من أن الروايةَ الأخرى عن أبي عمرٍو بإسكانِ الهمزةِ في ﴿بارئْكم﴾ أنها لَحْنٌ، وأن حركةَ الإعرابِ لا يجوزُ تَسْكِينُهَا، فهو غَلَطٌ (^١)، ولا شكَّ أنها لغةٌ صحيحةٌ، وقراءةٌ ثابتةٌ عن أبي عمرٍو، وتخفيفُ الحركةِ بالإسكانِ لغةُ تميمٍ وبني أسدٍ، وَيَكْثُرُ في كلامِ العربِ إسكانُ الحركةِ للتخفيفِ، ولا سيما إذا توالت ثلاثُ حركاتٍ، كما في قراءةِ الجمهورِ ﴿بَارِئِكُمْ﴾ بثلاثِ حركاتٍ. ومن تسكينِ الحركةِ للتخفيفِ قولُ امرئِ القيسِ (^٢):
فَالْيَوْمَ أَشْرَبْ غَيْرَ مُسْتَحْقِبِ ... إِثْمًا مِنَ اللَّهِ وَلَا وَاغِلِ
وعلى هذا التخفيفِ قراءةُ أبي عمرٍو ﴿أَرْنَا الَّذَيْنِ﴾ (^٣) [فصلت: آية ٢٩]، وقراءةُ حفصٍ: ﴿ويخش الله وَيَتَّقْهِ﴾ (^٤) [النور: آية ٥٢] فإن هذا السكونَ إنما هو تخفيفٌ؛ لأن المحلَّ ليس محلَّ سكونٍ، لأن الأصلَ (يتقيه) و﴿وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا﴾ (^٥) [البقرة: آية ١٢٨]. ومنه قولُ الشاعرِ (^٦):
أَرْنَا إِدَاوَةَ عَبْدِ اللَّهِ نَمْلَؤُهَا ... مِنْ مَاءِ زَمزَمَ إِنَّ الْقَوْمَ قَدْ ظَمِئُوا
وقولُ الآخَرِ (^٧):
ومَنْ يَتَّقْ فَإِنَّ اللَّهَ مَعْهُ ... وَرِزْقُ اللَّهِ مُؤْتَابٌ وَغَادِ