أخبار أبي محمد عبد الله بن وهب القرشي المصري الزاهد التقي الفاضل المرضي، العالم السري نضر الله وجهه، وفضله وزهده، وسبب وفاته
صفحه ۷۶
أخبرنا أبو الحسن يونس بن محمد بن مغيث رحمه الله، قراءة عليه وأنا أسمع، قال: أخبرنا القاضي أبو عمر أحمد بن محمد بن يحيى إجازة، عن أبي القاسم عبد الوارث بن سفيان قال: أخبرنا أبو محمد قاسم بن أصبغ البياني قال: أخبرنا أبو بكر أحمد بن زهير بن حرب قال:
صفحه ۷۷
سمعت يحيى بن معين يقول: عبد الله بن وهب المصري ثقة، وسمع من ابن جريج وهو صغير.
صفحه ۷۸
قال أحمد: وسمعت يحيى بن معين يقول: إنما كان سبب موته، يعني موت ابن وهب أنه كان يقرأ عليه كتاب ((الأهوال)) -أهوال يوم القيامة- فسقط، فمات من تلك السقطة، رحمه الله.
صفحه ۷۹
أخبرنا أبو محمد بن عتاب وغيره، عن أبي عمر النمري قال: أخبرنا خلف بن قاسم قال: حدثنا سلم بن الفضل قال: حدثنا إبراهيم بن أبي حسان قال: حدثنا أحمد بن أبي الحواري قال: حدثنا أبو عبد الله الهمذاني قال: شهدت عبد الله بن وهب فحدثني بهذا الحديث، قال: إن في الجنة حوراء يقال لها: الغنجة، فإذا أراد ولي الله أن يأتيها أتاها جبريل صلى الله عليه فآذنها فقامت على أطرافها، معها أربعة آلاف وصيفة يحملون أذيالها وذوائبها، فيجمرونها بمجامر بلا نار.
صفحه ۸۱
قال أبو عبد الله: فغشي على ابن وهب، فحملناه فأدخلناه منزله، فلم نزل نعوده حتى مات رحمه الله.
صفحه ۸۲
أخبرنا أبو الحسن عبد الرحمن بن عبد الله إجازة، عن قاسم بن محمد قال: أخبرنا أحمد بن محمد بن عبيدة، عن زياد بن عبد الرحمن القروي [قال: نا صالح بن محمد] (¬1) قال: أخبرنا محمد بن أحمد، عن جعفر بن محمد قال: سمعت محمد بن عيسى يقول: كان عبد الله بن وهب ذات يوم يقرأ ذكر الجنة والنار فمات، فبينا هم يغسلونه إذ وجدوا في فيه رطبة، وباعوا كتبه فبلغت خمس مائة دينار.
صفحه ۸۳
وأخبرنا القاضي الشهيد أبو عبد الله محمد بن أحمد بن خلف التجيبي جملة قال: أخبرنا أبو علي حسين بن محمد، قال: أخبرنا أبو عمر النمري، قال: حدثنا أبو عمر أحمد بن عبد الله بن محمد، عن أبيه قال: حدثنا محمد بن عمر بن لبابة قال: سمعت العتبي محمد بن أحمد يقول: حدثني سحنون بن سعيد، أنه رأى عبد الرحمن بن القاسم في النوم فقال له: ما فعل بك ربك؟
صفحه ۸۶
قال: وجدت عنده ما أحببت، فقال له: فأي عملك وجدت أفضل؟ قال: تلاوة القرآن، قال: قلت له: فالمسائل؟
صفحه ۸۷
فكان يشير بأصبعه يلشيها، قال: فكنت أسأله عن ابن وهب، فيقول لي: هو في عليين.
صفحه ۹۰
وأخبرنا أبو محمد بن محسن، وأبو عمران الشاطبي، وأبو جعفر بن خالد وغيرهم، أن أبا عمر النمري أخبرهم قال: أخبرنا أبو عبد الله محمد بن إبراهيم بن سعيد، ومن خطه نقلته، قال: حدثنا أحمد بن مطرف قال: حدثنا أبو عثمان سعيد بن عثمان قال: حدثنا الخشني، قال: حدثنا أبو جعفر الأيلي، قال: سمعت ابن وهب رحمه الله يقول: ما من ليلة تمر بي إلا وأنا أستهولها وأذكر بها هول الآخرة.
