Al-As-hum: Its Ruling and Effects

Saleh Al-Sultan d. Unknown

Al-As-hum: Its Ruling and Effects

الأسهم - حكمها وآثارها

ناشر

دار ابن الجوزي للنشر والتوزيع

شماره نسخه

الأولى

سال انتشار

١٤٢٧ هـ - ٢٠٠٦ م

محل انتشار

المملكة العربية السعودية

ژانرها

الأسهم - حكمهَا وآثارها إعداد أ. د. صَالح بن مُحَمَّد بن سُلَيْمَان السُّلْطَان كُلية الشَّرِيعَة - جَامِعَة القصيم

صفحه نامشخص

بسم الله الرحمن الرحيم المقدمة جاء الإسلام تامًّا ومتكاملًا، بشرائعه وقيمه وأصوله، قائمًا برعاية أفراده، وصيانة حقوقهم، وبيانها جلية واضحة، ودعاهم إلى السعي في الأرض: ﴿هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ﴾ [الملك: ١٥]، وأمرهم بالعمل والأكل من الطيبات: ﴿يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا﴾ [المؤمنون: ٥١]، وحذَّرهم من الحرام: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ [البقرة: ٢٧٨]. واستثمار المال وتنميته في طرقه المشروعة هو نوع من العمل المأمور به: ﴿وَابْتَغِ فِيمَا آَتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآَخِرَةَ﴾ [القصص: ٧٧]. وإذا كان الإسلام أمر بالاستثمار، فإنه حدده بالحلال، وجعله أصلًا له: ﴿وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ﴾ [البقرة: ٢٧٥]، وترك للعباد تعيين طرق هذا الاستثمار بناء على هذا الأصل، وجريا على قواعده؛ فتنوعت طرق العباد في استثمارهم في كل زمان ومكان، وَجَدَّ لهم في هذا الزمان من المعاملات ما لم يكن معروفًا فيما مضى (١). وكان من هذه المعاملات: الأسهم؛ استثمارًا في ريعها، ومضاربة على فروق الأسعار فيها؛ بل صارت هذه المعاملة أشهر هذه

(١) وإن كان أصله موجودا في كتاب الشركة من أبواب الفقه.

1 / 5

المعاملات، ودخل فيها الكثير، وشغلت بالهم، واستغرقت أموالهم، وصارت حديث مجالسهم، ومحل حواراتهم. ولما كان لها هذه الأهمية، وكانت تستغرق هذا الجزء الكبير من الاستثمار في السوق المالية، وكثر الحديث حولها، وتعددت الآراء في حكمها، واختلفت اختلافا متباينا، وكنت أرى أن تلك القواعد التي استدل بها المجيزون لها وجاهتها من حيث الجملة قبل إمعان النظر والتدقيق فيها - بدأت في مراجعة هذه المسألة - بل النازلة - ومراجعة ما كتب فيها، تحليلًا أو تحريمًا (١)، فبدأت الكتابة فيها مستمدًّا العون والتوفيق من الله؛ مشاركةً في إثراء هذا الموضوع، وتحديدًا لمسائله، وتحليلًا وتقويمًا لأدلته، وبيانًا لما يرد عليها؛ متحريًا في ذلك موافقة الأصول، ومحقِّقًا في تحرير المقاصد وكيفية مراعاتها، مستفيدًا وموثقًا مما كتبه العلماء المتقدمون والمعاصرون. وقد قسَّمْتُ هذا البحث إلى تمهيد ومباحث: التمهيد: في التعريف بالأسهم وأنواعها. وفيه مسائل: المسألة الأولى: في تعريف الأسهم والمقصود بها. المسألة الثانية: في خصائص الأسهم. المسألة الثالثة: في قيمة الأسهم وأقسامها. المسألة الرابعة: في أنواع الأسهم. المسألة الخامسة: في محل العقد في بيع الأسهم. المسألة السادسة: بيع الأسهم قبل تداولها. المبحث الأول: حكم المساهمة في هذه الشركات؛ وفيه مسائل: المسألة الأولى: في حكم هذه المساهمة. المسألة الثانية: في فروع متعلقة بحكم هذه المسألة.

(١) واستغرق ذلك مني وقتا طويلا حتى تصورتها تصوُّرا أحسبه جيدا وبيِّنًا.

