Al-Adhkar by An-Nawawi
الأذكار للنووي ت الأرنؤوط
پژوهشگر
عبد القادر الأرنؤوط ﵀
ناشر
دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع
محل انتشار
بيروت - لبنان
ژانرها
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة المؤلف:
الحمد للَّه الواحد القهَّار، العزيز الغفَّار، مقدِّر الأقدار، مصرِّف الأمور، مُكوِّر الليل على النهار، تبصرةَ لذولي القلوب والأبصار، الذي أيقظ من خلقه ومن اصطفاه فأدخله في جملة الأخيار، ووفَّق من اجتباه من عبيده فجعلَه من الأبرار، وبصَّرَ من أحبَّه فزهَّدهم في هذه الدار، فاجتهدوا في مرضاته والتأهُّب لدار القرار، واجتناب ما يُسخطه والحذر من عذاب النار، وأخذوا أنفسهم بالجدِّ في طاعته وملازمة ذكره بالعشيّ والإِبكار، وعند تغاير الأحوال في آناء الليل والنهار، فاستنارت قلوبُهم بلوامع الأنوار.
أحمده أبلغَ الحمد على جميع نعمه، وأسألُه المزيد من فضله وكرمه، وأشْهَدُ أنْ لا إِلهَ إلاَّ اللَّه العظيم، الواحد الصمد العزيز الحكيم، وأشهد أن محمدًا عبدُه ورسوله، وصفيُّه وحبيبه وخليله، أفضلُ المخلوقين، وأكرمُ السابقين واللاحقين، صلواتُ الله وسلامُه عليه وعلى سائر النبيّينَ، وآل كلٍّ وسائر الصالحين.
أما بعد: فقد قال الله العظيم العزيز الحكيم: (فاذْكُرُوني أذْكُرْكُمْ) [البقرة: ١٥٢] وقال تعالى: (وَمَا خَلقْتُ الجِنَّ والإنْسَ إلا ليَعْدون) [الذاريات: ٥٦] فعُلِم بهذا إِنَّ مِنْ أفْضَلِ - أو أفضل - حال العبد، ذكره لرب العالمين، واشتغاله بالأذكار الواردة عن رسول الله ﷺ سيد المرسلين.
وقد صنَّف العلماء ﵃ في عمل اليوم والليلة والدعوات والأذكار كتبًا كثيرةً معلومةً عند العارفين، ولكنها مطوّلة بالأسانيد والتكرير، فضَعُفَتْ عنها هممُ الطالبين، فقصدتُ تسهيل ذلك على الراغبين، فشرعتُ في جمع هذا الكتاب مختصرًا مقاصد ما ذكرته تقريبًا للمعتنين، وأحذف الأسانيد في معظمه لما ذكرته من إيثار الاختصار، ولكونه موضوعًا للمتعبدين، وليسوا إلى معرفة الأسانيد (١) متطلعين، بل يكرهونه وإن قَصُرَ إلا الأقلّين، ولأن المقصود به معرفةُ الأذكار والعمل بها، وإيضاح
_________
(١) الأسانيد: هو جمع إسناد، وهو الإخبار عن طريق المتن.
(*)
1 / 3
مظانّها للمسترشدين، وأذكر إن شاء الله تعالى بدلًا من الأسانيد ما هو أهم منها مما يخلّ
به غالبًا، وهو بيان صحيح الأحاديث وحسنها وضعيفها ومنكرها (١)، فإنه مما يفتقر إلى معرفته جميعُ الناس إلا النادر من المحدّثين، وهذا أهمّ ما يجب الاعتناء به، وما يُحقِّقهُ الطالبُ من جهة الحفاظ المتقنين، والأئمة الحُذَّاق المعتمدين، وأضمُّ إليه إن شاء الله الكريم جملًا من النفائس من علم الحديث، ودقائق الفقه، ومهمات القواعد، ورياضات النفوس، والآداب التي تتأكد معرفتُها على السالكين.
وأذكرُ جميعَ ما أذكرُه مُوَضَّحًَا بحيث يسهلُ فهمه على العوام والمتفقهين.
١ - وقد روينا في (صحيح مسلم)، عن أبي هريرة ﵁، عن رسول الله ﷺ قال: (مَنْ دَعا إلى هُدىً كانَ لَهُ مِنَ الأجْرِ مِثْلَ أُجُورِ مَنْ تَبِعَهُ لا يَنْقُصُ ذلكَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيئًا) .
فأردت مساعدة أهل الخير بتسهيل طريقه والإِشارة إليه، وإيضاح سلوكه والدلالة عليه، وأذكر في أوَّلِ الكتاب فصولًا مهمة يحتاجُ إليها صاحبُ هذا الكتاب وغيره من المعتنين، وإذا كان في الصحابة مَن ليس مشهورًا عند مَن لا يعتني بالعلم نبَّهتُ عليه فقلت: روينا عن فلان الصحابيّ، لئلا يُشكَّ قي صحبته.
وأقتصر في هذا الكتاب على الأحاديث التي في الكتب المشهورة التي هي أصول الإِسلام وهي خمسة: (صحيح البخاري)، و(صحيح مسلم)، و(سنن أبي داود)، و(الترمذي)، و(النسائي) .
وقد أروي يسيرًا من الكتب المشهورة غيرها.
وأما الأجزاء والمسانيد فلستُ أنقل منها شيئًا إلا في نادر من المواطن، ولا أذكرُ من الأصول المشهورة أيضًا من الضعيف إلا النادر مع بيان ضعفه، وإنما أذكر فيه
_________
(١) والصحيح في الأصل من أوصاف الأجسام، ثم جُعل وصفًا للحديث، ثم هو قسمان: صحيح لذاته، وهو ما اتصل سنده برواية العدل الضابط عن مثله إلى منتهاه من غير شذوذ ولا علّة فادحة، وصحيح لغره: وهو كان رواية دون ذلك في الضبط والإتقان، فيكون حديثه في مرتبة الحسن فيرتقى بتعدد طرقه إلى الصحة.
والحسن قسمان كذلك: حسن لذاته، وهو أن يكون راويه مشهورًا بالصدق والأمانة لكن لم يبلغ درجة الصحيح في الحفظ والإتقان، وهو مرتفع عن حال من يُعَدُّ تفرده مُنكرًا، وحسن لغيره: وهو أن لا
يخلو الإسناد من مستور لم تتحقق أهلية، وليس مغفلًا كثير الخطأ فيما يرويه، ولا هو متهم بالكذب في الحديث، ولا ظهر منه سبب آخر مُفسِّقٌ، ويكون الحديث معروفًا برواية مثله أو نحوه من وجه آخر والضعيف: ما لم تجتمع فيه صفات الصحيح، ولا صفات الحسن المذكورة، وهو على ما رتب متفاوتة بحسب شدة ضعف رواته وخفته، وهو أنواع، منها المنكر.
(*)
1 / 4
الصحيح غالبًا، فلهذا أرجو أن يكون هذا الكتاب أصلًا معتمدًا، ثم لا أذكر في الباب من الأحاديث إلا ما كانت دلالته ظاهرة في المسألة.
والله الكريم أسألُ التوفيق والإِنابة والإِعانة والهداية والصيانة، وتيسير ما أقصده من الخيرات، والدوام على أنواع المكرمات، والجمع بيني وبين أحبابي في دار كرامته وسائر وجوه المسرّات.
وحسبي الله ونِعم الوكيل، ولا حولَ ولا قوَّة إلا بالله العزيز الحكيم، ما شَاءَ اللَّهُ لا قُوَّةَ إِلاَّ باللَّهِ، توكلتُ على الله، اعتصمتُ بالله، استعنتُ بالله، وفوَّضت أمري إلى الله، واستودعت ديني ونفسي ووالديّ وإخواني وأحبائي وسائر من أحسن إليّ وجميع المسلمين، وجميعَ ما أنعمَ به عليّ وعليهم من أمور الآخرة والدنيا، فإنه سبحانه إذا استُودع شيئا حفظه ونعم الحفيظ.
1 / 5
بسم الله الرحمن الرَّحِيمُ
[فصل]:
في الأمر بالإِخلاص وحسن النيّات في جميع الأعمال الظاهرات والخفيَّات
قال الله تعالى: (وَمَا أُمِروا إلاَّ ليعبُدوا الله مُخلِصِينَ لَهُ الدّين حُنفاء) [البيِّنة: ٥] وقال تعالى: (لَنْ يَنالَ الله لُحومُها وَلاَ دِماؤُها ولكنِ ينالُهُ التَّقوى مِنكمْ) [الحج: ٣٧] قال ابن عباس ﵄: معناه ولكن يناله النيّات.
