ذاك من شقوة جدي ... بين إخواني وبيني حدثنا الغزي، ثنا المازني، أنبا يزيد بن معمر، قال: دخل رجل على سلم بن قتيبة في حاجة له فوضع قائم سيفه على إصبع سلم، واتكأ بالسيف على إصبعه، وسلم منصت لا يشعر وقد جرحه، فلما فرغ دعا بمنديل فمسح الدم فقيل له ألا نحيت رجلك؟ قال: كرهت أن أقطعه عن حاجته حدثنا القاسم، عن الأصمعي، قال: كان هشام بن عبد الملك، قد ضم سعيد بن عبد الرحمن بن حسان بن عبد الصمد بن عبد الأعلى مؤدب ولده، فعبث عبد الصمد بسعيد فدخل سعيد على هشام، فأنشأ يقول:
إنه والله لولا أنت لم ... ينج مني سالما عبد الصمد
فقال هشام: ولم ذاك؟ قال:
إنه قد رام جهلا خطة ... لم يرمها قبله مني أحد
، قال: وما ذاك؟ قال:
رام جهلا بي وجهلا بأبي ... يدخل العصفور في خيس الأسد
، فقال هشام: ليس ذاك ولا كرامة حدثنا أبو النضر إسماعيل بن ميمون، أنبا الليث بن مسعود، أنبا إسماعيل بن موسى الكرماني، قال: اجتمع أربعة حكماء؛ صاحب كسرى وصاحب قيصر وصاحب ملك الهند وصاحب ملك السند، فقالوا: تعالوا حتى ندبر كلام حلم يزداد به الحكيم حكمة، ويرتدع به الجاهل عن جهله، فقال صاحب كسرى: أنا على رد ما لم أقل أقدر مني على رد ما قلت، وقال صاحب قيصر: إني قد ندمت على ما قد قلت غير مرة، ولم أندم على ما لم أتكلم به، قال صاحب الهند: أنا إذا تكلمت بالكلمة ملكتني ولم أملكها، قال صاحب السند: عجبت لمن تكلم بكلام إن سكت عنه لم يضره وإن تكلم به لم ينتفع حدثنا منصور بن يحيى بن الشبل، أنبا المازني، عن الأصمعي، قال: قال صالح بن كيسان: أيكم ينشدني بيتا نصفه مخنث يتفكك ونصفه أعرابي في شملة بالبادية؟ قلنا: ما نعرفه، قال: قبحكم الله أما سمعتم قول جميل:
ألا أيها الركب النيام ألا هبوا
فهذا أعرابي في شملة، ثم قال:
نسائلكم هل يقتل الرجل الحب
فهذا مخنث بالعقيق يتفكك؟ وقال لنا: أما علمتم أن النابغة كان مخنثا؟ قلنا: وما علمك؟ قال:
سقط النصيف ولم ترد إسقاطه ... فتناولته واتقتنا باليد
لا والله ما عرف تلك الإشارة إلا من خنث. وقال يوما: هل علمتم أن عامر بن جوين كان أحمق؟ قلنا: وكيف ذاك؟ قال: أما سمعتم إلى قوله:
فما بيضة بات الظليم يحفها ... إلى جؤجؤ دان بميثاء حرمله
بأحسن منها يوم قالت ألا ترى ... تبدل خليلي إنني متبدله
؟ فما أعجبه منها وهي تقول هذه المقالة لولا أنه أحمق. أنشدني ابن أبي الوفاء الخزيمي:
لذكراك أحلى في الفؤاد وفي الحشا ... من الشهد بالعذب الزلال المبرد
على أن بين السحر والنحر جمرة ... متى ما أهيجها بذكراك توقد
فقدتك فقد الطفل أما حفية ... على صرع منه وحدثان مولد
دعاها فلما استعجمت عن جوابه ... أحال على ثدي لأخرى مجدد
فأنكره فارتاع يلمس أمه ... وبات له ليل السليم المسهد
أنشدني أبو الفضل الأصبهاني:
هل الوجد إلا أن قلبي لو دنا ... من الجمر قيد الرمح لاحترق الجمر
أفي الحق أني مغرم بك هائم ... وإنك لا خل هواك ولا خمر
وأنشدني لأبي العتاهية:
أرقيك أرقيك بسم الله أرقيكا ... من بخل نفسك لعل الله يشفيكا
ما سلم نفسك إلا من يتاركها ... وما عدوك إلا من يرجيها
آخر الجزء التاسع. ومما قرئ على ابن سويد، عن الكوكبي أيضا، كتب بعض الأصدقاء إلى صديق له محبوس:
فلعمر الإله لو كان للسيف ... مساغ وللسان مقال
صفحه ۲