1 / 6

المسألة الثالثة: إذا دخل في شركة ثم تبين له وجود استثمار محرم. المبحث الثاني: المعقود عليه في المضاربة على الأسهم. المبحث الثالث: تصرفات المضاربين في سوق الأسهم وحكمها. المبحث الرابع: حقيقة المضاربة في سوق الأسهم. المبحث الخامس: في آثار المضاربة على الأسهم. الخاتمة. الفهارس. * * * * *

1 / 7

التمهيد وفيه ست مسائل: المسألة الأولى: تعريف الأسهم المسألة الثانية: خصائص الأسهم المسألة الثالثة: قيمة السهم المسألة الرابعة: أنواع الأسهم المسألة الخامسة: محل العقد في بيع الأسهم المسألة السادسة: بيع الأسهم قبل تداولها

1 / 9

تمهيد المسألة الأولى: تعريف الأسهم في اللغة: جمع سهم، وهو: النصيب المحكم، والسهم: الخط، والجمع سهمان وسهمة، والسهم في الأصل واحد السهام التي يضرب بها في الميسر، وهي القداح .... ثم كثر حتى سمي كلُّ نصيب سهمًا. وفي الاصطلاح عُرِّفَ بتعريفات عدة، منها: ١ - السهم هو: النصيب الذي يشترك به المساهم في الشركة .... ويتمثل في صَكٍّ يعطى للمساهم، يكون وسيلة في إثبات حقوقه في الشركة (١). ٢ - وعُرِّفَ بأنه: الجزء الذي ينقسم على قيمة مجموع رأس مال الشركة المثبت في صَكٍّ له قيمة اسمية، وتُمَثِّلُ الأسهمُ في مجموعها رأسَ مال الشركة، وتكون متساوية القيمة (٢).

(١) الشركات التجارية، للدكتور علي حسن يونس، ص٥٣٩. وانظر: أحكام السوق المالية. مجلة مجمع الفقه الإسلامي، العدد السادس، الجزء الثاني، ص١٢٨٦، د. محمد عبد الغفار الشريف. (٢) شركة المساهمة في النظام السعودي، د. صالح المرزوقي، ص٣٣٣. وانظر: الشركات للبابلي، ص١٧٨.

1 / 10

المسألة الثانية: خصائص الأسهم تَتَّصِفُ الأسهم بالخصائص الآتية: ١ - التساوي في القيمة الاسمية التي تصدر بها الأسهم؛ فلا يجوز نظامًا أن يكون لبعض الأسهم قيمة أعلى من قيمة البعض الآخر. والتساوي في القيمة يترتب عليه التساوي في الحقوق والالتزامات؛ سواء من حيث توزيع أرباح الشركة، أو موجوداتها بعد تصفيتها، أو في التصويت، أو في تَحَمُّلِ الديون والالتزامات المترتِّبة على الشركة، والشريك يسأل عن ديون الشركة بمقدار أسهمه التي يملكها فقط (١). ٢ - أنها غيرُ قابلة للتجزئة؛ بمعنى أنه لا يصح أن يملك جزءًا من سهم، ويجوز أن يشترك أكثر من واحد في ملكية سهم؛ لكن يُمَثِّلُهم تجاه الشركة شخص واحد، وكذلك الحال لو مات المالك للأسهم؛ فيتعيَّن على الورثة اختيار من يمثِّلُهم في الجمعية العمومية، وفي كل ما يتعلق بحقوق هذا السهم. ٣ - أنها قابلة للتداول بالطرق التجارية بيعًا وشراءً ورهنًا وغيرها؛ بمعنى أنه يمكن انتقالها إلى شخص آخر بعيدًا عن سلطة الشركة، وسواء كان السهم صادرًا لحامله من غير اسم، أو كان السهم إذنيًّا - أي يصدر لإذن أو أمر المساهم - فيتم تداولُه بطريق التظهير (٢).

(١) بمعنى أن مسؤولية مالك الأسهم بقيمة أسهمه فقط، ولا يطالب المساهم بما يزيد عن هذه القيمة مهما بلغت ديون الشركة ونقصت موجوداتها. (٢) انظر: أحكام الأسواق المالية، هارون، ص٣١، المعاملات المالية المعاصرة للزحيلي، ص ٣٦٣ - ٣٦٤، الشركات، للخياط: ٢/ ٩٤ - ٩٥.

