[مقدمة المؤلف]
وألفت الانتباه إلى أن ما يرد في الهوامش مختوما ب((منه))، فإنه يكون من الإمام اللكنوي رحمه الله، وإنه رحمه الله كان يذكر شيئا بسيطا عن بعض الإعلام المذكورين في الأصل، وأثبت ما يقول، وأضيف ما تيسر لي من الترجمة لهم؛ لتكون التراجم في الكتاب على نسق واحد.
وفي الختام أسال الله عز وجل أن يكون هذا العمل خالصا لوجهه الكريم، ويرزقنا الإخلاص، والصلاة والسلام على رسولنا الكريم، وعلى آله وصحابته أجمعين.
وكتبه
في 9 ذو القعدة 1421ه صلاح محمد أبو الحاج
الموافق 2 شباط 2001م ... ... شارع حيفا/بغداد
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي خلق الإنسان، وعلمه البيان، سبحانه ما أعظم شأنه كل يوم هو في شأن، أحمده حمدا متواليا بصميم القلب وخالص اللسان، وأشكره شكرا متتاليا بجميع الأركان.
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، المنزه عن جميع أمارات الحدوث من الجسمية، والحسية، والمكان.
وأشهد أن سيدنا ومولانا محمدا عبده ورسوله، نبي الرحمة، شفيع الأمة، سيد الإنس والجن صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، ومن تبعه، وعلى جميع الأنبياء والمرسلين، والملائكة المقربين، ومن تبعهم إلى يوم الدين، ما سكن ساكن في المكان، ودار الدائر والقمران.
وبعد:
فيقول الراجي عفو ربه القوي أبو الحسنات محمد عبد الحي اللكنوي الأنصاري، تجاوز عن ذنبه ربه الباري، ابن مولانا الحاج الحافظ محمد عبد الحليم، أدخله الله جنات النعيم:
هذه رسالة مسماة ب:
صفحه ۸
((آكام النفائس في أداء الأذكار بلسان الفارس)) اسمها يخبر عن المعنون، ورسمها يشعر بكيفية المدون، مشتملة على مسائل متعلقة باللسان الفارسية، متفرقة في الكتب الفقهية، جامعة للشتات، حاوية للعبارات، مع إثبات المقاصد بدلائلها، وتحقيق المبادئ بما لها، وما عليها، نافعة للمفتين، حاملي لواء الدين المتين، مسهلة الطريق، موصلة إلى سبيل التحقيق.
صفحه ۹
وقد كنت شرعت في شهر الجمادى الثانية من شهور السنة الرابعة والثمانين بعد الألف والمئتين من هجرة رسول الثقلين عليه وعلى آله صلاة رب المغربين في بلدة جبليور من بلاد الدكن الواقعة في أثناء الطريق حين رحلتي الثانية(1) من الوطن إلى حيدر آباد الدكن في تأليف رسالة مشتملة على ما يتعلق باللسان الفارسية من الأحكام الفقهية، وما يتعلق بها من تحقيقها وتقسيمها، وذكر ما نسبت إليه، مع ما له وما عليه، حاوية على ذكر أقسام اللغات من العربية، والسريانية، والعبرانية، والهندية، والفارسية، وغيرها مع ذكر التفاضل، والتناسب فيما بينها، متضمنة لفوائد شريفة وفرائد لطيفة قاصدا أن أسميها:ب((آكام النفائس في أحكام لسان الفارس)).
فلما وصلت إلى حيدر آباد حفظها(1) الله عن الشر والفساد، عاقت عوائق عن إتمامها، ومنعت موانع عن اختتامها، ثم خطر بقلبي بإلهام من ربي أن أفرق هذه المباحث في رسالتين يكون كل منهما نافعة لعلماء الثقلين.
أذكر في أحديهما المسائل المتعلقة باللغة الفارسية، مع الدلائل العقلية، والنقلية.
وأورد في ثانيهما أصناف اللغات مع تحقيق النسبة فيما بينها، مع المباحث المشار إليها، باسطا كل البسط إيراد الأحاديث الواردة في مدحها وذمها مع ما لها، وما عليها، مدرجا في أثناء ذلك فوائد تطرب بها الآذان، وتنشط بها الأذهان.
لكن لم يظهر الأمر المخطور مع كرور الشهور، ومرور الدهور إلى أن أراد الله إظهار الأمر المكنون، وما شاء ربنا كونه ، فهو يكون، فتوجهت في هذه الأيام إلى تمام ذلك المرام.