أخبرنا شيخنا الإِمام الحافظ أبو البقاء خالد بن يوسف بن الحسن بن سعد بن الحسن بن المفرّج بن بكار المقدسيّ النابلسيّ ثم الدمشقي ﵁ (١)، أخبرنا أبو اليمن الكندي، أخبرنا محمد بن عبد الباقي الأنصاري، أخبرنا أبو محمد الحسن بن عليّ الجوهري، أخبرنا أبو الحسين محمد بن المظفر الحافظ، أخبرنا أبو بكر محمد بن محمد بن سليمان الواسطي، حدّثنا أبو نُعيم عبيد بن هشام الحلبي، حدّثنا ابن المبارك، عن يحيى بن سعيد - هو الأنصاري - عن محمد بن إبراهيم التيمي، عن علقمة بن وقّاص الليثيّ، عن عمر بن الخطاب ﵁ قال:
٢ - قال رسول الله ﷺ: " إنَّما الأعْمالُ بالنِّيَّاتِ وإنَّمَا لِكُلّ امرئ مَا نَوَى، فَمَنْ كانَتْ هِجْرَتُهُ إلى الله وَرَسولِهِ فَهِجْرَتُهُ إلى الله وَرَسولِهِ، وَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إلى دُنْيا يُصِيبُها أَوِ امْرأةٍ يَنْكِحُها فَهِجْرَتُه إلى ما هَاجَرَ إلَيْهِ ".
هذا حديث صحيح متفق على صحته، مجمع على عظم موقعه وجلالته، وهو أحد الأحاديث التي عليها مدارُ الإِسلام، وكان السلف وتابعوهم من الخلف ﵏ يَستحبُّون استفتاح المصنفات بهذا الحديث، تنبيهًا للمُطالع على حسن النيّة، واهتمامه بذلك والاعتناء به.
_________
(١) في (طبقات الحفّاظ) للذهبي ٤ / ١٤٤٧: خالد بن يوسف بم سعد بن حسن بن مفرج الإمام المفيد المحدّث الحافظ زين الدين أبو النابلسي ثم الدمشقي، ولد سنة (٥٨٥ هـ) وسمع من القاسم بن عساكر، ومحمد بن الخصيب، وحنبل الرصافي وغيرهم، وأخذ عنه النووي، وتقي الدين القشيري، وأبو عبد الله الملقن، والبرهان الذهبي، وغيرهم، توفي ﵀ سنة (٦٦٣ هـ) .
(*)
1 / 6
روينا عن الإِمام أبي سعيد عبد الرحمن بن مهدي رحمه الله تعالى: مَنْ أَرَادَ أنْ يُصنِّفَ كتابًا فليبدأ بهذا الحديث.
وقال الإِمام أبو سليمان الخَطَّابي ﵀: كان المتقدمون من شيوخنا يستحبُّون تقديم حديث (الأعمال بالنيّة) أمامَ كل شئ ينشأ ويبتدأ من أمور الدين لعموم الحاجة
إليه في جميع أنواعها.
وبلغنا عن ابن عباس ﵄ أنه قال: إنما يحفظ الرجلُ على قدر نيته.
وقال غيرُه: إنما يُعطى الناسُ على قدر نيّاتهم.
وروينا عن السيد (١) الجليل أبي عليّ الفُضيل بن عِياض رضي ﵀ عنه قال: تركُ العمل لأجل الناس رياءٌ، والعمل لأجل الناس شِركٌ، والإِخلاصُ أن يعافيَك الله منهما.
وقال الإمام الحارث المحاسبيُّ ﵀: الصادق هو الذي لا يُبالي لو خرج كلُّ قَدْرٍ له في قلوب الخلق من أجل صَلاح قلبه، ولا يحبُّ اطّلاع الناس على مثاقيل الذرِّ من حس عمله ولا يكره أن يطلع الناس على السيئ من عمله.
وعن حُذيفة المَرْعشيِّ ﵀ قال: الإِخلاصُ أن تستوي أفعالُ العبد في الظاهر والباطن.
وروينا عن الإمام الأستاذ أبي القاسم القُشَيريّ ﵀ قال: الإِخلاصُ إفرادُ الحق ﷾ في الطاعة بالقصد، وهو أن يُريد بطاعته التقرّب إلى الله تعالى دون شئ آخر: من تَصنعٍ لمخلوق، أو اكتساب محمَدةٍ عند الناس، أو محبّة مدحٍ من الخلق أو معنى من المعاني سوى التقرّب إلى الله تعالى.
وقال السيد الجليل أبو محمد سهل بن عبد الله التُستَريُّ ﵀: نظر الأكياسُ في تفسير الإِخلاص فلم يجدوا غير هذا: أن تكون حركتُه وسكونه في سره وعلانيته الله تعالى، لا يُمازجه نَفسٌ ولا هوىً ولا دنيا.
وروينا عن الأستاذ أبي علي الدقاق ﵀ قال: الإِخلاصُ: التوقِّي عن ملاحظة الخلق، والصدق: التنقِّي عن مطاوعة النفس، فالمخلصُ لا رياء له، والصادقُ لا إعجابَ له.
وعن ذي النون المصري ﵀ قال: ثلاثٌ من علامات الإِخلاص: استواءُ المدح والذمّ من العامَّة، ونسيانُ رؤية الأعمال في الأعمال، واقتضاءُ ثواب العمل في الآخرة.
وروينا عن القُشَيريِّ ﵀ قال: أقلُّ الصدق استواءُ السرّ والعلانية.
_________
(١) فيه إطلاق السيّد على غير الله تعالى، وهو جائز، وقيل بكراهته إذا كان بأل.
(*)
1 / 7
وعن سهل التستري: لا يشمّ رائحة الصدق عبدٌ داهن نفسه أو غيره، وأقوالهم في هذا غير منحصرة، وفيما أشرت إليه كفاية لمن وفّق.
[فصل]:
اعلم أنه ينبغي لمن بلغه شئ في فضائل الأعمال أن يعمل به ولو مرّة واحدة ليكون من أهله، ولا ينبغي أن يتركه مطلقًا بل يأتي بما تيسر منه، ٣ - لقول النبيّ ﷺ في الحديث المتفق على صحته: " إذَا أَمَرْتُكُمْ بشئ فأْتُوا مِنْهُ ما اسْتَطعْتُمْ ".
[فصل]:
قال العلماءُ من المحدّثين والفقهاء وغيرهم: يجوز ويُستحبّ العمل في الفضائل والترغيب والترهيب بالحديث الضعيف ما لم يكن موضوعًا (١) .
وأما الأحكام كالحلال والحرام والبيع والنكاح والطلاق وغير ذلك فلا يُعمل فيها إلا بالحديث الصحيح أو الحسن (٢) إلا أن يكون في احتياط في شئ من ذلك، كما إذا وردَ حديثٌ ضعيفٌ بكراهة بعض البيوع أو الأنكحة، فإن المستحبَّ أن يتنزّه عنه ولكن لا يجب.
وإنما ذكرتُ هذا الفصل لأنه يجئ في هذا الكتاب أحاديثُ أنصُّ على صحتها أو حسنها أو ضعفها، أو أسكتُ عنها لذهول عن ذلك أو غيره، فأردتُ أن تتقرّر هذه القاعدة عند مُطالِع هذا الكتاب.
[فصل]:
اعلم أنه كما يُستحبُّ الذكر يُستحبُّ الجلوس في حِلَق أهله، وقد تظاهرت الأدلة على ذلك، وستردُ في مواضعها إن شاء الله تعالى، ويكفي في ذلك حديث ابن عمر (٣) ﵄ قال:
_________
(١) قوله: ما لم يكن موضوعا: وفي معناه شديد الضعف، فلا يجوز العمل بخبر من انفرد من كذاب ومتهم، وبقي للعمل بالضعيف شرطان: أن يكون له أصل شاهد لذلك، كاندراجه في عموم أو قاعدة كلية، وأن لا
يعتقد عند العمل به ثبوته، بل يعتقد الاحتياط.
(٢) أي سواء كان ذلك لذاته في كل منهما أو لغيره بان انجبر ضعف ضعيف الحديث الصدوق الامين بمجيئه من طرق متعددة، فصار حسنا لغيره فيحتج به فيما ذكر.
(٣) نسبه المؤلف كما ترى إلى ابن عمر، ولم يذكر من خرجه عنه، وهو في المسند، والترمذي، والبيهقي في (شعب الايمان) عن أنس، والطبراني في الكبير عن ابن عباس، والترمذي عن أبي هريرة، وابن ابي الدنيا، وابي يعلي، والطبراني، والبزار، والحاكم، والبيهقي من حديث جابر، وقد قال الحافظ ابن حجر في تخريج الأذكار: لم أجده، يعني، الحديث، من حديث ابن عمر، ولا بعضه لا في الكتب المشهورة، ولا في الاجزاء المنثورة.