1 / 11

المسألة الثالثة: قيمة السهم السهم له أكثر من قيمة؛ فقيمة السهم تطلب باعتبارات متعددة؛ فله قيمة اسمية، وقيمة إصدار، وقيمة دفترية، وقيمة حقيقية، وقيمة سوقية، وبيانها على النحو التالي: ١ - القيمة الاسمية: هي القيمة التي تمت الموافقة عليها من الجهة المختصَّة، ويتم بها طرح السهم للمكتتبين، وتكون مدوَّنةً على الصَّكِّ (السهم)، ويحسب على أساسها مجموع رأس مال الشركة؛ فهي قيمة ثابتة، ويتساوى فيها جميع المساهمين، ولا يجوز إصدار الأسهم بأقل من قيمتها الاسمية. ٢ - القيمة الدفترية: وهي قيمة السهم طبقا لدفاتر الشركة المحاسبية، وهذه القيمة تحسب بقسمة حقوق المساهمين على عدد الأسهم المصدرة، وتتكون من: حقوق المساهمين من رأس المال المدفوع، والاحتياطات، والأرباح المجمعة. ٣ - القيمة الحقيقية: هي النصيب الذي يستحقه السهم في جميع موجودات الشركة وأرباحها بعد حسم ديونها؛ فإذا ربحت الشركة وصار لها أموال احتياطية وأصول، فإن القيمة الحقيقية للسهم ترتفع وتصبح أعلى من القيمة الاسمية، ولو خسرت لحدث العكس. ٤ - قيمة الإصدار: هي القيمة التي تصدر بها الأسهم، وعادة يصدر السهم بقيمته الاسمية، ولا يجوز إصدار السهم بأقل من قيمته الاسمية طبقًا لنظام الشركات بالمملكة العربية السعودية، وإن جاز إصداره بأكثر من قيمته

1 / 12

الاسمية، وفي هذه الحالة يطلق على فرق القيمة علاوة إصدار، وبالتالي فإن قيمة الإصدار تساوي القيمة الاسمية للسهم زائدًا علاوة الإصدار (١). ٥ - القيمة السوقية: هي قيمة السهم في سوق الأسهم، وهذه القيمة متغيرة - وقد تتغير في ثوان أو دقائق - بحسب قوة العرض والطلب وأحوال السوق وسمعة الشركة، ومدى قوة مركزها المالي وسلامته. وتظهر هذه القيمة في شاشات الأسهم التي تديرها إدارة سوق المال (٢). المسألة الرابعة: أنواع الأسهم تتنوع الأسهم إلى أنواع عدة باعتبارات مختلفة: أولا: من حيث الشكل الذي تظهر به تنقسم إلى ثلاثة أقسام: القسم الأول: السهم الاسمي، وهو السهم الذي كتب باسم صاحبه، كما هو مُدَوَّن في سجلات الشركة، ونقل ملكيته يكون بطريق القيد في سجل المساهمين في الشركة.

(١) وهذه العلاوة إذا كانت مقدرة تقديرا مناسبا لتغطية مصاريف الإصدار فهي جائزة وإلا فلا. جاء في قرارات مجمع الفقه الإسلامي بجدة بشأن الأسهم، رقم ٦٣ (١/ ٧)، عام ١٤١٢هـ - ١٩٩٢م ما يلي: ٩ - إصدار أسهم مع رسوم إصدار: إن إضافة نسبة معينة مع قيمة السهم لتغطية مصاريف الإصدار لا مانع منها شرعا ما دامت هذه النسبة مقدرة تقديرا مناسبًا. ١٠ - إصدار أسهم بعلاوة إصدار أو حسم (خصم) إصدار: يجوز إصدار أسهم جديدة لزيادة رأس مال الشركة إذا صدرت بالقيمة الحقيقية للأسهم القديمة حسب تقويم الخبراء لأصول الشركة، أو بالقيمة السوقية. نقلًا عن المعاملات المالية المعاصرة للزحيلي ص٣٨٢. (٢) الاستثمار بالأسهم في السوق السعودي، د. عيد الجهني ص٣٥ - ٣٦، المعاملات المالية المعاصرة، للزحيلي، ص٣٦٣.

1 / 13

القسم الثاني: السهم لحامله، ويكون مِلْكًا لحامله، ولا يكتب عليه اسم صاحبه، وملكيته تكون بحيازته. القسم الثالث: السهم الإذني أو للأمر، وهو ما يسبق اسم صاحبه بعبارة: لإذن أو لأمر، ونقل ملكيته تكون بتظهيره؛ وذلك بكتابة اسم المالك الجديد، وتوقيع المالك السابق، دون الحاجة إلى الرجوع إلى سجلات الشركة. ثانيا: من حيث الحقوق التي تعطيها لصاحبها تنقسم إلى قسمين: القسم الأول: أسهم عادية، وهي التي تعطى عادة لغالب المساهمين، وتخولهم حقوقا متساوية، ويوزع على أصحابها الأرباح التي تبقى بعد أرباح الأسهم الممتازة. القسم الثاني: أسهم ممتازة، وهي الأسهم التي تختص ببعض المزايا التي لا تتمتع بها الأسهم العادية؛ كالأولوية في توزيع الأرباح بنسبة معينة كـ ٥ % من قيمته، وحق استعادة قيمة السهم بكاملها عند التصفية، وما يبقى فللأسهم العادية بالتساوي، وأحيانًا بزيادة الأصوات، أو الأولوية في الاكتتاب عند تقرير زيادة رأس المال (١).

