وللمتوكل مقامات ثلاثة:
الأول:
مقام من يترك الزاد وهو يدور في الوادي، وإنما كان هذا أفضل فيما يرى الغزالي لأن فيه تثبيتا على الرضا بالموت!
الثاني:
مقام من يقعد في بيته أو في مسجد، ولكنه في القرى والأمصار. وهذا أضعف من الأول كما يقول.
والثالث:
من يخرج للكسب على الوجه الذي ارتضاه حين تكلم عن آداب الكسب، وهو أن لا يقصد به الاستثكار، ولم يكن اعتماده على بضاعته وكفايته، وعجيب والله أن يكون الكسب أدنى درجات المتوكلين.
توكل المعيل
غير أن الغزالي يخص تلك الحالة الشديدة بالمنفرد، وقد قدمنا أن يرضى له الاقتناع بأن الموت من جملة الأرزاق.
أما المعيل صاحب الأولاد فإنه لا يجوز له المقام الثالث، وهو توكل المكتسب، كتوكل أبي بكر رضي الله عنه إذ خرج للكسب «فأما دخول البراري وترك العيال توكلا في حقهم، أو القعود عن الاهتمام بأمرهم توكلا في حقهم، فهذا حرام. وقد يقضي إلى هلاكهم، ويكون هو مؤاخذا بهم. بل التحقيق أنه لا فرق بينه وبين عياله. فإنه إن ساعده العيال على الصبر على الجوع مدة وعلى الاعتداد بالموت على الجوع رزقا وغنيمة في الآخرة فله أن يتوكل في حقهم. وهذه مجازفة من الغزالي: إذ يرضى أن يعود الرجل أبناءه على الجوع، وأن يمرنهم على الاعتداد بالموت جوعا في سبيل الآخرة، وقد يكونون لم يبلغوا سن التكليف.
صفحه نامشخص