قال الحافظ السيوطي في (تحفة الأبرار بنكت الاذكار) (١): قال الحافظ ابن حجر ى (أمالي الاذكار) وانما وجدتُه من حديث جابر بمعناه مختصرا، قال: وأخرج أبو نُعيم في (الحلية) من طريق يوسف القاضي، حدثنا محمد بن أبي بكر، حدثنا زائدة بن ابي الرقاد - في الاصل: الزنا، وهو تحريف - حدثنا زياد النميري، عن أنس بن مالك ﵁ قال: قال رسول الله ﷺ: إذا = (*)
1 / 8
٤ - قال رسول الله ﷺ: " إذا مَرَرْتُمْ بِرِياضِ الجَنَّةِ فارْتَعُوا. قالُوا: وَمَا رِياضُ الجَنَّةِ يا رَسُولَ الله؟ قالَ: حِلَقُ الذّكْرِ، فإنَّ لله تعالى سَيَّارَاتٍ مِنَ المَلائِكَةِ يَطْلُبُونَ حِلَقَ الذّكْرِ، فإذَا أَتَوْا عَليْهِمْ حَفُّوا بِهِمْ ".
٥ - وروينا في (صحيح مسلم)، عن معاوية ﵁ أنه قال: (خرجَ رسولُ الله ﷺ على حلقة من أصحابه فقال: " ما أجْلَسَكُم؟ قالوا: جلسنا نذكُر الله تعالى ونحمَدُه على ما هدانا للإسلام ومنّ به علينا، قال: آلله ما أجْلَسَكُمْ إلا ذاك؟ أما إني لَمْ أستحلِفكُمْ تُهمةً لكُمْ، ولَكنَّهُ أتاني جبْرِيلُ فأخْبَرَنِي أنَّ الله تعالى يُباهي بكُمُ المَلائكَةَ ".
٦ - وروينا في (صحيح مسلم) أيضًا، عن أبي سعيد الخدري وأبي هريرة ﵄: أنهما شهدا على رسول الله ﷺ أنه قال: " لا يَقْعُدُ قَوْمٌ يَذْكُرُون اللَّهَ تَعالى إلا حَفَّتْهُمُ المَلائِكَةُ وَغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ وَنَزَلَتْ عَليهِمْ السَّكِينَةُ وَذَكَرَهُمُ اللَّهُ تَعالى فِيمَنْ عِنْدَهُ ".
[فصل]:
الذكر يكون بالقلب، ويكون باللسان، والأفضلُ منه ما كانَ بالقلب واللسان جميعًا، فإن اقتصرَ على أحدهما فالقلبُ أفضل، ثم لا ينبغي أن يُتركَ الذكرُ باللسان مع القلب خوفًا من أن يُظنَّ به الرياء، بل يذكرُ بهما جميعًا ويُقصدُ به وجهُ الله تعالى، وقد قدّمنا عن الفُضَيل ﵀: أن ترك العمل لأجل الناس رياء.
ولو فتح الإنسانُ عليه بابَ ملاحظة الناس، والاحتراز من تطرّق ظنونهم الباطلة لا نسدَّ عليه أكثرُ أبواب الخير، وضيَّع على نفسه شيئًا عظيمًا من مهمَّات الدين، وليس هذا طريق العارفين.
٧ - وروينا في (صحيحي البخاري ومسلم)، عن عائشة ﵂ قالت: نزلت هذه الآية (ولا تجهر بِصَلاتِكَ ولا تُخافِتْ بها) في الدعاء.
[فصل]:
اعلم أن فضيلة الذكر غيرُ منحصرةٍ في التسبيح والتهليل والتحميد والتكبير ونحوها، بل كلُّ عاملٍ لله تعالى بطاعةٍ فهو ذاكرٌ لله تعالى، كذا قاله سعيدُ بن جُبير ﵁ وغيره من العلماء.
_________
= مَرَرْتُمْ بِرِياضِ الجَنَّةِ فارتفعوا، قالوا: واين لنا برياض الجنة في الدنيا؟ قال: إنها في مجالس الذكر) وأخرج أبو نعيم أيضا من طريق الحسن بن سفيان، حدثنا محمد بن أبي بكر، حدثنا زائدة بن ابي الرقاد، عن زياد النميري عن أنس عن النبيّ ﷺ قال: (إنَّ لله سيارة مِنَ المَلائِكَةِ يَطْلُبُونَ حِلَقَ الذّكْرِ، فإذَا أَتَوْا عَليْهِمْ حَفُّوا بهم وبعثوا رائدهم الى السماء الى رب العزة سبحانه، فيقول وهو أعلم: أتينا على عباد من عبادك يعظمون آلاءك ويتلون كتابك، ويصلون على نبيك، ويسألون لاخرتهم ودنياهم، فيقول: غشوهم رحمى، هم القوم لا يشقى جليسهم) قلت: الظاهر أن الحديثين حديث واحد لاتحاد الرواة، فجمع النووي بينهما، واختصر بقية الحديث، وأراد أن يقول: حديث أنس، فسبق قلمه إلى ابن عمر.
أقول: وهو حديث حسن بطرقه وشواهده، ولذلك حسنه الترمذي وغيره.
(*)
1 / 9
وقال عطاء ﵀: مجالسُ الذِّكر هي مجالسُ الحلال والحرام، كيف تشتري وتبيعُ وتصلّي وتصومُ وتنكحُ وتطلّق وتحجّ، وأشباه هذا.
[فصل]:
قال الله تعالى: (إنَّ المُسْلِمِينَ والمُسْلِماتِ) إلى قوله تعالى: (والذاكرين الله كثيرا والذاكرات، أعد اللَّهُ لَهُمْ مغْفِرَةً وأجْرًا عَظِيمًا) [الأحزاب: ٣٥] .
٨ - وروينا في (صحيح مسلم، عن أبي هريرة ﵁، أن رسول الله ﷺ قال: " سَبَقَ المُفرِّدونَ، قالُوا: ومَا المُفَرِّدونَ يا رَسُولَ الله؟ قالَ: (الذَّاكِرُونَ الله كَثِيرًا وَالذَّاكرَاتُ) .
قلت: روي (المفرِّدون) بتشديد الراء وتخفيفها، والمشهور الذي قاله الجمهور التشديد.
واعلم أن هذه الآية الكريمة مما ينبغي أن يهتمَّ بمعرفتها صاحبُ هذا الكتاب.
وقد اختُلِفَ في ذلك، فقال الإِمامُ أبو الحسن الواحديّ: قال ابن عباس: المراد يذكرون الله في أدبار الصلوات، وغدوًّا وعشيًّا، وفي المضاجع، وكلما استيقظ من نومه، وكلما غدا أو راح من منزله ذكرَ الله تعالى.
وقال مجاهد: لا يكونُ من الذاكرين الله كثيرًا والذاكرات حتى يذكر الله قائمًا وقاعدًا ومضطجعًا.
وقال عطاء: من صلَّى الصلوات الخمس بحقوقها فهو داخلٌ في قول الله تعالى: (والذَّاكِرِينَ الله كَثيرًا وَالذَّاكِرَاتِ) هذا نقل الواحدي.
٩ - وقد جاء في حديث أبي سعيد الخدري ﵁ قال: قال رسول الله ﷺ: " إذا أيْقَظَ الرَّجُلُ أَهْلَهُ مِنَ اللَّيْلِ فَصَلَّيَا - أَوْ صَلَّى - رَكعَتينِ جَمِيعًا كُتِبَا في الذَّاكِرِينَ الله كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ " هذا حديث مشهور رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه في سننهم.
قال المصنف ﵀: حديث مشهور.
قال السيوطي في (تحفة الأبرار الاذكار): قال الحافظ ابن حجر: قول الشيخ يعنى النووي - هذا حديث مشهور: يريد شهرته على الألسنة، لا أنه مشهور اصطلاحا، فانه من أفراد علي ابن الأقمر عن الأغرّ.
وقوله: (رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه في سننهم) .
قال الحافظ ابن حجر: هو كما قال، لكنهم ذكروا أبا هريرة مع أبي سعيد، فما أدري لِمَ حذفه، فإنهما عند جميع مَن أخرجه مرفوعًا، وأما من أفرد أب سعيد فإنه أخرجه
موقوفا.
وسئل الشيخ الإِمام أبو عمر بن الصَّلاح ﵀ عن القدر الذي يصيرُ به من الذاكرينَ الله كثيرًا والذاكرات، فقال: إذا واظبَ على الأذكار المأثورة (١) المثبتة صباحًا
_________
(١) المأثورة: ما أُثِرَ عن النبي ﷺ، ويقدّم عند التعارض الأصحّ إسنادًا: أي: أو نزل منزلته كالاتي عن الصحابة، فانه نزل منزلة ما جاء عنه ﷺ في أذكار الطواف، ففضل الاشتغال به فيه على = (*)
1 / 10
ومساءً في الأوقات والأحوال المختلفة ليلًا ونهارًا - وهي مُبيّنة في كتاب عمل اليوم والليلة - كان من الذاكرين الله كثيرًا والذاكرات، والله أعلم.
فصل:
أجمع العلماءُ على جواز الذكر بالقلب واللسان للمُحْدِث والجُنب والحائض والنفساء، وذلك في التسبيح والتهليل والتحميد والتكبير والصلاة على رسول الله ﷺ والدعاء وغير ذلك.
ولكنَّ قراءة القرآن حرامٌ على الجُنب والحائض والنفساء، سواءٌ قرأ قليلًا أو كثيرًا حتى بعض آية، ويجوز لهم إجراءُ القرآن على القلب من غير لفظ، وكذلك النَّظَرُ في المصحف، وإمرارُه على القلب.