(١) تخصيص بعض الأسهم بشيء من هذه الامتيازات لا يجوز شرعا؛ لمنافاته للعدالة بين المساهمين التي هي أصل الاشتراك، ولما فيه من الظلم بتخصيص البعض بشيء من المال من غير مسوغ شرعي، وما ينشأ عن ذلك من الغرر الذي نهى عنه النبي ﷺ في حديث أبي هريرة عن مسلم، رقم (٢٧٨٣)، وذكر بعض صور الغرر التي فيها تخصيص لأحد المتشاركين ناهيا عنها؛ حيث روى مسلم في صحيحه: (عن حنظلة بن قيس الأنصاري قال: سألت رافع بن خديج عن كراء الأرض بالذهب والورق، فقال: لا بأس به، إنما كان الناس يؤاجرون على عهد النبي ﷺ بما على الماذينات وأقبال الجداول وأشياء من الزرع، فيهلك هذا ويسلم هذا، ويسلم هذا ويهلك هذا، لم يكن للناس كراء إلا هذا، فلذلك زجر عنه، فأما شيء معلوم مضمون فلا بأس به). صحيح مسلم، رقم (٢٨٨٨). وانظر في منع تخصيص أحد من الشركاء بشيء معين دون غيره، المغني ٥/ ٢٣. الماذينات: هي ما ينبت على حافتي سبيل الماء. وأقبال الجداول: هو منابع الجداول، والجدول النهر الصغير.

1 / 14

ثالثا: من حيث إرجاعها إلى أصحابها وعدم إرجاعها تنقسم إلى قسمين: القسم الأول: أسهم رأس مال؛ وهي: الأسهم التي تستهلك قيمتها؛ بمعنى: أنها لا تعود إليه إلا عند فسخ الشركة أو انقضائها وتصفيتها لأي سبب من الأسباب. القسم الثاني: أسهم تمتع؛ وهو: الصَّكُّ الذي يتسلمه المساهم بعد أن يستهلك قيمة سهمه (١). ويتأخر حق صاحبه في الربح وعند التصفية عن أصحاب الأسهم غير المستهلكة حسب نظام الشركة (٢). والمراد باستهلاك السهم هو: رد قيمته الاسمية إلى المساهم قبل انقضاء الشركة، وقد يكون الرد له دفعة واحدة، وقد يكون تدريجيا (٣).

