وقد آثر المهدي جانب المهادنة مع العلوييّن بعد أن كفاه المنصور خطرهم المباشر، فلجأ إلى الوسائل السياسيّة السلميّة وإلى رصد تحرّكاتهم لاحتوائها.
وتحاول بعض الروايات أن تبرز جانب اللّين في سياسة المهدي، فيذكر الطبري عن مصدره [١] أن المنصور كان دفع إلى ربطة زوجة المهدي مفاتيح الخزائن وعهد لها ألاّ تفتح بعض تلك الخزائن بعد موته ولا تطلع عليها أحدا إلاّ المهدي، فلما فتحها المهدي ومعه ربطة «فإذا أزج كبير فيه جماعة من قتلاء الطالبيين وفي آذانهم رقاع فيها أنسابهم، وإذا فيهم أطفال، ورجال شباب ومشايخ عدة كثيرة، فلما رأى ذلك المهدي ارتاع لما رأى وأمر فحفرت لهم حفيرة فدفنوا فيها، وعمل عليهم دكّان».
ولهذا الخبر-رغم بنيته القصصيّة ويصرف النظر عن صحّته-دلالة مهمّة إذ يظهر شدّة المنصور وعنفه من جهة، ويشير إلى طبع المهدي الرقيق وارتياعه من جهة أخرى. هذا وتجمع المصادر [٢] على أن المهدي عمل على اتّباع سياسة مهادنة: فقد أطلق المساجين ووصل كل من أطلقه، كما حاول استرضاء العلوييّن فأخرج كل من كان منهم في السجن وأمر لهم بصلات وأرزاق دارّة، وكان ممن أخرجه الحسن بن معاوية بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب وكان ممن خرج مع النفس الزكيّة واستعمله الأخير على مكة [٣]؛
_________
[١] الطبري ٨/ ١٠٤ - ١٠٥ (-٣/ ٤٤٥ - ٤٤٦)؛ والنزاع والتخاصم ١٠٣.
[٢] قارن بالطبري ٨/ ١١٧،١٣٣ (-٣/ ٤٦١،٤٨٣)؛ تاريخ اليعقوبي ٢/ ٤٧٥؛ العيون والحدائق ٣/ ٢٧٠،٢٧٢. وانظر عبد العزيز الدوري، العصر العبّاسي الأول ٨٥ - ٨٦؛ وفاروق عمر، العباسيّون الأوائل ٢١٢ - ٢١٥.
[٣] مقاتل الطالبيين ٣٠١ (ط ٢.٢٦٣)؛ وانظر عنه الطبري ٧/ ٥٦١ - ٥٧٠ (-٣/ ٢٠١ - ٢٢٣).
1 / 30