قال أصحابُنا: ويجوز للجُنب والحائض أن يقولا عند المصيبة: إنَّا لله وإنَّا إليه راجعون، وعند ركوب الدابة: سبحان الذي سخَّر لنا هذا وما كُنَّا له مُقرنين (١)، وعند الدعاء: ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنةً وقنا عذاب النار، إذا لم يقصدا به القرآن، ولهما أن يقولا: بسم الله، والحمد لله، إذا لم يقصدا القرآن، سواءٌ قصدا الذكر أو لم يكن لهما قصد، ولا يأثمان إلا إذا قصدا القرآن، ويجوزُ لهما قراءةُ ما نُسخت تلاوته ك (الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما) .
وأما إذا قالا لإِنسان: خذ الكتاب بقوّة، أو قالا: ادخلوها بسلام آمنين، ونحو ذلك، فإن قصدا غيرَ القرآن لم يحرم، وإذا لم يجدا الماء تيمَّمَا وجاز لهما القراءة، فإن أحدثَ بعد ذلك لم تحرم عليه القراءة كما لو اغتسل ثم أحدث.
ثم لا فرق بين أن يكون تَيمُّمُه لعدم الماء في الحَضَر أو في السفر، فله أن يقرأ القرآن بعده وإن
أحدث.
وقال بعضُ أصحابنا: إن كان في الحضر صلَّى به وقرأ به في الصلاة، ولا يجوزُ أن يقرأ خارجَ الصلاة، والصحيحُ جوازه كما قدّمناه، لأن تيمُّمَه قام مقام الغسل.
ولو تيمَّمَ الجنبُ ثم رأى ماء يلزمُه استعمالُه فإنه يحرمُ عليه القراءة وجميع ما يحرم على الجُنب حتى يغتسل.
ولو تيمَّم وصلَّى وقرأ ثم أراد التيمّم لحدثٍ أو لفريضةٍ أخرى أو لغير ذلك لم تحرم عليه القراءة.
هذا هو المذهب الصحيح المختار، وفيه وجه لبعض أصحابنا أنه يحرمُ، وهو ضعيف.
أما إذا لم يجد الجُنبُ ماءً ولا تُرابًا فإنه يُصلِّي لحُرمة الوقت على حسب حاله، وتحرمُ عليه القراءة خارجَ الصلاة، ويحرمُ عليه أن يقرأ في الصلاة ما زاد على الفاتحة.
*
_________
= الاشتغال بالقرآن فيه، وكما تقدم أن صنيع المصنف يقتضي أن ما جاء من الوارد من الذكر في مكان يسن الاتيان به، وسبق ما فيه.
(١) أي: مطيقين، ويضم إليها الآية الاخرى، وهي (وإنَّا إلى رّبنا لمنقلبون) أي: مبعوثون.
(*)
1 / 11
وهل تحرمُ الفاتحة؟ فيه وجهان: أصحُّهما لا تحرمُ بل تجبُ، فإن الصَّلاةَ لا تصحُّ إلا بها، وكما جازت الصلاةُ للضرورة تجوزُ القراءة.
والثاني تحرمُ، بل يأتي بالأذكار التي يأتي بها مَن لا يُحسن شيئًا من القرآن.
وهذه فروعٌ رأيتُ إثباتها هنا لتعلقها بما ذكرتُه، فذكرتها مختصرة وإلا فلها تتمّات وأدلة مستوفاة في كتب الفقه، والله أعلم.
فصل:
ينبغي أن يكون الذاكرُ على أكمل الصفات، فإن كان جالسًا في موضع استقبل القبلة وجلس مُتذلِّلًا مُتخشعًا بسكينة ووقار، مُطرقًا رأسه، ولو ذكر على غير هذه الأحوال جاز ولا كراهةَ في حقه، لكن إن كان بغير عذر كان تاركًا للأفضل.
والدليل على عدم الكراهة قول الله تعالى: (إنَّ في خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ لآيات لأولي الألباب.
الذين يذكرون الله قياما وَقُعوداَ وَعلى جُنوبِهمْ وَيَتَفكَّرُونَ في خَلْقِ السَّمَوَاتِ والأرْضِ.) [آل عمران: ١٩٠ - ١٩١] .
١٠ - وثبت في (الصحيحين)، عن عائشة ﵂ قالت: (كان رسول الله ﷺ يتكئ في حجري وأنا حائض فيقرأ القرآن) رواه البخاري ومسلم.
وفي رواية: (ورأسه في حجري وأنا حائض) .
وجاء عن عائشة ﵂ أيضًا قالت: (إني لأقرأ حزبي وأنا مضطجعةٌ على السرير) .
فصل:
وينبغي أن يكون الموضعُ الذي يذكرُ فيه خاليًا (١) نظيفًا، فإنه أعظمُ في احترام الذكر المذكور، ولهذا مُدح الذكرُ في المساجد والمواضع الشريفة.
وجاء عن الإِمام الجليل أبي ميسرة ﵁ قال: (لا يُذكر اللَّهَ تعالى إلاَّ في مكان طيّب) وينبغي أيضًا أن يكون فمه نظيفًا، فإن كان فيه تغيُّر أزاله بالسِّواك، وإن كان فيه نجاسة أزالها بالغسل بالماء، فلو ذكر ولم يغسلها فهو مكروهٌ ولا يَحرمُ، ولو قرأ القرآن وفمُه نجسٌ كُره، وفي تحريمه وجهان لأصحابنا: أصحُّهما لا يَحرم.
فصل:
اعلم أن الذكر محبوبٌ في جميع الأحوال إلا في أحوال وردَ الشرعُ باستثنائها نذكرُ منها هننا طرفًا، إشارة إلى ما سواه مما سيأتي في أبوابه إن شاء الله تعالى، فمن ذلك: أنه يُكره الذكرُ حالة ض الجلوس على قضاء الحاجة، وفي حالة الجِماع، وفي حالة الخُطبة لمن يسمعُ صوت الخطيب، وفي القيام في الصلاة، بل يشتغلُ بالقراءة، وفي حالة النعاس.
ولا يُكره في الطريق ولا في الحمَّام، والله أعلم.
فصل:
المرادُ من الذكر حضورُ القلب، فينبغي أن يكون هو مقصودُ الذاكر فيحرص
_________
(١) أي: عن كلِّ ما يشتغل البال ويحصل من وجوده الاشتغال والوسواس.
(*)
1 / 12
على تحصيله، ويتدبر ما يذكر، ويتعقل معناه.
فالتدبُر في الذكر مطلوبٌ كما هو مطلوبٌ في القراءة لاشتراكهما في المعنى المقصود، ولهذا كان المذهبُ الصحيح المختار استحباب مدَّ الذاكر قول: لا إله إلا الله، لما فيه من التدبر، وأقوالُ السلف وأئمة الخلف
في هذا مشهورة، والله أعلم.
فصل:
ينبغي لمن كان له وظيفةٌ من الذكر في وقت من ليل أو نهار، أو عقب صلاة أو حالة من الأحوال ففاتته أن يتداركها ويأتي بها إذا تمكن منها ولا يهملها، فإنه إذا اعتاد الملازمة عليها لم يعرّضها للتفويت، وإذا تساهل في قضائها سَهُلَ عليه تضييعها في وقتها.
١١ - وقد ثبت في (صحيح مسلم)، عن عمرَ بن الخطاب ﵁ قال: قال رسول الله ﷺ: (مَنْ نامَ عَنْ حِزْبِهِ أَوْ عَنْ شئ منه فقرأه ما بَيْنَ صَلاةِ الفَجْرِ وصلاة الظهر كتب له كأنما قرأه من اللَّيل) .
(فصل:
في أحوال تعرضُ للذاكر يُستحبّ له قطعُ الذكر بسببها ثم يعودُ إليه بعد زوالها): منها إذا سُلِّم عليه ردّ السلام ثم عاد إلى الذكر، وكذا إذا عطسَ عنده عاطس شمَّته ثم عاد إلى الذكر، وكذا إذا سمع الخطيبَ، وكذا إذا سمع المؤذّنَ أجابَه في كلمات الأذان والإقامة ثم عاد إلى الذكر، وكذا إذا رأى منكرًا أزاله، أو معروفًا أرشد إليه، أو مسترشدًا أجابه ثم عاد إلى الذكر، كذا إذا غلبه النعاس أو نحوه.
وما أشبه هذا كله.
فصل:
اعلم أن الأذكار المشروعة في الصلاة وغيرها، واجبةً كانت أو مستحبةً، لا يحسب شئ منها ولا يُعتدّ به حتى يتلفَّظَ به بحيثُ يُسمع نفسَه إذا كان صحيح السمع لا عارض له.