صفحه ۱۰
فها هذه رسالة أولى، وبعد فراغي منها أشرع إن شاء الله في رسالة أخرى مسماة ب((تحفة الثقات في تفاضل اللغات))(1).
والله المسؤول أن يجعلهما خالصتين لوجهه الكريم، إنه ذو الفضل العميم، والإحسان القديم، وهذا أوان الشروع في المقصود متوكلا على واهب الخير والجود.
* * *
فصل
في الأذان والإقامة والإجابة
- مسألة -
اختلفوا في جواز الأذان والإقامة بالفارسية:
فمنهم: من جوزه.
ومنهم: من اعتبر التعارف.
ومنهم: من أنكره.
صفحه ۱۱
قال شيخ الإسلام، برهان الدين، علي المرغيناني(2) في ((الهداية))(1)،
وفخر الدين، عثمان الزيلعي(2) في ((تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق))(3)، ويوسف بن عمر الصوفي(4) في ((جامع المضمرات)): في الأذان يعتبر التعارف.
صفحه ۱۲
وفي ((البناية شرح الهداية)) لبدر الدين محمود العيني(5) : لو أذن وأقام بالفارسية، قيل: هو على الخلاف، وقيل: لا يجوز إلا أن يكونوا قد اعتادوا(1).
وفي ((المبسوط))(2): روى الحسن(3) عن أبي حنيفة: أن من أذن بالفارسية، والناس يعملون أنه أذان جاز، وإلا فلا. انتهى(4).
صفحه ۱۳
وفي ((فتاوي قاضي خان(5) )): لا يؤذن بالفارسية، ولا بلسان آخر غير العربية، فإن علم الناس أنه أذان، قيل: بأنه يجوز. انتهى(1).
وفي ((المحيط الرضوي)) لرضي الدين، محمد بن محمد بن محمد السرخسي(2): أما الأذان بالفارسية، فروى الحسن عن أبي حنيفة أنه إذا أذن بالفارسية، وعلم الناس أنه أذان جاز، وإن لم يعلموا ذلك لا يجوز، لأن المقصود منه الإعلام، وذلك لا يحصل إلا بالمعهود. انتهى.
وفي ((مواهب الرحمن))(3): الأصح أنه لا يجزئ الأذان بالفارسية، وإن علم أنه أذان. انتهى(4).
صفحه ۱۴
وفي ((مراقي الفلاح شرح نور الإيضاح))(5) : ولا يجزئ الأذان بالفارسية، المراد غير العربي، وإن علم أنه أذان في الأظهر؛ لوروده بلسان عربي في أذان الملك النازل. انتهى(1).
قال السيد أحمد الطحطاوي(2) في ((حواشيه)): الظاهر أن الإقامة مثله للعلة المذكورة. انتهى(3).
صفحه ۱۵
وفي ((منح الغفار شرح تنوير الأبصار))(4) : لا يصح إن أذن بالفارسية، وإن علم على الأصح، وصرح به في ((الجوهرة))(1) حيث قال: يصح الأذان بالفارسية إن علم أنه أذان، وأشار في ((شرح الكرخي(2) ))(1) إلى أنه لا يجوز، وهو الأظهر الأصح. انتهى.
قلت: سيأتي فيما سيأتي أن جميع أذكار الصلاة من التكبير إلى السلام على الخلاف بين أبي حنيفة وصاحبيه، فإنها تجوز بالفارسية عنده، وإن قدر على العربية، وعندهما لا تجوز إلا للعاجز عن العربية.
فالظاهر أن الأذان أيضا يكون على الخلاف.
وأما تصحيح أنه لا يجزئ بالفارسية، وإن علم أنه أذان كما ذكره جماعة من المتأخرين، فإن كان المراد به أنه لا يجزئ لأداء السنة، ويلزم من الأذان بالفارسية الكراهة، فلا كلام فيه.
ويشترك جميع أذكار الصلاة فيه.
وإن كان المراد أنه لا يجزئ مطلقا، وأنه يجب إعادته كإعادة الأذان جنبا، فلا يظهر وجهه، ومن بين ما عداه من أذكار الصلاة خصوصية، فإن كان ذلك لوروده بالعربي، بلسان الملك النازل من السماء، فكذلك كل الأذكار واردة بالعربية على لسان صاحب الشريعة البيضاء، فليحرر.