(١) الاستهلاك يجوز في حالة واحدة: إذا كان لجميع المساهمين، وبنسبة واحدة من كل سهم، وفيما عدا ذلك لا يجوز؛ لما فيه من تخصيص بعض المساهمين بشيء من المال من غير مخصص ولا مسوغ شرعي؛ ففيه ظلم وأكل للمال بالباطل وإضعاف لحقوق دائني الشركة، وهذا غرر بيِّن بهم؛ إذ لا يجوز أن يستحق ربحا بعد استهلاك سهمه؛ لأن الربح يُستحق إما بالمال أو العمل أو الضمان، ولا يوجد شيء من ذلك في صاحب السهم المستهلك. (٢) انظر: الشركات، للخياط ٢/ ٩٦ - ٩٨، شركة المساهمة، للمرزوقي، ص٣٥٣ وما بعدها، الاستثمار في الأسهم والوحدات الاستثمارية، د. عبد الستار أبو غدة، مجلة مجمع الفقه الإسلامي، العدد التاسع، الجزء الثاني، ص ١٠٩ - ١١٠. (٣) يحدث استهلاك الأسهم في بعض الحالات؛ مثل ما إذا كانت موجودات الشركة مما يستهلك؛ كمنجم أو محجر أو سفن بحرية؛ فالمنجم أو المحجر يفنى والسفن تبلى بعد مدة من الزمن، فتصبح غير صالحة للاستعمال، فإذا انتظرت الشركة إلى حين فناء المنجم أو المحجر أو إلى أن تبلى السفن فإنها لا تجد عندئذ موردا تدفع منه قيمة الأسهم، ولذلك تعمل الشركة على دفع جزء من أسهمها عاما بعد عام، حتى إذا انقضت مدة بقائها تكون قد استهلكت جميع الأسهم، وإن كان مشروع الشركة يقوم على حقوق مؤقتة - كما إذا كانت حاصلة على امتياز حكومي - تؤول بانتهائه جميع منشآتها إلى الدولة؛ مثل شركة الكهرباء والبترول والماء وسكك الحديد؛ إذ يتفق عادة على منح الامتياز الحكومي لمدة معينة تؤول بعدها جميع موجودات الشركة إلى الحكومة بغير مقابل، أو بمقابل ضئيل؛ ففي هذه الحالات يسمح استهلاك الأسهم للمساهمين بالحصول على قيمة أسهمهم. وقد أجاز النظام السعودي استهلاك الأسهم بالشروط الآتية: ١ - إذا نص في نظام الشركة على استهلاك الأسهم أثناء قيام الشركة م:١٠٤. ٢ - أن يكون مشروعها يهلك تدريجيا أو يقوم على حقوق مؤقتة م: ١٠٤/ ١. ٣ - لا يكون استهلاك الأسهم إلا من الأرباح، أو من الاحتياطي م: ١٠٤/ ٢ فتخصص الشركة كل عام جزءا من الأرباح أو من الأموال الاحتياطية لرد قيم الأسهم، ولا يجوز أن يكون الاستهلاك من رأس المال؛ إذ يجب أن يكون رأس المال كاملًا؛ لضمان حقوق الدائنين؛ أما إذا لم تنتج الشركة في عام ما أرباحا ولم يكن لديها احتياطي وجب أن تقف عملية الاستهلاك. انظر: شركة المساهمة، للمرزوقي، ص ٣٦٢ - ٣٦٣.

1 / 15

حصص التأسيس: هي: "نصيب مقدر في أرباح الشركة؛ فمثلًا تمنحه الشركة بموجب نظامها لبعض الأشخاص أو الهيئات مقابل ما يقدمونه من براءة اختراع أو التزام حصل عليه شخص اعتباري عام" (١). وهذه الحصص تعطى أيضًا للمؤسسين للشركة؛ مكافأة لهم على جهودهم التي بذلوها في تأسيس الشركة. فما حكم هذه الحصص؟ لابد من بيان الآتي: أولا: رأس مال الشركة المساهمة: هو ما جمعته من أموال نقدية وعينية من المساهمين، ولا يتكون إلا من هذين النوعين، وبالنظر إلى

(١) شركة المساهمة، د. صالح المرزوقي، ص٣٧٢. وانظر: الشركات للخياط ٢/ ٢٢٩، أحكام السوق المالية، د. محمد عبد الغفار الشريف، مجلة مجمع الفقه الإسلامي بجدة، العدد السادس، ٢/ ١٢٩٠.

1 / 16

ذلك نجد أن حصص التأسيس لا دخل لها أصلا في تكوين رأس مال الشركة. ثانيا: أن نظام الشركات نص على جواز دفع جزء مقدر من الأرباح كنصيب ثابت لهؤلاء مقابل تأسيس الشركة. الأصل أن الربح في هذه الشركات يستحق بمال يقدمه الشريك أو عمل يقدمه المضارب - المدير - خلال فترة المضاربة، هذا هو الأصل، وأصحاب حصص التأسيس لم يقدموا شيئًا من ذلك؛ فلم يقدموا مالا ولا عملا مستمرا مع أن العمل لا يجوز الاشتراك به في شركات المساهمة؛ حتى عند القانونيين (١)؛ فكيف يستحقون نصيبًا مستمرًّا من الربح مقابل ما قدَّموه، وكأن ما قدمه أصحاب هذه بيع لها على الشركة، والأصل في الثمن أن يكون معلومًا؛ لأن الجهالة غرر، وقد نهى النبي ﷺ عن بيع الغرر (٢)، ووجه كونه مجهولا ظاهرٌ؛ لأنه لا يدري هل يحصل ربح أو لا، وإذا حصل فما مقداره ....؟! والحكم الصحيح فيها: أنه يستحق مبلغا مقطوعا متفقا عليه مقابل