فصل:
اعلم أنه قد صنَّف في عمل اليوم والليلة (١) جماعةٌ من الأئمة كتبًا نفيسة، رَووا فيها ما ذكروه بأسانيدهم المتصلة، وطرَّقُوها من طرق كثيرة، ومن أحسنها (عمل اليوم والليلة) للإِمام أبي عبد الرحمن النسائي، وأحسن منه وأنفس وأكثر فوائد كتاب: (عمل اليوم والليلة) لصاحبه الإمام أبي بكر أحمد بن محمد بن إسحاق السني ﵃.
وقد سمعتُ أنا جميعَ كتاب ابن السني على شيخنا الإمام الحافظ أبي البقاء
خالد بن يوسف بن سعد بن الحسن ﵁، قال: أخبرنا الإمام العلامة أبو اليَمن
1 / 13
زيد بن الحسن بن زيد بن الحسن الكِنْدي سنة اثنتين وستمائة، قال: أخبرنا الشيخ الإِمام أبو الحسن سعد الخير بن محمد بن سَهْل الأنصاريّ، قال: أخبرنا الشيخُ الإِمام أبو محمد عبد الرحمن بن أحمد بن الحسن الدُّوني، قال: أخبرنا القاضي أبو نصر أحمدُ بن الحسين بن محمد بن الكسَّار الدَّينوري، قال: أخبرنا الشيخ أبو بكر أحمدُ بن محمد بن إسحاق السُّني ﵁.
وإنما ذكرتُ هذا الإسناد هنا لأني سأنقلُ من كتاب ابن السني إن شاء الله تعالى جُملًا، فأحببتُ تقديمَ إسناد الكتاب، وهذا مستحسنٌ عند أئمة الحديث وغيرهم، وإنما خصصتُ ذكر إسناد هذا الكتاب لكونه أجمع الكتب في هذا الفنّ، وإلا فجميعُ ما أذكرهُ فيه لي به رواياتٌ صحيحةٌ بسماعات متصلة بِحَمْدِ الله تَعالى إلا الشاذّ النادر، فمن ذلك ما أنقلُه من الكتب الخمسة التي هي أصول الإسلام، وهي: (الصحيحان) للبخاري ومسلم، و(سنن أبي داود) و(الترمذي) و(النسائي) .
ومن ذلك ما هو من كتب (المسانيد) و(السنن) (كموطأ الإمام مالك)، و(مسند الإِمام أحمد بن حنبل)، و(أبي عوانة)، و(سنن ابن ماجه)، و(الدارقطني)، و(البيهقي) وغيرها من الكتب، ومن الأجزاء مما ستراه إن شاء الله تعالى.
وكلُّ هذه المذكورات أرويها - بحمد الله - بالأسانيد المتصلة الصحيحة إلى مؤلفيها، والله أعلم.
فصل:
اعلم أنَّ ما أذكرهُ في هذا الكتاب من الأحاديث أُضيفه إلى الكتب المشهورة وغيرها مما قدّمتُه، ثم ما كَانَ في صحيحي البخاري ومسلم أو في أحدهما أقتصرُ على إضافته إليهما لحصول الغرض وهو صحته، فإن جميعَ ما فيهما صحيح، وأما ما كَانَ في غيرهما فأُضيفُه إلى كتب السنن وشبهها مبيِّنًا صحته وحسنه أو ضعفه إنْ كانَ فِيهِ ضعفٌ
في غالب المواضع، وقد أغفلُ عن صحته وحسنه وضعفه.
واعلم أن (سنن أبي داود) من أكثر ما أنقلُ منه، وقد روينا عنه أنه قال: (ذكرتُ في كتابي الصحيح وما يُشبهه ويُقاربه، وما كان فيه ضعف شديد بيّنته، وما لم أذكر فيه شيئًا فهو صالح، وبعضُها أصحّ من بعض)، هذا كلام أبي داود، وفيه فائدة حسنة يحتاجُ إليها صاحب هذا الكتاب وغيرُه، وهي أن ما رواه أبو داود في (سننه) ولم يذكر ضعفَه فهو عنده صحيح أو حسن، وكلاهُما يُحتجّ به في الأحكام، فكيف بالفضائل.
فإذا تقرّر هذا فمتى رأيتَ هنا حديثًا من رواية أبي داود وليس فيه تضعيف، فاعلم أنه لم يضعِّفْه، والله أعلم.
1 / 14
وقد رأيتُ أن أُقدِّم في أوّل الكتاب بابًا في فضيلة الذكر مطلقًا أذكر فيه أطرافًا يسيرة توطئةً لما بعدها، ثم أذكرُ مقصود الكتاب في أبوابه، وأختمُ الكتابَ إن شاء الله تعالى بباب الاستغفار تفاؤلًا بأن يختم الله لنا به، والله الموفِّق، وبه الثقة، وعليه التوكل والاعتماد، وإليه التفويضُ والاستناد.
(بابٌ مختصر في أحرفٍ مما جاء في فضل الذكر غير مقيّدٍ بوقت)
قال الله تعالى: (وَلَذِكْرُ اللَّهِ أكْبَرُ) (١) [العنكبوت: ٤٥] وقال تعالى: (فاذْكُرُونِي أذْكُرْكُمْ) [البقرة: ١٥٢] وقال تعالى: (فَلَوْلا أَنَّهُ كَانَ مِنَ المُسَبِّحينَ لَلَبِثَ في بَطْنِهِ إلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ) [الصَّافات: ١٤٣] وقال تعالى: (يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ والنَّهارَ لاَ يَفْتُرُونَ) [الأنبياء: ٢٠] .
وروينا في صحيحي إمامي المحدثين: أبي عبد الله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة البخاري الجعفي مولاهم، وأبي الحسين مسلم بن الحجاج بن مسلم القُشيري النيسابوري ﵄ بأسانيدهما، عن أبي هريرة ﵁، واسمه عبد الرحمن بن صخر على الأصح من نحو ثلاثين قولًا، وهو أكثر الصحابة حديثًا، قال:
١٢ - قال رسول الله ﷺ: (كَلِمَتَانِ خَفِيفَتانِ على اللِّسانِ، ثَقِيلَتَانِ في المِيزَانِ،
حَبيبَتَانِ إلى الرَّحْمَنِ: سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ، سُبْحَانَ اللَّهِ العَظيمِ) وهذا الحديث آخر شئ في صحيح البخاري.
١٣ - وروينا في (صحيح مسلم) عن أبي ذرّ ﵁ قال: قال لي رسول الله ﷺ: (ألا أُخْبِرُكَ بِأَحَبِّ الكَلامِ إلى اللَّهِ تَعالى؟ إِنَّ أحَبَّ الكَلام إلى اللَّه: سُبحانَ اللَّهِ وبِحَمْدِهِ) وفي رواية: سُئل رسولُ الله ﷺ: أيّ الكلام أفضل؟ قال: ما اصطفى الله لملائكته أوْ لعبادِهِ: سُبْحانَ اللَّهِ وبِحَمْدِهِ) .
١٤ - وروينا في (صحيح مسلم) أيضًا عن سَمُرة بن جندب قال: قال رسول الله ﷺ: (أحَبُّ الكَلامِ إلى اللَّهِ تَعالى أرْبَعٌ: سُبْحانَ اللَّهِ، والحمد لله، ولا إله إلا الله، وَاللَّهُ أَكْبَرُ، لا يَضُرّكَ بِأَيَّهِنَّ بَدأتَ) .
١٥ - وروينا في (صحيح مسلم) عن أبي مالك الأشعري ﵁ قال: قال رسول الله ﷺ: (الطُّهُورُ شَطْرُ الإِيمَانِ، والحَمْدُ لِلِّهِ تَمْلأُ المِيزَانَ، وَسُبْحانَ اللَّه والحَمْدُ لِلِّهِ تَمْلآنِ، أَوْ تَمْلأُ - مَا بَيْنَ السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ) .
_________
(١) ذكر العبد الله أكبر من كل ما سواه، وأفضل منه.
(*)
1 / 15
١٦ - وروينا فيه أيضًا عن جُويريةَ أمّ المؤمنين ﵂: " أن النبي ﷺ خرج من عندها بُكرة حين صلَّى الصبح، وهي في مسجدها، ثم رجع بعد أن أضحى، وهي جالسة فيه، فقالَ: " مَا زِلْتِ اليَوْمَ عَلى الحالَةِ الَّتي فارَقْتُكِ عليها؟ قالت: نعم، فقال النبيُّ ﷺ: لَقَدْ قُلْتُ بَعْدَكِ أَرْبَعَ كَلماتٍ ثَلاثَ مَرَّاتٍ لَوْ وزِنَتْ بِما قُلْتِ مُنْذُ اليَوْمِ لَوَزَنَتُهُنَّ: سُبحانَ اللَّهِ وبِحمْدِهِ عَدَدَ خَلْقِهِ، ورضى نَفْسِهِ، َوزِنَةَ عَرْشِهِ، وَمِدَادَ كَلِماتِهِ " وفي رواية: " سبحانَ اللَّهِ عَدَدَ خَلْقِهِ، سُبْحانَ الله رضى نفسه، سبحان الله زنة عرشه، سبحان اللَّهِ مِدَادَ كَلِماتِهِ ".
