ومن أساتذته الإمام أبو نصر الإسماعيلي، وكان من الأمثلة النادرة في الورع والتقوى، وقد تلقى عنه الغزالي في جرجان، وعلق عنه التعليقة، كما كانوا يقولون.
ومن أساتذته إمام الحرمين، وكان من أتقى أهل زمانه، وقد تلقى عنه الغزالي في نيسابور، ويقال إنه كان يحسد الغزالي، بالرغم من شهادته له بالتفوق والنبوغ.
ومن أساتذته الإمام الزاهد أبو علي الفارمذي من أعيان تلامذة أبي القاسم القشيري وكان أستاذه في التصوف وقد عده السبكي من أصحابه.
هؤلاء وغيرهم من أساتذة الغزالي وأصحابه أثروا في حياته العقلية تأثيرا غير قليل، وطبعوا نظره إلى الحياة بطابع خاص، وفي مقدور القارئ أن يرجع إلى تفصيل حياة هؤلاء الذين اختصرنا أخبارهم في طبقات الشافعية. أما تلامذة الغزالي فسنعود إليهم في غير هذا الباب.
الباب الرابع
في مؤلفات الغزالي
تمهيد
تكلم ابن السبكي في طبقاته عن مؤلفات الغزالي، وتبعه الزبيدي في شرح الإحياء، ثم كتب جرجي زيدان في صدر الجزء السادس من السنة الخامسة عشرة للهلال كلمة مفصلة عن مصنفات الغزالي، وتمتاز هذه الكلمة بشيئين: الأول ترتيب تلك الكتب بحسب موضوعاتها، والثاني الإشارة إلى أماكن وجود النسخ النادرة، مخطوطة كانت أو مطبوعة، إلا أنه لحسن حظ العلم نجد أكثر ما نوه جرجي زيدان بندرته أصبح اليوم في المكاتب والأسواق.
وأهم كتب الغزالي فيما نحن بصدده من درس الأخلاق، «كتاب الإحياء»، وسنكتب عنه كلمة مفصلة وكتاب «ميزان العمل» وهو يقع في 215 صفحة، ونحسبه يفضل في دقته كتاب الإحياء، بل يشبه أن يكون خلاصة له، وميزان العمل هذا مقابل لكتابه «معيار العلم». وقد قال في مقدمته: «لما كانت السعادة التي هي مطلوب الأولين والآخرين لا تنال إلا بالعلم والعمل، وافتقر كل واحد منهما إلى الإحاطة بحقيقته ومقداره، ووجب معرفة العلم والتمييز بينه وبين غيره بمعيار، وفرغتنا منه، وجب معرفة العلم المسعد، والتمييز بينه وبين العمل المشقي، فافتقر ذلك أيضا إلى ميزان، فأردنا أن نخوض فيه ... إلخ» وقد نص على أنه وضع أكثر هذا الكتاب على طريقة التصوف.
ويلي هذين الكتابين في الأهمية كتاب «الأربعين». وهو جزء من كتاب «جواهر القرآن»، كما ذكر صاحب كشف الظنون، وقد وضع بعد الإحياء، وهو قريب منه في الموضوعات وفي التبويب.
صفحه نامشخص