(١) الشركات، علي حسن يونس، ص٥٤٦. وانظر: الأسواق المالية، د. علي القرة داغي، مجلة الفقه الإسلامي، العدد السابع، ١/ .... . (٢) وقد أدركت بعض القوانين خطأ إنشاء حصص التأسيس، وهذا الإدراك ناتج عما لمسوه فيها من مخالفتها لمقتضى العدالة، وليس ناشئا عن شعور لمخالفتها لأحكام الشرع القويم، فقررت إلغائها. ومن هذه القوانين: القانون التجاري السوري، وقانون الشركات الأردني، والقانون اللبناني، والقانون الفرنسي الجديد؛ إذ اعتبرت هذه القوانين حصص التأسيس باطلة. يقول الدكتور كامل ملش في كتابه الشركات، ص٢٦٢: إن حصص التأسيس قد ظهرت عيوبها وأخطارها في جميع البلاد، وأدت إلى نتائج سيئة جدا، ولهذا نرى كثيرين وعلى رأسهم أسكارا يطالبون بإلغائها. وانظر: شركة المساهمة في النظام السعودي، د. صالح المرزوقي، ص ٣٨٣.

1 / 17

ما قدمه، وإن لم يتفق على مبلغ مقطوع فإن أصحاب الخبرة يقيِّمون هذا الجهد أو العمل، وما يُقيَّم به يكون هو النصيب المستحق، كما يُقيَّم ثمن المثل ومهر المثل وأجرة المثل، وهذا أصل شرعي. وبعد تقييمه يكون هو بالخيار بين أخذ هذا المبلغ المقطوع، أو أخذ ما يعادلها من أسهم، ويكون كسائر الشركاء في استحقاق الأرباح وتحمل الخسائر، وجواز التداول وغير ذلك من خصائص الأسهم. وبهذا يتحقق العدل، ويرتفع الغرر، ويندرج تحت أصول المعاملة في الشركات. المسألة الخامسة: محل العقد في بيع الأسهم إن المحل المتعاقد عليه في بيع السهم: هو الحصة الشائعة من أصول الشركة، وشهادة السهم عبارة عن وثيقة للحق من تلك الحصة (١). المسألة السادسة: حكم بيع الأسهم قبل تداولها الأسهم إما أن تكون أموالا نقدية، أو ديونا، أو أعيانا، أو مختلطة منها: ١ - فإن كانت لا تزال نقودا، فإنه يعتبر بيعها مبادلة نقد بنقد، وتجري عليها أحكام الصرف إذا بيت بجنسها أو بغير جنسها (٢). ٢ - وإذا كانت الأموال ديونًا في الذمم، فإنه يطبق عليها أحكام التعامل بالديون؛ فلا يجوز بيع الدَّيْن المؤجَّل من غير المدين بنقد معجل من جنسه أو من غير جنسه؛ لإفضائه إلى الربا، كما لا يجوز بيعه بنقد

(١) انظر: قرارات مجمع الفقه الإسلامي، جدة، قرار رقم (٧) ١/ ٦٥. (٢) انظر: قرار مجمع الفقه الإسلامي، بجدة، بشأن سندات المقارضة، قرار، رقم (٥) د٤/ ٠٨/٨٨، الدورة الرابعة، المجلد الثالث، ص٢١٥٩ - ٢١٦٢.

1 / 18

مؤجل من جنسه أو من غير جنسه على المدين وغير المدين؛ لأنه من باب بيع الكالئ بالكالئ المتفق على تحريمه؛ حيث يؤول إلى الربا، ولا فرق في ذلك بين كون الدين ناشئا عن قرض أو بيع آجل (١). ويجوز بيعها بأموال أو عروض لا تتحد معها في علة الربا. ٣ - إذا أصبح المال موجودات مختلطة من النقود والديون والأعيان والمنافع، فإنه يجوز تداولها بالسعر المتفق عليه؛ على أن يكون الغالب في هذه الحالة أعيانا ومنافع. هذا الأصل في حكم بيع الأسهم قبل تداولها؛ لكن هناك أمر ينبغي مراعاته وعدم إغفاله عند بيان الحكم في هذه المسألة؛ وهو الاسم التجاري للشركة المساهمة؛ فإن له قيمة مالية كبيرة؛ حيث يستغرق تسجيل الاسم وقتا وجهدا كبيرا ومالا. حيث يمكن بيع هذا الاسم بمال ربما يساوي الأموال المطروحة للاكتتاب أو يزيد أو ينقص؛ فلابد من مراعاة هذه الحقوق، ولابد من تقييمها من أصحاب الشأن؛ حتى يتسنَّى الحكم في جواز البيع قبل التداول؛ أما إطلاق القول بعدم الجواز إذا كانت الأموال نقودا أو ديونا أو منهما - فغير سائغ شرعا مع مالية الاسم التجاري في عرف السوق، وقد يكون لها موجودات ولديها موظفون عاملون يتقاضون رواتب، ولا شك أنهم داخلون في حساب مالية الشركة.

