تحركت نواهض الهمّة وبواعث العزيمة عند السلطان لغزو بلاد الروم المسماة ب لشكري (^١). وسبب ذلك- كما سبق أن ذكرنا- أنه كان يمنع السلطان من دخول بلاده أو الخروج منها لديار الإسلام. ولما تمكن [السلطان] (^٢) على عرش السعادة والإقبال في هذا الوقت أخذ يتلكأ ويتمهل ويتباطأ في إرسال الإتاوات وارتسام الأوامر والخدمات.
وذات يوم اختلى السلطان بأركان الدولة واستطرد في الحديث عن تدارك أمر لشكري، وقال إن لم نبادر بالهجوم لدرء فضوله وغروره فقد يؤول الأمر إلى خلل عظيم (^٣). قال أكابر الدولة إن نقض العهود مذموم، وعاقبته شوم واليمين الغموس يدع البلاد بلاقع، ولا يمكن أن يكون لهذا الفكر من نتيجة سوى خراب الدّيار واضطراب أحوال الدولة، إلا أن طريق الوعد والوعيد لم يغلق في هذا الصدد، وينبغي إرسال الرسل والإعراب عن العتاب البليغ والإلحاح في المطالبة، فإن جاء من طريق الاستغفار مبديا الاعتذار وجب أن تتلى حينذاك الآية الكريمة: «لا تثريب عليكم اليوم» (^٤)، أما إن أصر على النّفاق والشّقاق فينبغي أن نجعل من قول القائل/ آخر الدواء الكيّ حجة وبرهانا.
وهنا قال السلطان:
_________
(^١) أطلق المؤرخون المسلمون لقب لشكري على الدولة البيزنطية أو امبراطور الروم البيزنطيين. انظر مثلا: نهاية الأرب للنّويري، ٢٧: ١٠٩، طبع مصر ١٩٨٥.
(^٢) زيادة من أ. ع ص ٣، ١.
(^٣) كذا في أ. ع، ص ١٠٣ وفي الأصل جاى يعني مكان، وهو تصحيف.
(^٤) سورة يوسف: ٩٢.
1 / 43