١٧ - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَبَّاسِ بْنِ أَيُّوبَ، نَا عُبَيْدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْهَبَّارِيُّ، مِنْ كِتَابِهِ، وَحَدَّثَنَا ابْنُ جَمِيلٍ، نَا سُفْيَانُ بْنُ وَكِيعٍ، قَالَا: حَدَّثَنَا جُمَيْعُ بْنُ عُمَرَ الْعِجْلِيُّ، حَدَّثَنِي رَجُلٌ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ، مِنْ وَلَدِ أَبِي هَالَةَ زَوْجِ خَدِيجَةَ، عَنِ ابْنٍ لِأَبِي هَالَةَ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلَيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، ﵉، قَالَ: " سَأَلْتُ أَبِي عَنْ دُخُولِ النَّبِيِّ، ﷺ؟ قَالَ: كَانَ دُخُولُهُ لِنَفْسِهِ، مَأْذُونًا لَهُ فِي ذَلِكَ، وَكَانَ إِذَا أَتَى إِلَى مَنْزِلِهِ جَزَّأَ دُخُولَهُ ثَلَاثَةَ أَجْزَاءٍ: جُزْءٌ لِلَّهِ، وَجُزْءٌ لِأَهْلِهِ، وَجُزْءٌ لِنَفْسِهِ، ثُمَّ يَجْعَلُ جُزْأَهُ بَيْنَ النَّاسِ، فَيَرُدُّ ذَلِكَ عَلَى الْعَامَّةِ بِالْخَاصَّةِ، وَلَا يَدَّخِرُ عَنْهُمْ شَيْئًا، فَكَانَ مِنْ سِيرَتِهِ فِي جُزْءِ الْأُمَّةِ إِيثَارُ أَهْلِ الْفَضْلِ بِإِذْنِهِ وَقِسْمَتِهِ، عَلَى قَدْرِ فَضْلِهِمْ فِي الدِّينِ، مِنْهُمْ ذُو الْحَاجَةِ، وَمِنْهُمْ ذُو الْحَاجَتَيْنِ، وَمِنْهُمْ ذُو الْحَوَائِجِ، فَيَتَشَاغَلُ بِهِمْ، وَيَشْغَلُهُمْ فِيمَا يُصْلِحُهُمْ وَالْأَمَةَ مِنْ مَسْأَلَتِهِ عَنْهُمْ، وَإِخْبَارِهِمْ بِالَّذِي يَنْبَغِي لَهُمْ، وَيَقُولُ: لِيُبَلِّغُ الشَّاهِدُ مِنْكُمُ الْغَائِبَ، وَأَبْلِغُونِي حَاجَةَ مَنْ لَا يَسْتَطِيعُ إِبْلَاغِي حَاجَتَهُ، فَإِنَّهُ مَنْ أَبْلَغَ سُلْطَانًا حَاجَةَ مَنْ لَا يَسْتَطِيعُ إِبْلَاغَهَا ثَبَّتَ اللَّهُ قَدَمَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، لَا يُذْكَرُ عِنْدَهُ إِلَّا ذَلِكَ، وَلَا يُقْبَلُ مِنْ أَحَدٍ غَيْرُهُ. قَالَ فِي حَدِيثِ سُفْيَانَ بْنِ وَكِيعٍ: يَدْخُلُونَ رُوَّادًا وَلَا يَتَفَرَّقُونَ إِلَّا عَنْ ذَوَاقٍ، وَيَخْرُجُونَ أَدَلَّةً - يَعْنِي فُقَهَاءَ. قُلْتُ: فَأَخْبِرْنِي عَنُ مَخْرَجِهِ كَيْفَ كَانَ يَصْنَعُ فِيهِ؟ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَحْزِنُ لِسَانَهُ إِلَّا مِمَّا يَعْنِيهِمْ وَيُؤَلِّفُهُمْ، وَلَا يُفَرِّقُهُمْ، يُكْرِمُ كَرِيمَ كُلِّ قَوْمٍ، وَيُوَلِّيهِ عَلَيْهِمْ، وَيُحَذِّرُ النَّاسَ وَيَحْتَرِسُ عَنْهُمْ، مِنْ غَيْرِ أَنْ يُطْوَيَ عَنْ أَحَدٍ بِشْرَهُ وَخُلُقَهُ، وَيَتَفَقَّدُ أَصْحَابَهُ، وَيَسْأَلُ النَّاسَ عَمَّا فِي النَّاسِ، وَيُحَسِّنُ الْحَسَنَ وَيُصَوِّبُهُ، وَيُقَبِّحُ الْقَبِيحَ وَيُوَهِّنُهُ، مُعْتَدِلُ الْأَمْرِ غَيْرُ مُخْتَلِفٍ، لَا يَغْفُلُ مَخَافَةَ أَنْ يَغْفُلُوا، أَوْ يَمَلُّوا، لِكُلِّ حَالٍ عِنْدَهُ عَتَادٌ، لَا يُقَصِّرُ عَنِ الْحَقِّ، وَلَا يُجَاوِزَهُ إِلَى غَيْرِهِ، الَّذِينَ يَلُونَهُ مِنَ النَّاسِ خِيَارُهُمْ، وَأَفْضَلُهُمْ عِنْدَهُ أَعَمُّهُمْ نَصِيحَةً وَأَعْظَمُهُمْ عِنْدَهُ مَنْزِلَةً: أَحْسَنُهُمْ مُوَاسَاةً وَمُؤَازَرَةً. وَسَأَلْتُهُ عَنْ مَجْلِسِهِ؟ فَقَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ لَا يَجْلِسُ وَلَا يَقُومُ إِلَّا ذَكَرَ اللَّهَ ﷿، وَلَا يُوَطِّنُ الْأَمَاكِنَ، وَيَنْهَى عَنْ إِيطَانِهَا، وَإِذَا جَلَسَ إِلَى قَوْمٍ جَلَسَ حَيْثُ يَنْتَهِي بِهِ الْمَجْلِسُ، وَيَأْمُرُ بِذَلِكَ، وَيُعْطَى كُلَّ جُلَسَائِهِ بِنَصِيبِهِ، لَا يَحْسِبُ أَحَدٌ مِنْ جُلَسَائِهِ أَنَّ أَحَدًا أَكْرَمُ عَلَيْهِ مِنْهُ مَنْ جَالَسَهُ أَوْ قَاوَمَهُ لِحَاجَةٍ، صَابَرَهُ حَتَّى يَكُونَ هُوَ الْمُنْصَرِفُ، وَمَنْ سَأَلَهُ حَاجَةً لَمْ يَنْصَرِفْ إِلَّا بِهَا أَوْ بِمَيْسُورٍ مِنَ الْقَوْلِ قَدْ وَسِعَ النَّاسَ مِنْهُ خُلُقَهُ فَصَارَ لَهُمْ أَبًا، وَصَارُوا عِنْدَهُ فِي الْحَقِّ سَوَاءٌ مَجْلِسُهُ مَجْلِسُ حِلْمٍ، وَحَيَاءٍ، وَصِدْقٍ، وَأَمَانَةٍ لَا تُرْفَعُ فِيهِ الْأَصْوَاتُ، وَلَا تُؤْبَنُ فِيهِ الْحَرُمُ، وَلَا تُنْثَى فَلَتَاتُهُ مُعْتَدِلِينَ يَتَوَاصَلُونَ فِيهِ بِالتَّقْوَى، مُتَوَاضِعِينَ، يُوَقِّرُونَ فِيهِ الْكَبِيرَ، وَيَرْحَمُونَ فِيهِ الصَّغِيرَ وَيُؤْثِرُونَ ذَا الْحَاجَةِ، وَيَحْفَظُونَ الْغَرِيبَ. قُلْتُ: كَيْفَ كَانَتْ سِيرَتُهُ فِي جُلَسَائِهِ؟ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ دَائِمُ الْبِشْرِ، سَهْلُ الْخُلُقِ، لَيِّنُ الْجَانِبِ، لَيْسَ بِفَظٍّ، وَلَا غَلِيظٍ وَلَا صَخَّابٍ فِي الْأَسْوَاقِ، وَلَا فَاحِشٍ وَلَا عَيَّابٍ، وَلَا مَدَّاحٍ يَتَغَافَلُ عَمَّا لَا يَشْتَهِي، وَيُؤْيَسُ مِنْهُ، وَلَا يُجِيبُ فِيهِ قَدْ تَرَكَ نَفْسَهُ مِنْ ثَلَاثٍ: الْمِرَاءِ، وَالْإِكْثَارِ، وَمَالَا يُعْنيِهِ وَتَرَكَ النَّاسَ مِنْ ثَلَاثٍ: كَانَ لَا يَذُمُّ أَحَدًا، وَلَا يُعَيِّرُهُ، وَلَا يَطْلُبُ عَوْرَاتِهِ، وَلَا يَتَكَلَّمُ إِلَّا فِيمَا رَجَا ثَوَابَهُ إِذَا تَكَلَّمَ أَطْرَقَ جُلَسَاؤُهُ، كَأَنَّمَا عَلَى رُءُوسِهِمُ الطَّيْرُ، وَإِذَا سَكَتَ تَكَلَّمُوا، وَلَا يَتَنَازَعُونَ عِنْدَهُ الْحَدِيثَ مَنْ تَكَلَّمَ أَنْصَتُوا لَهُ، حَتَّى يَفْرُغَ حَدِيثُهُمْ عِنْدَهُ حَدِيثُ أَوَّلِهِمْ، يَضْحَكُ مِمَّا يَضْحَكُونَ، وَيَتَعَجَّبُ مِمَّا يَتَعَجَّبُونَ وَيَصْبِرُ لِلْغَرِيبِ عَلَى الْجَفْوَةِ فِي مَنْطِقِهِ، وَمَسْأَلَتِهِ حَتَّى إِنْ كَانَ أَصْحَابُهُ لَيَسْتَجْلِبُونَهُمْ، فَيَقُولُ: إِذَا رَأَيْتُم طَالِبَ الْحَاجَةِ يَطْلُبُهَا فَارْفِدُوهُ، وَلَا يَقْبَلُ الثَّنَاءَ إِلَّا مِنْ مُكَافٍ، وَلَا يَقْطَعُ عَلَى أَحَدٍ حَدِيثَهُ، حَتَّى يَجُوزَ فَيَقْطَعَهُ بِنَهْي، أَوْ قِيَامٍ. فَسَأَلْتُ: كَيْفَ كَانَ سُكُوتُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ؟ قَالَ: كَانَ سُكُوتُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ عَلَى أَرْبَعٍ: عَلَى الْحِلْمِ، وَالْحَذَرِ، وَالتَّقْدِيرِ، وَالتَّفْكِيرِ، فَأَمَّا تَقْدِيرُهُ فَفِي تَسْوِيَةِ النَّظَرِ، وَالِاسْتِمَاعِ مِنَ النَّاسِ، وَأَمَّا تَفْكِيرُهُ فَفِيمَا يَبْقَى، وَلَا يَفْنَى وَجُمِعَ لَهُ الْحِلْمَ فِي الصَّبْرِ، فَكَانَ لَا يُغْضِبُهُ شَيْءٌ، وَلَا يَسْتَفِزُّهُ وَجُمِعَ لَهُ الْحَذَرُ فِي أَرْبَعٍ: أَخْذِهِ بِالْحَسَنِ لِيُقْتَدَى بِهِ، وَتَرْكِهِ الْقَبِيحَ لِيُنْتَهَى عَنْهُ، وَاجْتِهَادِهِ الرَّأْيَ فِيمَا أَصْلَحَ أُمَّتَهُ، وَالْقِيَامِ فِيمَا هُوَ خَيْرٌ لَهُمْ، جَمَعَ لَهُمْ خَيْرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ "
1 / 110