وكنا يومًا بين يدي الراضي، وهو يشرب فلغط الجلساء فجذب الدواة والدرج وكتب فيه شيئًا وناولنيه فإذا فيه:
لما بَرِمْت بِراحِي وانْقَضَى الأَدَبُ ... قَرَنْتُها بِأُناسٍ شانَهُمْ إِرَبُ
تراهُمُ الدَّهْرُ لاَ يَرْوُونَ من لغط ... علَى المُدام فلا الْتَذُّوا وَلاَ شَرِبوا
ولم يزل الراضي نحو سنتين من خلافته، لا يشرب النبيذ ونشر به نحن بين يديه. وربما شرب الجلاب وأنا مصوب له ذلك مساعد عليه حتى أغواه أصحابنا فقال: إني أعطيت الله عهدًا أن لا أشربه أبدا
وكتب رقعة بلفظه بيمينه وعرضها على الفقهاء، فوجد رخصه فوجه بألف دينار إلى لأتصدق بها عنه وشرب: وقال لي يومًا أنشدني تشبيب قصيدتك البائية في ابن فرات فإنه عندي أحسن تشبيب سمعته قط فأنشدته:
سَيِّدِي أَنْتَ إِنَّني بِكَ صَبٌّ ... بَيْنَ أَيدِي الْهُمُوم والشَّوْق نَهْبُ
وشَفِيعِي إِلَيْكَ أَنِّي مُحبٌ ... وقَدِيمًا أَحِبُّ مَنْ لاَ يُحِبُّ
بَعَثَ الحُبُّ لي سَقامًا فَأَعْدَى ... بِيَ حُزْنًا مداومًا ما يَغِبُّ
لَيْس لي نَيَّةٌ أُسَلِّي بها النَّفْ ... س لِمَا قَدْ رَأَى وَلاَ لِيَ قَلْبُ
ضَاعَ صَبْرِي وَأَخْلَفَتْنِي ظُنُونٌ ... كاذِباتٌ يَلَذُّها مَنْ يَصَبُّ
غَيْرَ أنِّي أُرِحْتُ مِنْ قَوْلِ لاَحِ ... هُوَ هَمٌّ عَلَى الفُؤادِ وكَرْبُ
1 / 47