والتخليط فِي القَوْل فَإِنَّمَا هُوَ جُنُون ومرار هائج وَأما الْحمق فَهُوَ ضد الْعقل وهما مَا بَينا آنِفا وَلَا وَاسِطَة بَين الْعقل والحمق إِلَّا السخف وحد السخف هُوَ الْعَمَل وَالْقَوْل بِمَا لَا يحْتَاج إِلَيْهِ فِي دين وَلَا دنيا وَلَا حميد خلق مِمَّا لَيْسَ مَعْصِيّة وَلَا طَاعَة وَلَا عونا عَلَيْهِمَا وَلَا فَضِيلَة وَلَا رذيلة مؤذية وَلكنه من هذر القَوْل وفضول الْعَمَل فعلى قدر الاستكثار من هذَيْن الْأَمريْنِ أَو التقلل مِنْهُمَا يسْتَحق الْمَرْء اسْم السخف وَقد يسخف الْمَرْء فِي قصَّة وَيعْقل فِي أُخْرَى ويحمق فِي ثَالِثَة وضد الْجُنُون تَمْيِيز الْأَشْيَاء وَوُجُود الْقُوَّة على التَّصَرُّف فِي المعارف والصناعات وَهَذَا الَّذِي يُسَمِّيه الْأَوَائِل النُّطْق وَلَا وَاسِطَة بَينهمَا وَأما إحكام أَمر الدُّنْيَا والتودد إِلَى النَّاس بِمَا وافقهم وصلحت عَلَيْهِ حَال المتودد من بَاطِل أَو غَيره أَو عيب أَو مَا عداهُ والتحيل فِي إنماء المَال وَبعد الصَّوْت وتسبيب الجاه بِكُل مَا أمكن من مَعْصِيّة ورذيلة فَلَيْسَ عقلا وَلَقَد كَانَ الَّذين صدقهم الله فِي أَنهم لَا يعْقلُونَ وَأخْبرنَا بِأَنَّهُم لَا يعْقلُونَ سائسين لدنياهم مثمرين لأموالهم الْعقل والسلامة وَمَا إِذا كَانَ السَّعْي فِيمَا ذكرنَا بِمَا فِيهِ تصاون وأنفة فَهُوَ يُسمى الحزم وضده الْمنَافِي لَهُ التضييع وَأما الْوَقار وَوضع الْكَلَام مَوْضِعه والتوسط فِي تَدْبِير الْمَعيشَة ومسايرة النَّاس بالمسالمة فَهَذِهِ الْأَخْلَاق تسمى الرزانة وَهِي ضد السخف
1 / 59