صفحه ۱۷
- مسألة - يجب على سامع الأذان الإجابة إن سمع المسنون منه، وهو ما كان عربيا، لا لحن فيه، كذا في ((الدر المختار))(1)(2).
قال ابن عابدين(3) في ((حواشيه)): الظاهر أن المراد منه ما كان مسنونا جميعه، فمن لبيان الجنس، لا للتبيعض، فلو كان بعض كلماته غير عربي، أو ملحونا لا تجب الإجابة في الباقي؛ لأنه حينئذ ليس أذانا مسنونا، كما لو كان كله كذلك، أو كان قبل الوقت، أو من جنب، أو امرأة.
صفحه ۱۸
ويحتمل أن يكون المراد ما كان مسنونا من أفراد كلماته، فيجيب المسنون دون غيره، وهو بعيد، تأمل، لأنه يستلزم إصغائه، وقد ذكر في ((البحر))(1): أنهم صرحوا بأنه لا يحل سماع المؤذن إذا لحن كالقارئ(2)، وقدمنا أنه لا يصح بالفارسية، وإن علم أنه أذان في الأصح. انتهى(3).
قلت: الذي يظهر لي وجوب إجابة القدر العربي من الأذان إذا كان بعضه عربيا، وبعضه فارسيا، ولا يلزم من عدم صحة الأذان بالفارسية عدم الإصغاء إليه، نعم؛ الأذان الملحون بعضه ينبغي أن لا يصغى إليه، فلا تجب إجابته، بل لا يبعد أن يستنبط من قوله صلى الله عليه وسلم: (إذا سمعتم النداء، فقولوا مثل ما يقول المؤذن)(4)، أخرجه البخاري، ومسلم، أن تجب إجابة الأذان مطلقا عربيا كان، أو فارسيا.
ومنه يستنبط أنه لا يجيب الأذان العربي بلسان غير عربي.
فصل
في صفة الصلاة
- مسألة أولى -
يجوز التلفظ بالنية عند الشروع في الصلاة بالفارسية.
صفحه ۱۹
قال شمس الدين، محمد القهستاني(1) في ((جامع الرموز)): ينبغي أن تكون النية بلفظ الماضي، ولو فارسيا؛ لأنه الأغلب في الإنشاءات، ويصح بلفظ الحال في ((المشارع))(2)، والزاهدي(3)، وغيرها.
كيفية النية: اللهم إني أريد الصلاة متابعا للرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم فيسرها لي، وتقبلها مني، واللهم إني أريد الظهر، أو الصلاة للميت، أو الوتر، وزاد المقتدي: متابعا للإمام. انتهى ملخصا(4).
تنبيه:
صفحه ۲۰
كثيرا ما سئلت عن التلفظ بالنية:
هل ثبت ذلك من فعل الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وأصحابه؟
وهل له أصل في الشرع؟
فأجبت: بأنه لم يثبت ذلك من صاحب الشرع، ولا من أحد من أصحابه، وإنما استحبه من استحبه، وهم جمهور أصحابنا الحنفية، والشافعية؛ ليتوافق القلب واللسان، ويتطابق التكلم، وما في الجنان.
قال في ((القنية))(1) نقلا عن ((صلاة البقالي))(2): النية عمل القلب، وهو القصد إلى الشيء، وباللسان بدعة إلا أن لا يمكنه إقامتها بالقلب إلا بإجرائها على اللسان، فحينئذ يباح.
وفيه أيضا: نقلا عن الصدر الحسام(3): السنة الاقتصار على نية القلب، فإن عبر بلسانه جاز. انتهى(4).
صفحه ۲۱
وفي ((حلبة المجلي شرح منية المصلي))(1) لمحمد بن محمد، الشهير بابن أمير حاج الحلبي(2): عمل القلب لا اللسان، وإنما الذكر باللسان كلام لا نية، ومن ثمة حكي الإجماع على كونها بالقلب، ورد ما ذهب إليه أبو عبد الله الزبير(3) من الشافعية من وجوب الجمع بين نية القلب، ولفظ اللسان.
صفحه ۲۲
وأما ما في ((الخانية)): وعند الشافعي(1) لا بد من الذكر باللسان. انتهى(2).
فغير محقق الثبوت عنه، وكأنه أخذه تبعا لبعضهم مما عن الشافعي أنه قال في الصلاة: إنها ليست كالصياح، ولا يدخل فيه أحد إلا بذكر. فظن أن مراده بالذكر تلفظ المصلي بالنية، وليس كذلك، وإنما مراد الشافعي بالذكر تكبيرة الإحرام.
