فإذا شئنا أن نربي للوطن رجالا صالحين فلنقص المفلوجين.
22 كانون الثاني 1942
ومن لا يكرم نفسه لا يكرم
كان في ضيعة من لبنان رجل مستور، تعشق مسايرة «المشايخ» حتى الوله، واستطيب مذاكرتهم التي تثير الضحك، على ما فيها من العبر. فأخذ يتعشى قبل الغروب ليأتي بيوتهم ملس الظلام، ثم لا يعود منها حتى يتدهور الليل.
وكثيرا ما كان المشايخ يزأرونه ولا يحس، ويقابلونه بفجاجة ولا يشعر. يستحلي حديثهم، ولو تماجنوا به وتنادروا عليه، وما كان يهتم في حضرتهم إلا بأن يقول كلمة جرت العادة في قولهم عندنا للشاربين: هنيئا يا سيدي، أو هنيئا لمن شرب، أو صحة وعافية، بحسب مراتب الناس.
وأخيرا تعود المشايخ رؤية هذا الضيف، فألفوه، وتغير نظرهم فيه حتى صار في عين نفسه كأنه واحد منهم. طيف بالشراب عليهم جملة، ذات ليلة، فأدى صاحبنا مهمة: هنيئا يا سيدي، لكل واحد منهم. ثم جاءت نوبته فشرب وأجال نظره فيهم فإذا هم في شغل عنه، فرأى أن يتنحنح ففعل، ثم أح، ثم سعل ... وما من يلتفت!
فانشق صدره من الغيظ حتى عدا طوره وقال لهم: محسوبكم شرب يا مشايخ!
فأجابه أحضرهم نكتة وألذعهم نادرة: «كل عمره يشرب.»
فكركروا جميعا في الضحك، ولم يفز صاحبنا منهم بكلمة: «صحة» حتى بعد استجدائها ...
هذا موقفنا من مصر العزيزة، أيها الأستاذ الصاوي، فلا تطلب لنا تكريما منها، بل ترحم معي، يرحمك الله، على زهير بن أبي سلمى.
صفحه نامشخص