بل هُوَ مهانة وَضعف وتضرية لَهُم على التَّمَادِي على ذَلِك الْخلق المذموم وتغبيط لَهُم بِهِ وَعون لَهُم على ذَلِك الْفِعْل السوء وَإِنَّمَا تكون الْمُسَامحَة مُرُوءَة لأهل الْإِنْصَاف المبادرين إِلَى الْإِنْصَاف والإيثار فَهَؤُلَاءِ فرض على أهل الْفضل أَن يعاملوهم بِمثل ذَلِك لَا سِيمَا إِن كَانَت حَاجتهم أمس وضرورتهم أَشد فَإِن قَالَ قَائِل فَإِذا كَانَ كلامك هَذَا مُوجبا لإِسْقَاط الْمُسَامحَة والتغافل للإخوان فِيهِ اسْتَوَى الصّديق والعدو والأجبني فِي الْمُعَامَلَة فَهَذَا فَسَاد ظَاهر فَنَقُول وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق كلَاما لَا يحض إِلَّا على الْمُسَامحَة والتغافل والإيثار لَيْسَ لأهل التغنم لَكِن للصديق حَقًا فَإِن أردْت معرفَة وَجه الْعَمَل فِي هَذَا وَالْوُقُوف على نهج الْحق فَإِن الْقِصَّة الَّتِي توجب الأثرة من الْمَرْء على نَفسه صديقه يَنْبَغِي لكل وَاحِد من الصديقين أَن يتَأَمَّل ذَلِك الْأَمر فَأَيّهمَا كَانَ أمس حَاجَة فِيهِ وَأظْهر ضَرُورَة لَدَيْهِ فَحكم الصداقة والمروءة تَقْتَضِي للْآخر وتوجب عَلَيْهِ أَن يُؤثر على نَفسه فِي ذَلِك فَإِن لم يفعل فَهُوَ متغنم مستكثر لَا يَنْبَغِي أَن يسامح أَلْبَتَّة إِذْ لَيْسَ صديقا وَلَا أَخا فَأَما إِذا اسْتَوَت حاجتهما واتفقت ضرورتهما فَحق الصداقة هَا هُنَا أَن يُسَارع كل وَاحِد مِنْهُمَا إِلَى الأثرة على نَفسه فَإِن فعلا ذَلِك فهما صديقان وَإِن بدر أَحدهمَا إِلَى ذَلِك وَلم يُبَادر الآخر إِلَيْهِ فَإِن كَانَت عَادَته هَذِه فَلَيْسَ صديقا وَلَا يَنْبَغِي أَن يُعَامل مُعَاملَة
1 / 46