وروينا في " كتاب الترمذي " ولفظه: " ألا أُعَلِّمُكِ كَلماتٍ تَقُولينَها: سُبْحانَ اللَّهِ عَدَدَ
خَلْقِهِ، سُبْحَانَ اللَّهِ عَدَدَ خَلْقِهِ، سُبْحَانَ اللَّهِ عَدَدَ خَلْقِهِ، سبحان الله رضى نفسه، سبحان الله رضى نفسه، سبحان الله رضى نفسه، سبحان الله زنة عرشه، سبحان اللَّهِ زِنَةَ عَرْشِهِ، سبحان الله زنة عَرْشِهِ، سُبْحَانَ اللَّهِ مِدَادَ كَلِماتِهِ، سُبْحانَ اللَّهِ مِدَادَ كَلِماتِهِ، سُبْحانَ اللَّهِ مِدَادَ كَلِماتِهِ ".
١٧ - وروينا في " صحيح مسلم " أيضًا عن أبي هريرة ﵁ قال:: قال رسول الله ﷺ: " لأَنْ أقُولَ: سُبْحَانَ اللَّهِ، والحَمْدُ لله، ولا إله إلا الله، وَاللَّهُ أَكْبَرُ أَحَبُّ إِليَّ مِمَّا طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ ".
١٨ - وروينا في " صحيحي البخاري ومسلم " عن أبي أيَوبَ الأنصاري ﵁ عن النبي ﷺ قال: " مَنْ قَالَ لا إله إلا الله وحده لا شَريكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ وَهُوَ على كُلّ شئ قَدِيرٌ عَشْرَ مَرَّاتٍ، كانَ كَمَنْ أعْتَقَ أَرْبَعَةَ أَنْفُسٍ مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ ".
١٩ - وروينا في " صحيحيهما " عن أبي هريرة ﵁ أن رسول الله ﷺ قال: " من قالَ: لا إِلهَ إلا الله وحده لا شَريكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُ، وَلَهُ الحَمْدُ، وَهُوَ على كُلّ شئ قَدِيرٌ في يَوْمٍ مائَةَ مَرَّةٍ كانَتْ لَهُ عِدْلَ عَشْرِ رِقابٍ، وكُتِبَتْ لَهُ مائة حَسَنَةٍ، ومُحِيَتْ عَنْهُ مائة سَيِّئَةٍ، وكانَتْ لَهُ حِرْزًا مِنَ الشَّيْطانِ يَوْمَهُ ذلكَ حتَّى يُمْسيَ، ولَمْ يَأتِ أحَدٌ بأفْضَلَ مِمَّا جاءَ بِهِ إِلاَّ رَجُلٌ عَمِلَ أكْثَرَ منه " وقال: " ومَنْ قالَ سُبْحانَ اللَّهِ وبِحَمْدِهِ في اليَوْمِ مائة مَرَّةٍ، حُطَّتْ خَطَاياهُ وإنْ كانَتْ مِثْلَ زَبَدِ البَحْرِ ".
٢٠ - وروينا في " كتاب الترمذي وابن ماجه " عن جابر بن عبد الله ﵄ قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: " أفْضَلُ الذّكْرِ لا إلهَ إلاّ اللَّهُ " قال الترمذي: حديث حسن.
٢١ - وروينا في " صحيح البخاري " عن أبي موسى الأشعري ﵁ عن
1 / 16
النبيّ ﷺ: " مَثَلُ الَّذي يَذْكُرُ رَبَّهُ وَالَّذي لا يَذْكُرُهُ، مَثَلُ الحَيِّ وَالمَيِّتِ ".
٢٢ - وروينا في " صحيح مسلم " عن سعد بن أبي وقاص ﵁ قال: " جاءَ أَعْرَابيٌّ إلى رسول اللَّه ﷺ فقال: علِّمني كلامًا أقوله، قالَ: قُلْ: لا إلهَ إلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، اللَّهُ أَكْبَرُ كَبِيرًا، وَالحَمْدُ لِلَّه كَثِيرًا، وَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبّ العالَمِينَ، لا حَوْلَ وَلا
قُوَّةَ إِلاَّ باللَّهِ العَزِيزِ الحَكِيمِ، قال: فهؤلاء لربي فما لي؟ قال: قُل اللَّهُمَّ اغْفِرْ لي وَارْحَمْنِي وَاهْدِني وَارْزُقْنِي ".
٢٣ - وروينا في " صحيح مسلم " عن سعد بن أبي وقاص ﵁ قال: كنَّا عندَ رسول الله ﷺ فقال: " أيَعْجِزُ أحَدُكُمْ أَنْ يَكْسِبَ في كل يَوْمٍ أَلْفَ حَسَنَة؟ فسأله سائل من جلسائه: كيف يكسب ألف حسنة؟ قال: يسبح مائة تَسْبِيحَةٍ فَتُكْتَبُ لَهُ ألفُ حَسَنَةٍ، أَوْ تُحَطُّ عَنْهُ ألْفُ خَطِيئَةٍ ".
قال الإِمام الحافظ أبو عبد الله الحميدي: كذا هو في كتاب مسلم في جميع الروايات: " أو تحط " قال البرقاني: ورواه شعبة وأبو عوانة ويحيى القطان عن موسى الذي رواه مسلم من جهته، فقالوا: " وتُحَط " بغير ألف.
٢٤ - وروينا في " صحيح مسلم " عن أبي ذر ﵁ أن رسول الله ﷺ قال: " يُصْبحُ على كُلّ سُلامَى مِنْ أحَدِكُمْ صَدَقَةٌ، فَكُلُّ تَسْبِيحَةٍ صَدَقَةٌ، وكُلّ تَحْمِيدَةٍ صَدَقَةٌ، وكُلُّ تَهْلِيلَةٍ صَدَقَةٌ، وكُلُّ تَكْبِيرَةٍ صَدَقَةٌ، وَأَمْرٌ بالمَعْرُوفِ صَدَقَةٌ، وَنَهْيٌ عَنِ المُنْكَرِ صَدَقَةٌ، ويجزئ مِن ذلكَ ركْعَتانِ تركعهما منَ الضُّحَى " قلتُ: السُّلاَمَى بضم السين وتخفيف اللام: هو العضو، وجمعه سلاميات بفتح الميم وتخفيف الياء.
٢٥ - وروينا في " صحيحي البخاري ومسلم " عن أبي موسى الأشعري ﵁ قال: قال لي النبيّ ﷺ: " ألا أدُّلُّكَ على كَنْزٍ مِنْ كُنُوزِ الجَنَةِ؟ فقلت: بلى يا رسول الله، قال: قُل: لا حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللَّهِ ".
٢٦ - وروينا في " سنن أبي داود والترمذي " عن سعد بن أبي وقاص ﵁: أنه دخل مع رسول الله ﷺ على امرأة وبين يديها نوىً أو حصىً تُسَبِّح به، فقال: " ألا أُخْبرُكِ بِمَا هُوَ أَيْسَرُ عَلَيْكِ مِنْ هَذَا أو أَفْضَلُ؟ فَقالَ: سُبْحانَ الله عَدَدَ مَا خَلَقَ في السَّماءِ، وَسُبْحَانَ اللَّهِ عَدَدَ ما خَلَقَ في الأرْضِ، وسُبْحانَ اللَّهِ عَدَدَ ما بَيْنَ ذلكِ، وسُبحَانَ الله عَدَدَ ما هُوَ خالِقٌ، واللَّهُ أَكْبَرُ مِثْلَ ذلكَ، والحَمْدُ لِلَّهِ مثْلَ ذلكَ، ولا إِلهَ إِلاَّ اللَّهُ مثْلَ ذلكَ، ولا حَوْلَ وَلا قُوَّة إلاَّ بالله مِثْلَ ذَلكَ " قال الترمذي: حديث حسن (١) .
_________
(١) رواه أبو داود رقم (١٥٠٠) في الصّلاة، بابُ التسبيح بالحصى، والترمذي رقم (٣٥٦٣) في الدعوات، = (*)
1 / 17
٢٧ - وروينا فيهما بإسناد حسن عن يسيرة، بضم الياء المثناة تحت وفتح السين المهملة، الصحابية المهاجرة ﵂: " أن النبي ﷺ أمرهنّ أن يُراعين بالتكبير والتقديس والتهليل، وأن يعقدن بالأنامل فإنهنّ مسؤولات مستنطقات ".
٢٨ - وروينا فيهما وفي " سنن النسائي " بإسناد حسن عن عبد الله بن عمرو ﵄ قال: " رأيتُ رسولَ الله ﷺ يعقد التسبيح " وفي رواية " بيمينه ".
٢٩ - وروينا في " سنن أبي داود " عن أبي سعيد الخدري ﵁ أن رسولَ الله ﷺ قال: " مَنْ قَالَ: رَضِيتُ بالله رَبًّا، وبالإِسلام دِينًا، وبمُحَمَّدٍ ﷺ رَسُولًا وَجَبَتْ لَهُ الجَنَّةُ ".