(١) انظر: قرار مجمع الفقه الإسلامي، بجدة بشأن بيع الدين، رقم (٩٢) ٤/ ١١، الدورة الحادية عشرة، المجلد الأول، ص٤٢٧ - ٤٣٠.

1 / 19

المبحث الأول حكم المساهمة في هذه الشركات وفيه مسائل: المسألة الأولى: في حكم هذه المساهمة المسألة الثانية: في فروع متعلقة بحكم هذه المسائل المسألة الثالثة: إذا دخل في شركة ثم تبين له وجود استثمار محرم

1 / 21

المبحث الأول حكم المساهمة في هذه الشركات المسألة الأولى: في حكم هذه المساهمة الحديث هنا في بيان حكم الأسهم استثمارا ومضاربة ليس في الشركات التي تستثمر في أمور محرمة كشركات صناعة الخمور، أو المصارف الربوية؛ وإنما هو في حكم الشركات التي أصل نشاطها مباح، لكنها تمارس أعمالا محرمة كالاقتراض بفوائد من أجل زيادة نشاط الشركة الاستثماري، أو تقوم بإيداع بعض أموالها في المصارف الربوية وتأخذ على هذه الأموال فوائد ربوية، كما هو حال كثير من الشركات الصناعية والخدماتية وغيرها. فهل يجوز الاتجار في أسهمها استثمارا ومضاربة أم لا؟ على قولين: القول الأول: تحريم الاتِّجار فيها مطلقا: وهو قول جماهير أهل العلم، والقول الذي صدرت به قرارات المجامع الفقهية (١)، واللجنة العلمية الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (٢)، والهيئة الشرعية لبيت التمويل الكويتي (٣)، والهيئة الشرعية لبنك دبي

(١) مجلة مجمع الفقه الإسلامي بجدة، العدد السابع ١/ ٧١٢، وقرارات المجمع الفقهي التابع لرابطة العالم الإسلامي، ص٢٧٩ في ٢٠/ ٨/١٤١٥هـ. (٢) فتاوى اللجنة ١٣/ ٤٠٧. (٣) الفتاوى الشرعية في المسائل الاقتصادية، فتوى، رقم (٥٣٢).

1 / 22

الإسلامي (١)، وهيئة الرقابة الشرعية للبنك الإسلامي السوداني (٢)، وبه قال عدد من الفقهاء المعاصرين (٣)، وقول أئمة السلف على التحريم، أو دال عليه. قال في الجامع الصغير (٤): (وكذلك مفاوضة الحر والمكاتب، وكذلك مفاوضة العبدين والمكاتبين، وكذلك مفاوضة الصبي التاجر والبالغ، ومفاوضة الحرين الكبيرين المسلمين أو الذميين صحيح؛ لوجود شرائط المفاوضة، وأما بين المسلم والذمي لا يصح عند أبي حنيفة ومحمد خلافا لأبي يوسف). (واشترط أن يتساويا في الدين؛ لأن الاختلاف فيه يؤدي إلى الاختلاف في التصرف؛ فإن الكافر إذا اشترى خمرا أو خنزيرا لا يقدر المسلم أن يبيعه، ومن شرطها أن يقدر على بيع جميع ما اشتراه شريكه؛ لكونه وكيلا له في البيع والشراء، وكذا المسلم لا يقدر على شرائهما، كما يقدر الكافر عليه؛ ففات الشرط، وهذا عندهما. وقال أبو يوسف: تجوز). وجاء في المدونة (٥): (في شركة المسلم النصراني والرجل المرأة قلت: أتصلح شركة النصراني المسلم، واليهودي المسلم في قول مالك؟ قال: قال: لا، إلا أن يكون لا يغيب النصراني واليهودي على شيء، في شراء ولا بيع ولا

(١) فتاوى هيئة الرقابة الشرعية لبنك دبي الإسلامي، فتوى، رقم (٤٩). (٢) فتاوى هيئة الرقابة الشرعية للبنك الإسلامي السوداني، فتوى، رقم (١٦). (٣) منهم الشيخ عبد العزيز بن باز، والشيخ عبد الله بن بيه، والدكتور الصديق الضرير، والدكتور علي السالوس. (٤) ١/ ٤٢٧. وانظر: تبيين الحقائق ٣/ ٣١٤، وخلاف أبي يوسف في مبدأ المشاركة لا فيما إذا ثبت تعامله بالربا فهو لا يقول بجواز مشاركته قطعا. (٥) ٩/ ٥١. وانظر: مواهب الجليل ٥/ ١١٨ - ١١٩، منح الجليل ٦/ ٢٥٠ - ٢٥١.

