع، وهذا غيب لا يطلع عليه إلا الله ورسوله إن أطلعه عليه، ولا يمكن أن يدعى نصوصا قاطعة من صاحب الشرع متواترة مقتضية للفضيلة على هذا الترتيب، بل المنقول الثناء على جميعهم، واستنباط حكم الترجيحات في الفضل من دقائق ثنائه عليهم رمي في عماية واقتحام أمر خطر أغنانا الله عنه. وتعرف الفضل عند الله تعالى بالأعمال مشكل أيضا وغايته رجم ظن.
فكم من شخص محروم الظاهر وهو عند الله بمكان لسر في قلبه وخلق خفي في باطنه، وكم من مزين بالعبادات الظاهرة وهو في سخط لخبث مستكن في باطنه، فلا مطلع على السرائر إلا الله تعالى. ولكن إذا ثبت أنه لا يعرف الفضل إلا بالوحي، ولا يعرف من النبي إلا بالسماع، وأولى الناس بسماع ما يدل على تفاوت الفضائل الصحابة الملازمون لأحوال النبي ﷺ، وهم قد أجمعوا
1 / 19
على تقديم أبي بكر، ثم نص أبو بكر على عمر، ثم أجمعوا بعده على عثمان، ثم على علي ﵃، وليس يظن منهم الخيانة في دين الله تعالى لغرض من الأغراض. وكان إجماعهم على ذلك من أحسن ما يستدل به على مراتبهم في الفضل. ومن هذا اعتقد أهل السنة هذا الترتيب في الفضل، ثم بحثوا عن الأخبار فوجدوا فيها ما عرف به مستند الصحابة وأهل الإجماع في هذا الترتيب. انتهت عبارة كتاب الاقتصاد.
وقال الإمام الغزالي أيضا في إحياء علوم الدين: الإمام الحق بعد رسول الله. ﷺ أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي ﵃، ولم يكن نص رسول الله ﷺ على إمام أصلا، إذ لو كان لكان أولى بالظهور من نصبه آحاد الولاة والأمراء على الجنود في البلاد ولم يخف ذلك، فكيف خفي هذا، وإن ظهر فكيف اندرس حتى لم ينقل إلينا. فلم يكن أبو بكر إماما إلا بالاختيار والبيعة. وأما تقدير النص على غيره فهو نسبة للصحابة كلهم إلى مخالفة رسول الله ﷺ وخرق الإجماع مما لا يجترئ على اختراعه إلا الروافض.
1 / 20