٣٠ - وروينا في " كتاب الترمذي " عن عبد الله بن بُسْر، بضمّ الباء الموحدة وإسكان السين المهملة الصحابي ﵁، " أن رجلًا قالَ: يا رسول الله إن شرائع الإِسلام قد كثرتْ عليّ فأخبرني بشئ أتشبث به، فقال: لا يَزالُ لِسانُكَ رَطْبًا مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ تَعالى " قال الترمذي: حديث حسن، قلت: أتشبث بتاء مثناة فوق ثم شين معجمة ثم باء موحدة مفتوحات ثم ثاء مثلثة، ومعناه: أتعلَّقُ به وأستمسك.
٣١ - وروينا فيه عن أبي سعيد الخدري ﵁: " أن رسول الله ﷺ سئل: أيّ العبادة أفضل درجة عند الله تعالى يَوْمَ القِيامَةِ؟ قال: الذَّاكِرُونَ اللَّهَ كَثِيرًا، قُلْتُ: يَا رَسُول الله ومِن الغازي في سبيل الله ﷿؟ قال: لَوْ ضَرَبَ بِسَيْفِهِ في الكُفَّارِ والمُشْرِكِينَ حتَّى يَنْكَسِرَ سيفه ويختضب دمًا لكان الذَّاكرون اللَّه أفضل منهُ " (١) .
٣٢ - وروينا فيه وفي كتاب ابن ماجه عن أبي الدرداء ﵁ قال: قال
_________
= باب في دعاء النبي ﷺ وتعوذه في دُبُرِ كُلّ صلاة، ورواه أيضا ابن حبّان في صحيحه رقم (٢٣٣٠) موارد، كلهم من حديث عمرو بن الحارث عن سعيد بن أبي هلال عن خزيمة عن عائشة بنت سعد بن أبي وقاص عن أبيها سعد، وخزيمة غير منسوب عن عائشة بنت سعد لا يعرف، كما قال الحافظ في " التقريب "، ومع
ذلك فقد حينه الترمذي صححه الحاكم ووافقه الذهبي، ولعل تحسين الترمذي له برواية أخرى عنده رقم (٣٥٤٩) في الدعوات من حديث هاشم بن سعد الكوفي عن كنانة مولى صفية عن صفية قالت: (دخلَ عليَّ رسولُ الله ﷺ وبين يدي أربعة آلاف نواة أسبح بها، قال: " لقد سبحت بهذه، ألا أعلمك بأكثر مما سبحت به، فقلت: بل علمني، قال: قولي: سبحان الله عدد خلقه " ... الحديث) .
وقال الترمذي: هذا حديث غريب لا نعرفه من حديث صفية إلا من هذا الوجه من حديث هاشم بن سعيد، وليس إسناده بمعروف، قال: وفي الباب عن ابن عباس.
أقول: وثبت من حديث ابن عباس عن جويرية، ولكن ليس فيه ذكر الحصى.
(١) رواه الترمذي رقم (٣٣٧٣) في الدعوات، باب رقم (٥)، ورواه أيضًا أحمد في المسند ٣ / ٧٥ من حديث دراج أبي السمح عن أبي الهيثم عن أبي سعيد الخدري ﵁، وحديث دراج عن أبي الهيثم ضعيف، ولذلك قال الترمذي: هذا حديث غريب، إنما نعرفه من حديث دراج.
(*)
1 / 18
رسول الله ﷺ: " أَلا أُنْبِئُكُمْ بِخَيْرِ أعمالِكُمْ وَأزْكاها عنْدَ مَلِيكِكُمْ وأرْفَعِها (١) في دَرَجَاتِكُمُ، وخَيْرٍ لَكُمْ مِنْ إِنْفَاقِ الذَّهَبِ والورق، وخَيْرٍ لَكُمْ مِنْ أَنْ تَلْقَوْا عَدُوَّكُمْ فَتَضْرِبُوا أَعْنَاقَهُمْ ويضربوا أعناقكم! قالوا: بلى، قال: ذِكْرُ اللَّهِ تَعالى " قال الحاكم أبو عبد الله في كتابه المستدرك على الصحيحين: هذا حديث صحيح الإِسناد.
٣٣ - وروينا في " كتاب الترمذي " عن ابن مسعود ﵁ قال: قال رسول الله ﷺ: " لَقِيتُ إبْرَاهِيمَ ﷺ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بي، فقالَ: يَا محمد أقرئ أُمَّتَكَ السَّلامَ وأخْبِرْهُمْ أَنَّ الجَنَّةَ طَيِّبَةُ التُّرْبَةِ عَذْبَةُ المَاءِ، وأنها قِيعانٌ، وأنَّ غِرَاسَها: سُبْحَانَ اللَّه، والحَمْدُ لِلَّهِ، ولا إِلهَ إِلاَّ اللَّهُ واللَّهُ أَكْبَرُ " قال الترمذي: حديث حسن.
٣٤ - وروينا فيه عن جابر ﵁ عن النبي ﷺ قال: " مَنْ قال سبحان الله وبِحمْدِهِ، غُرِسَتْ لَهُ نَخْلَةٌ في الجَنَّةِ " قال الترمذي: حديث حسن.
٣٥ - وروينا فيه عن أبي ذرّ ﵁ قال: " قلتُ: يا رسولُ الله، أيُّ الكلام، أحبّ إلى الله تعالى؟ قال: " ما اصْطَفى اللَّهُ تَعالى لمَلائِكَتِهِ: سُبْحانَ ربِّي وبِحَمْدِهِ، سُبْحانَ
رَبي وبِحَمْدِهِ " قال الترمذي: حديث حسن صحيح.
وهذا حين أشرع في مقصود الكتاب وأذكره على ترتيب الواقع غالبًا، وأبدأ بأوّل استيقاظ الإِنسان من نومه، ثم ما بعده على الترتيب إلى نومه في الليل، ثم ما بعد استيقاظاته في الليل التي ينام بعدها، وبالله التوفق.
(باب ما يقولُ إذا استيقظَ مِن مَنامه)
٣٦ - وروينا في صحيحي إمَامَي المحدِّثين: أبي عبد الله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة البخاري وأبي الحسين مسلم بن الحجاج بن مسلم القُشيري ﵄، عن أبي هريرة ﵁ أن رسول الله ﷺ قال: " يَعْقِدُ الشَّيْطانُ على قافِيةِ رأسِ أحَدِكُم إذا هُوَ نَامَ ثَلاثَ عُقَدٍ، يَضْرِبُ على كُلّ عُقْدَةٍ مَكانَها: عَلَيْكَ لَيْلٌ طَويلٌ فارْقُدْ، فإنِ اسْتَيْقَظَ وَذَكَرَ الله تعالى انْحَلَّت عُقْدَةٌ، فإن تَوْضأ انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ، فإنْ صَلَّى انْحَلَّتْ عُقَدُهُ كُلُّها فأصْبَحَ نَشِيطًا طيب النَّفْسِ، وإلاَّ أَصْبحَ خَبِيثَ النَّفْسِ كَسْلانَ " هذا لفظ رواية البخاري، ورواية مسلم بمعناه، وقافية الرأس: آخره.
٣٧ - وروينا في " صحيح البخاري " عن حذيفةَ بن اليمان ﵄، وعن أبي ذر ﵁ قالا: كان رسول الله ﷺ إذا أوى إلى فراشه قال: باسْمِكَ اللَّهُمَ أَحْيا وأمُوتُ، وإذَا اسْتَيْقَظَ قالَ: الحَمْدُ لِلَّهِ الَّذي أحْيانا بَعْدَما أماتَنا وإلَيْهِ النشور ".
_________
(١) أي: أكثرها رفعا لدرجاتكم.
(*)
1 / 19
٣٨ - وروينا في كتاب ابن السني بإسناد صحيح عن أبي هريرة ﵁ عن النبي ﷺ قال: " إذَا اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ فَلْيَقُلْ: الحَمْدُ لِلَّهِ الَّذي رَدَّ عَلَيّ رُوحِي، وَعافانِي في جَسَدِي، وأذِن لي بذكره ".
قال السيوطي في " تحفة الأبرار بنكت الأذكار ": قال الحافظ ابن حجر: أخرجه الترمذي والنسائي، فما أدري لِمَ أغفل المصنف - يعني النووي - عزوه إليهما واقتصر على
عزوه إلى ابن السني، وأما قوله: إنه صحيح الإِسناد، ففيه نظر، فانه من أفراد محمد بن علاج، وهو صدوق لكن في حفظه شئ، وخصوصا في روايته عن المقبري، فان الذي ينفرد به من فبيل الحسن، وإنما يصحح له من يدرج الحسن في الصحيح، وليس ذلك من رأي الشيخ - يعني النووي ﵀.
٣٩ - وروينا فيه عن عائشة ﵂ عن النبي ﷺ قال: " ما منْ عَبْدٍ يَقُولُ عِنْدَ رَدّ اللَّهِ تَعالى رُوحَهُ: لا إلهَ إلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَريكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ وَهُوَ على كُلّ شئ قَدِيرٌ، إلاَّ غَفَرَ اللَّهُ تَعالى لَهُ ذُنُوبَهُ وَلَوْ كَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ البَحْرِ ".