1 / 23

قبض ولا صرف ولا تقاضي دين إلا بحضرة المسلم معه؛ فإن كان يفعل هذا الذي وصفت لك وإلا فلا). قال في المهذب (١): (ويكره أن يشارك المسلم الكافر؛ لما روى أبو جمرة عن ابن عباس ﵁ أنه قال: لا تشاركن يهوديا ولا نصرانيا ولا مجوسيا! قلت: لم؟ قال: لأنهم يربون، والربا لا يحل) (٢). قال في المغني (٣): (قال أحمد: يشارك اليهودي والنصراني، ولكن لا يخلو اليهودي والنصراني بالمال دونه، ويكون هو الذي يليه؛ لأنه يعمل بالربا. وبهذا قال الحسن والثوري). وما باعوه من الخمر والخنزير قبل مشاركة المسلم فثمنه حلال؛ لاعتقادهم حله، ولهذا قال عمر بن الخطاب ﵁: وَلُّوهم بيعها وخذوا أثمانها. فأما ما يشتريه أو يبيعه من الخمر بمال الشركة أو المضاربة، فإنه

(١) ١/ ٣٤٥. وانظر: روضة الطالبين ٤/ ٢٧٥، غاية البيان شرح زبد ابن رسلان ١/ ٢٠٦. (٢) أخرجه ابن أبي شيبة في كتاب البيع والأقضية، في مشاركة اليهودي والنصراني، رقم (١٩٩٨٠) ٤/ ٢٦٨، والبيهقي في السنن كتاب البيوع، باب كراهية مبايعة من أكثر ماله من الربا أو من المحرم، رقم (١٠٦٠٤) ٥/ ٣٣٥. والحديث روي مرفوعا إلى النبي ﷺ: عن عطاء، نهى النبي ﷺ عن مشاركة اليهودي والنصراني ولا يصح. قال ابن القيم: وهذا الحديث على إرساله ضعيف السند. انظر: أحكام أهل الذمة ١/ ٥٥٦. (٣) ٥/ ٣. وانظر: الإنصاف ٥/ ٤٠٧، مطالب أولي النهى ٣/ ٤٩٥، شرح منتهى الإرادات ٢/ ٢٠٧.

1 / 24

يقع فاسدا، وعليه الضمان؛ لأن عقد الوكيل يقع للموكِّل، والمسلم لا يثبت ملكه على الخمر والخنزير، فأشبه ما لو اشترى به ميتة، أو عامل بالربا ... وقال إبراهيم بن هانئ: سمعت أبا عبد الله قال في شركة اليهودي والنصراني: أكرهه، لا يعجبني؛ إلا أن يكون المسلم الذي يلي البيع والشراء. وقال الأثرم: سألت أبا عبد الله عن مشاركة اليهودي والنصراني، قال: شاركهم، ولكن لا يخلو اليهودي والنصراني بالمال دونه يكون هو يليه؛ لأنه يعمل الربا) (١). قال ابن القيم: (قلت: الذين كرهوا مشاركتهم لهم مأخذان: أحدهما: استحلالهم ما لا يستحله المسلم من الربا والعقود الفاسدة). قال في المحلى (٢): (مسألة: ومشاركة المسلم للذِّمِّيِّ جائزة، ولا يَحِلُّ للذِّمِّيِّ من البيع والتصرف إلا ما يحل للمسلم؛ لأنه لم يأت قرآن ولا سنة بالمنع من ذلك). ويلاحظ أنه قيّد الجواز بالمعاملات الجائزة عند المسلمين، وإلا فلا تحل. فهذه نصوص أئمة وفقهاء المذاهب في منعهم وكراهتهم لمشاركة أهل الذمة لأنهم يربون؛ أي: لاحتمال إجرائهم عقودا ربوية في غيبة شريكهم المسلم؛ فكيف الحال بمن يدخل في شركة يعلم علم اليقين أنها تجري عقودا ربوية قرضا وإقراضا، ويقدم ماله لها على سبيل المشاركة والتوكيل طواعية واختيارا؟!

(١) أحكام أهل الذمة ١/ ٥٥٦. (٢) ٨/ ١٢٥.

1 / 25