صفحه ۹۳
قال الأيلي: وشهدت ابن وهب بعد الجمعة وهو يقرأ عليه في منزله كتاب ((الأهوال)) الذي كان يرويه، أنه بلغه عن أبي هريرة، وشهد أبو أسامة البكاء، فأفرغ ابن وهب في البكاء وأبو أسامة، ثم إن أبا أسامة قام بتلك الزفة يقرأ، ورتب ابن وهب على حاله في البكاء، والقارئ يقرأ وابن وهب ينشج رافعا صوته، حتى أني لأحسب من كان منه على خمسين ذراعا يسمع صوته، فلم يزل كذلك حتى مال على الحائط الذي كان مستندا عليه، ثم احتمل وحمل إلى منزله، فلم يزل على تلك الحال لم يعقل عقلا يعرف أنه يعقل فيه حتى توفي رحمه الله، وكنا نرى أن قلبه قد انصدع.
صفحه ۹۴
وبإسناده عن أبي عثمان قال: حدثنا ابن وضاح قال: كان مالك بن أنس يكتب إلى ابن وهب: ((إلى فقيه مصر))، وما أعلم أحدا من أهل الأمصار كتب إليه مالك بذلك.
وقال له الثوري أول ما لقيه: أنت ابن وهب المصري؟ قال: نعم، قال: ما زلت أعلم مقامك في الإسلام منذ بلغني عنك.
صفحه ۹۵
قال: وقال سفيان بن عيينة إذ نعي إليه ابن وهب: فجع الناس به عامة، وفجعت أنا به خاصة.
قال أبو عثمان: قال ابن وضاح: قال لنا سحنون: كان ابن وهب قد قسم دهره على ثلاثة أجزاء، فكان أربعة أشهر يعلم الناس، وأربعة أشهر في الرباط بالإسكندرية، وأربعة أشهر في الحج.
صفحه ۹۶
قال ابن وضاح: حج ابن وهب سبعة وثلاثين حجة، أو ثلاثة وثلاثين، أو نحو هذا، الشك من أبي عثمان في هذا.
صفحه ۹۷
وبإسناده عن أبي عثمان قال: حدثنا إبراهيم بن محمد بن باز ابن القزاز قال: قال سحنون: والله، ما أود أنه فاتني من موطأ ابن وهب حرف - أو قال: حديث - وأن لي عيرا أو قطارا تحمل الذهب من هاهنا إلى مصر، ووالله ما يبالي من كان موطأ ابن وهب عند رأسه متي جاءه الموت، لقد أخذ للموت عدته.
قال أحمد بن مطرف: وسمعت سعيد بن خمير يقول: سمعت وهب بن نافع يقول: سمعت سحنون يقول:
صفحه ۱۰۱
ما كنت أعد اليوم الذي أختلف فيه إلى ابن وهب إلا خسارة، وما كنت أود اليوم بحمله قطارة تحمل الذهب والفضة من هاهنا إلى برك الغماد، ولو لم أحمله عن ابن وهب لخرجت من هاهنا إلى مصر على كبر سني إلى هذا الذي يقال له أبو الطاهر، على أنه ما يقلب حافر حتى أحمله عنه.
قال أحمد بن مطرف: وسمعت أبا عثمان الأعناقي يقول: سمعت أبا عبيد الله أحمد بن عبد الرحمن بن وهب يقول:
صفحه ۱۰۲
كنت عند عمي عبد الله بن وهب جالسا في مرضه الذي توفي فيه، وأمه -وهي جدتي- جالسة عند رأسه، فاشتهى رطبا، فقيل له: ليس هذا أوان الرطب، فسكت، ثم رأيناه يلك شيئا، فأدخلت أمه أصبعها في فيه ففغرت فاه فاستخرجت منه نواة من رطب، فعجبنا من ذلك، فأخذت أمه النواة فصرتها في طرف خمارها، فدخل عليها عبد الله بن عبد الحكم فأخبرته أمه بالخبر، فعجب من ذلك عبد الله، ثم مدت أمه يدها إلى طرف خمارها فحلت العقدة لتعرض عليه النواة فلم تجد في العقدة شيئا.
صفحه ۱۰۴
أخبرنا أبو عمران موسى بن عبد الرحمن الشاطبي، أن أبا عمر بن عبد البر أخبرهم قال: يقولون: إن مالكا رحمه الله لم يكتب إلى أحد كتابا، يعنونه بالفقيه إلا إلى ابن وهب، وكان رجلا صالحا خائفا لله تعالى، كان سبب موته أنه قرئ عليه كتاب ((الأهوال)) من جامعه، فأخذه شيء كالغشي، فحمل إلى داره فلم يزل كذلك إلى أن قضى نحبه.
صفحه ۱۰۷
وذكر أبو العباس محمد بن إسحاق السراج في تاريخه قال: حدثنا الجوهري، قال: حدثنا خالد بن خداش قال: قرئ على عبد الله بن وهب كتبه في أهوال يوم القيامة، فخر مغشيا عليه، فلم يتكلم بكلمة حتى مات رحمه الله، وذلك بمصر سنة سبع وتسعين ومائة.
صفحه ۱۰۹