إذا أراد الكلام في معنى من المعاني، كذلك خيل إلى. أو المأمون من بلاغته وحسن سلوكه سبل المعاني وما أخطأه من شيء فلن يخطئه أن يكون أحسن الناس علمًا، بالشعر ونقدًا له كما ينقده العلماء به، وإنه من أطبع ملوك بني العباس في الشعر وأكثرهم شعرًا وأكرمهم عشرة لجلسائه وما رأيت ولا سمعت بخليفة أحسن منه أخلاقًا ولا أسمح بكل شيءِ بالمالِ والطعام حتى يفرط، وبالثياب والطيب ما بخل بشيء قط ولا تعاظمه شيءِ يهبه ولولا إتباعه لشهوته كثيرًا، عالماَ بما في ذلك من العيب محتملًا له على بصيرة لظننت أنه لا يقدم أحد عليه.
فكنا بين يديه في ذلك اليوم ثلاث ساعات من الليل نشرب وكان هو لا يشرب، قد ترك النبيذ جملة ثم انصرفنا وكان النوروز في تلك الأيام فجلس على بركة مرصصة الجوانب والمجاري حسنة قد عملها وأحضرنا فجلسنا حول البركة وملئت ماء وأمر فرمى فيها بمثقلات كافور كبار وصغار، ثم قال لنا كل من وقف بين يديه مثقلة فهي له فوقفت بين يدي بعضنا مثقلة وقدام بعضنا مثقلتان أنا منهم وقفت لي صغيرة وكبيرة باعهما لي ابن خزابة بثلاثة آلاف درهم ودفع إلينا ندا كثيرًا وعنبرًا، ووصل الجماعة بصلات مختلفة على أقدارهم عنده.
ثم واصل الجلوس بعد ذلك إلى أن كثر شغب الحجرية والساجية في طلب المال فقطع الجلوس معنا مدة لئلا يقولوا إنه مشغول بلذاته. ولما قبض على القاهر حبس في بيت وطولب بأموال
1 / 19