٤٠ - وروينا فيه عن أبي هريرة ﵁ قال: قال رسول الله ﷺ: " ما من رَجُلٍ يَنْتَبِهُ منْ نَوْمِهِ فَيَقُولُ: الحَمْدُ لِلَّهِ الَّذي خَلَقَ النَّوْمَ واليَقَظَةَ، الحَمْدُ لِلَّهِ الَّذي بَعَثَنِي سالِمًا سَوِيًّا، أشْهَدُ أَنَّ اللَّهَ يُحْيِي المَوْتى وَهُوَ على كُلّ شئ قَدِير، إلاَّ قال اللَّهُ تَعالى: صَدَقَ عَبْدِي ".
٤١ - وروينا في " سنن أبي داود " عن عائشة ﵂ قالت: " كان رسول الله ﷺ إذا هَبَّ منَ اللَّيْلِ كَبَّرَ عَشْرًا، وحَمِدَ عَشْرًا، وقَالَ: سُبْحان الله وبِحَمْدِهِ عَشْرًا، وقَالَ: سبحان القُدُوس عَشْرًا، وَاسْتَغْفَرَ عَشْرًا، وَهَلَّل عَشْرًا، ثُمَّ قالَ: اللَّهُمَّ إِني أعُوذُ بِكَ مِنْ ضِيقِ الدنيا وضِيقِ يَوْمِ القِيامَة عَشْرًا ثُمَّ يَفْتَتِحُ الصَّلاة " وقولها هبَّ: أي استيقظ.
٤٢ - وروينا في " سنن أبي داود " أيضًا عن عائشة أيضًا " أن رسول الله ﷺ كان إذا استيقظ من الليل قالَ: لا إلهَ إِلاَّ أنْتَ سُبْحانَكَ اللَّهُمَّ أسْتَغْفِرُكَ لِذَنْبِي، وأسألُكَ رَحْمَتَكَ، اللَّهُمَّ زِدْنِي عِلْمًا ولا تزغ قلبي بعد إذ هديتني، وَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إنَّكَ أنت الوهاب ".
(بابُ ما يَقُول إذا لبسَ ثوبَه)
يُستحبُّ أن يقول: بسْمِ الله، وكذلك تُستحبّ التسمية في جميع الأعمال.
٤٣ - وروينا في كتاب ابن السني عن أبي سعيد الخدري ﵁، واسمه
1 / 20
سعد بن مالك بن سنان: " أن النبي ﷺ كان إذا لبس ثوبا [سماه باسمه] قميصًا أو رداء أو عمامة يقول: " اللَّهُمَّ إني أسألُكَ منْ خَيْرِهِ وَخَيْر مَا هُوَلَهُ، وأعُوذُ بِكَ مِنْ شَرّهِ وَشَرّ ما هُوَ لَه ".
٤٤ - وروينا فيه عن معاذ بن أنس ﵁ أن رسول الله ﷺ قال: " مَنْ لَبِسَ ثَوْبًا جَدِيدًا فَقَالَ: الحَمْدُ لِلَّهِ الذي كساني هذا ورزقنه مِنْ غَيْرِ حَوْلٍ مِنِّي وَلاَ قُوَّة، غَفَرَ الله لَهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذنبه ".
(بابُ ما يقولُ إذا لبسَ ثوبًا جديدًا أو نعلًا أو شبهه)
يُستحبُّ أن يقول عند لباسه ما قدّمناه في الباب قبلَه.
٤٥ - وروينا عن أبي سعيد الخدري ﵁ قال: " كان رسول الله ﷺ إذا استجدّ ثوبًا سمَّاه باسمه عمامة أو قميصًا أو رداء، ثم يقول: " اللَّهُمَّ لَكَ الحَمْدُ أنْتَ كَسَوْتِنِيهِ، أسألُكَ خَيْرَهُ وَخَيْرَ ما صُنِعَ لَهُ، وأعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّهِ وَشَرّ ما صُنِعَ لَهُ " حديث صحيح، رواه أبو داود سليمان بن الأشعث السجستاني، وأبو عيسى محمد بن عيسى بن سورة الترمذي، وأبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب النسائي في " سننهم " قال الترمذي: هذا حديث حسن.
٤٦ - وروينا في كتاب الترمذي عن عمر ﵁ قال: سمعتُ رسول الله ﷺ يقول: " مَنْ لَبِسَ ثَوْبًا جَدِيدًا فَقَالَ: الحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي كَساني ما أُوَاري بِهِ عَوْرَتي وَأَتَجَمَّلُ بِهِ في حياتي، ثُمَّ عَمَدَ إلى الثَّوْب الَّذِي أَخْلَقَ فَتَصَدَّقَ بِهِ، كانَ في حِفْظِ اللَّهِ وفي كَنَفِ اللَّه ﷿، وفي سبيل الله حَيًّا وَمَيِّتًا ".
(بابُ ما يقولُ لصاحبه إذا رأى عليه ثوبًا جديدًا)
٤٧ - روينا في " صحيح البخاري " عن أم خالد بنت خالد ﵂ قالت:
أُتي رسولُ اللَّه ﷺ بثياب فيها خميصةٌ سوداءُ، قال: " مَنْ ترون نكسو هذه الخميصة "؟ فسكت القومُ، فقال: " ائتوني بأُمّ خالِدٍ " فأُتي بي النبيَّ ﷺ فألبسنيها بيده، وقال: " أبْلِي، وأخْلِقِي "، مرّتين.
٤٨ - وروينا في كتابي ابن ماجه، وابن السني، عن ابن عمرَ ﵄ أن النبي ﷺ رأى على عمر ﵁ ثوبًا فقال: " أجَدِيدٌ هَذَا أمْ غَسِيلٌ "؟ فقال: بل غسيل، فقال: " الْبَسْ جَدِيدًا، وَعِشْ حَمِيدًا، ومت شهيدا ".
1 / 21
(بابُ كيفيّة لباسِ الثوبِ والنعلِ وخَلْعِهما)
يُستحبّ أن يبتدأ في لبس الثوب والنعل والسراويل وشبهها باليمين من كميه ورجلي السراويل ويخلع الأيسر، ثم الأيمن، وكذلك الاكتحال، والسواك، وتقليم الأظفار، وقصّ الشارب، ونتف الإِبط، وحلق الرأس، والسلام من الصلاة، ودخول المسجد، والخروج من الخلاء، والوضوء، والغسل، والأكل، والشرب والمصافحة، واستلام الحجر الأسود، وأخذ الحاجة من إنسان، ودفعها إليه، وما أشبه هذا، فكله يفعله باليمين، وضدّه باليسار.
٤٩ - وروينا في صحيحي البخاري، وأبي الحسين مسلم بن الحجاج بن مسلم القشيري النيسابوري عن عائشة ﵂ قالت: " كان رسول الله ﷺ يُعجبه التيمّن في شأنه كله: في طهوره وترجُّلِه وتنعّلِه.
٥٠ - وروينا في " سنن أبي داود " وغيره بالإِسناد الصحيح عن عائشة ﵂ قالت: " كانت يدُ رسول الله ﷺ اليمنى لطهوره وطعامه، وكانت اليسرى لخلائه وما كان من أذى ".
٥١ - وروينا في " سنن أبي داود "، و" سنن البيهقي " عن حفصة ﵂: أنَّ رسول الله ﷺ، كان يجعلُ يمينَه لطعامه وشرابه وثيابه، ويجعلُ يَسَارَه لما سوى ذلك ".
٥٢ - وروينا عن أبي هريرة ﵁، عن رسول الله ﷺ قال: " إذَا لَبِسْتُمْ، وَإذَا تَوَضَّأْتُمْ فابْدَؤوا بأيامنكم " حديث حسن، رواه أبو داود والترمذي، وأبو عبد الله
محمد بن يزيد هو ابن ماجه، وأبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي، وفي الباب أحاديث كثيرة، والله أعلم.
(بابُ ما يقولُ إذا خلعَ ثوبَه لغُسْلٍ أو نومٍ أو نحوهِمَا)
٥٣ - روينا في كتاب ابن السني، عن أنس ﵁ قال: قال رسول الله ﷺ: " سِتْرُ ما بَيْنَ أَعْيُنِ الجِنّ وَعَوْرَاتِ بَنِي آدَمَ أنْ يَقُولَ الرَّجُلُ المُسْلِمُ إذَا أرَاد أنْ يَطْرَحَ ثِيابَهُ: بِسْمِ اللَّهِ الذي لا إله إلا هو ".
(باب ما يقول حال خروجِهِ من بيتِه)
٥٤ - روينا عن أُمِّ سلمة ﵂، واسمها هند: أن النبي ﷺ كانَ إذَا خَرَجَ مِنْ بَيْتِهِ قالَ: " بسم اللَّهِ تَوَكَّلْتُ على اللَّهِ، اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِكَ أنْ أضِلَّ أَوْ أُضَلَّ، أوْ أزِلَّ،
1 / 22