صفحه ۲۳
ثم في ((الاختيار))(3) : قال محمد بن الحسن(1): النية بالقلب فرض، وذكرها باللسان سنة، والجمع بينهما أفضل(2).
لكن في ((محيط رضي الدين)): وذكرها باللسان سنة؛ فإنه قال محمد في (كتاب المناسك): إذا أردت الحج فقل: اللهم إني أريد الحج، فيسره لي، وتقبله مني(3). فينبغي أن يقول هاهنا اللهم إني أريد الصلاة فيسرها لي وتقبلها مني. انتهى.
وفي ((التحفة))(4): ثم ذكر ما نوى بقلبه، هل هو سنة؟
عند بعضهم: ليس سنة.
وقال بعضهم: هو سنة مستحبة، فإن محمدا(5) ذكره في (المناسك) فساقه(6) كما في ((المحيط)).
صفحه ۲۴
والظاهر أن صاحب ((الاختيار)) إنما جزم بأن محمدا قال: ذكرها باللسان سنة من هذا، إلا أنه صرح باستنانها في خصوص هذا الموضع، كما أنها(1) هاهنا أيضا.
قال غير واحد : منهم : صاحب ((الحاوي))(2) : الذكر باللسان
مستحب لم رأيت صاحب ((البدائع))(3) قد صرح بذلك أيضا، فقال: ومن سنن الافتتاح أن يتكلم بلسانه ما نواه بقلبه، ولم يذكره في (كتاب الصلاة) أيضا، ولكنه أشار إليه في (كتاب الحج) فذكره(4) كما في ((المحيط)).
صفحه ۲۵
ثم قال(1): فكذا في باب الصلاة ينبغي أن يقول: اللهم إني أريد صلاة كذا، فيسرها لي، وتقبلها مني؛ لأن هذا سؤال التوفيق من الله للأداء والقبول، فيكون مسنونا. انتهى(2).
ثم بعد هذا كله يفيد أن التلفظ بالنية المتنازع في استحبابه هو ما يكون بهذه العبارة(3) لا بنحو: نويت، أو نوى، كما عليه عامة المتلفظين بالنية ما بين عامي، وغيره، ففي دعوى استنان التلفظ بها نظر ظاهر، ولا يخفى ما في سنده على ما في ((البدائع))، فإنه غير خاف أن سؤال التوفيق والقبول شيء آخر غير التلفظ بها.
على أنه قد ذكر غير واحد من مشايخنا في وجه ما ذكره محمد في (كتاب الحج) أن الحج لما كان مما يمتد، ويقع فيه العوارض، والموانع، وهو عبادة عظيمة تحصل بأفعال شاقة، استحب طلب التيسير، والتسهيل من الله، ولم يشرع مثل هذا الدعاء في الصلاة؛ لأن أداءها في وقت يسير. انتهى.
صفحه ۲۶
وهذا صريح في نفي قياس الصلاة على الحج في هذا، فلا جرم إن ذهب صاحب ((المبسوط))(1)، و((الهداية))، و((الكافي))(2) إلى أن فعله يجمع عزيمة قلبه فحسن، فيندفع ما قيل يكره؛ لأن النية عمل القلب، والله مطلع على الضمائر، فالإفصاح في حقه غير مفيد، وكان المصنف(3) احترز بقوله: المستحب أن ينوي بالقلب، ويتكلم بلسانه، هو المختار(4) عن هذا.
لكن يبقى شاهد له، ما قال غير واحد من الحفاظ المتأخرين ما معناه إنه لم يثبت عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ولا عن أحد من الصحابة، والتابعين، والأئمة الأربعة أنه كان يقول عند افتتاح الصلاة: نويت أن أصلي كذا، ولا استحبابه، بل المنقول أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا قام إلى الصلاة كبر لا غير. انتهى.
صفحه ۲۷
مع ما في ((جامع الكردري))(1) في وجه هذا القول: إن عمر أنكر على من سمع ذلك منه. انتهى.
قال العبد الضعيف(2): ولعل الأشبه أنه بدعة حسنة عند قصد العزيمة؛ لأن الإنسان قد يغلب عليه تفرق خاطره، ويكون ذكر النية باللسان عونا له على جمعه، وقد استفاض ظهور العمل بذلك في كثير من الأعصار في عامة الأمصار من غير إجماع من أهل الحل والعقد على مقابلته بالإنكار.
صفحه ۲۸