أجوبة علماء فزان. تحقيق النامي
المجموعة الأولى
حققها وكتب مقدمتها:
الدكتور عمروخليفةالنامي
بسم الله الرحمان الرحيم
حول عنوان المخطوطة:
العنوان الذي اخترناه لهذه المخطوطة هو » أجوبة علماء فزان « هذه المجموعة هي المجموعة الأولى. والمجموعة الثانية من هذه الأجوبة هي جوابات وفتاوى الشيخ بكار بن محمد الفزاني. وستصدر في فصلة مستقلة بعد هذه التي نصدرها اليوم.
... وهذا العنوان أقرب شيء للدلالة على محتويات المخطوطة وطبيعتها، العنوان الأصلي الذي يظهر في بداية هذه الأجوبة في المخطوطة البارونية بجربة هو : جوابات جناو بن فتى المديوني إلى بعض أهل فزان .
وظاهر أن العنوان من وضع الناسخ لتمييز المحتوى المدرج في المخطوطة عما سبقه من الأجوبة وهي أجوبة جابر بن زيد (¬1) . وقد كنا نحتفظ بهذا العنوان لو كان يدل على محتوى المخطوطة، ولكنه لا يفنى بذلك فأجوبة جناو بن فتى هي جزء من المخطوطة، وتوجد إلى جانبها أجوبة عبد القهار بن خلف، ثم تأتي أجوبة بكار بن محمد الفزاني. وعند إعداد هذه الأجوبةوتحقيقها رأيت أن أجعلها مجموعتين :
الأولى تحتوي أجوبة جنا و بن فتى و عبد القهار بن خلف ...
والثانية وتحتوي فتاوى وأجوبة بكار بن محمد الفزاني ....
وقد دفعني إلى هذا أن الشماخي عند كلامه عن هذه الأخيرة ذكر أنها نقلت من كتاب له (¬2) فهي إذا جزء من كتاب، ومن ثم تختلف في بنائها وطبيعتها إلى حد ما عن المجموعة الأولى التي تتميز بالإضافة إلى طبيعتها الفقهية العلمية، بأنها رسائل إخوانية وعظية .........
صفحه ۱
وكذلك فإن هذه المجموعة الأولى قد حققتها من أصل واحد قديم، ولم أتمكن من الحصول على نسخة أخرى منها مع طول البحث، بينما توفر لدي نسخة أخرى جيدة لأجوبة بكار بن محمد الفزاني بخط المحقق الفاضل الشيخ عبد الله بن يحي الباروني رحمه الله، ودفعني هذا إلى فصل مجموعة الشيخ بكار وإخراجها في جزء مستقل مع دراسة تلائم طبيعتها وقيمتها الفقهية ... وبعد هذا الإيضاح البسيط حول عنوان هذه المجموعة من الأجوبة ننتقل إلى الكلام عن محتواها.
تحتوي هذه المخطوطة على مجموعتين متداخلتين من الأجوبة الفقهية كتبها كل من جناو بن فتى المديوني، وعبد القهار بن خالف. والكتاب الأول كتبه عبد القهار بن خالف إلى أبي يوسف وريون بن الحسن وهو كالمقدمة للأجوبة الأخرى التي وجهها جميعا إلى أبي يوسف، ما كتبه هو أو ما كتبه أبو الحسن جناو بن فتى إلى عبد القهار وأبي يوسف وأبي بكر عتيق بن أسدين .
والجواب الثاني من جناو بن فتى المديوني إلى عبد القهار بن خالف، وهو كما يظهر رد على كتاب وصل إليه من عبد القهار ... وفي هذا الكتاب يعظ جناو بن فتى عبد القهار بن خلفويذكره ويحثه على تلاوة القرآن وتدبر آياته، ويعتذر إليه عن عدم إمكان الجواب لأسباب منها:
» .... أنه تباعدت بنا وبك الدور، وتفرقت بنا وبك الأوطان فلا يمكن وصول الكتاب أو الجواب إلا بعد أشهر (¬1) «.
وهو في هذا الجواب - يدعو عبد القهار إلى القدوم عليه » للمناظرة والمذاكرةوالتفقه في الكتاب والسنة « ويقول له :» واعلم - يرحمك الله - أني شديد الشوق إلى قدومك وإحداث العهد بك لعلك تستفيد من كتب أبي عبيدة -رحمه الله- ، فإني أرجو أن تمكن اليوم إن شاء الله لعل الله يحي بك أهل هذه الدعوة فتحي لهم آثار سلفهم المهتدين وتكون لهم منارا « (¬2) .
صفحه ۲
فزان المعاصرين لهما هو إدريس الفزاني -وهوعالم فقيه صاحب كتب وتآليف - وقد ذكر جناو بن فتى في خطابه هذا أنه رد جوابه إليه. ثم طلب من عبد القهار بن خلف أن يحضر كتب إدريس لمدارستها والنظر فيها : ».....فإن قدر لك النهوض إلى ما قبلنا فليكن معك ما سننظر فيه من كتب أخينا إدريس أكرمه الله تعالى وأعانه ووفقه بالتوبة والإزدياد مما طلب وجعل ذلك له في الله وله « (¬1) وقال أيضا :» وقد رددت جواب كتابه وغيره « (¬2) وفي هذا إشارة صريحة إلى أن كتابا قد كتب به إدريس الفزاني إلى جناو بن فتى وأنه قد رد جواب كتابه إليه.
... ولكننا لا نجد رده على جواب إدريس في هذه المجموعة التي بين أيدينا - ولعل المستقبل يكشف لنا عنه وعن غيره.
... والكتاب الثالث من جناو بن فتى إلى أبى يوسف وريون بن الحسن .. وبعد مقدمة تحتوي على مواعظ معبرة مؤثرة يوصيه فيها بالتقوى والقيام بالقسط والعدل، ويؤكد فيها على التمسك بالحق والحكم بما أنزل الله ويعتذر فيها عن نفسه اعتذار العلماء الأتقياء، يجب على أربعة عشر سؤالا من مسائل الأحكام أجوبة طويلة مستفيضة، يعرض السؤال ملخصا أولا، ثم يندفع في الإجابة عليه حتى إذا استوفى جوابه انتقل إلى غيره .
... والجواب الرابع من جناو بن فتى أيضا إلى أبي بكر عتيق بن أسدين، وفي هذا الجواب يدخل على المسائل بدون مقدمة على غير عادته. ونحن نرجح أن الناسخ قد أسقط المقدمة من هذه الأجوبة واكتفى بالأسئلة وردودها. ويحتوي هذا الجواب على أجوبة لأربع عشرة مسألة أخرى.
... أما الجوابان الخامس والسادس فقد كتبهما عبد القهار بن خلف. كتب الأول ردا على رجل من إخوانه، ولم يسمه، أرسل إليه يهنئه بزواجه من ربيبة أبيه، ويستوضحه عن سبب عودته في فتياه وإباحته هذا الزواج بعد ما كان يقول بكراهته.
صفحه ۳
رسالة مستفيضة يذكر فيها تفاصيل هذا الأمر وما اكتنفه، وأنه قد إستخار الله تعالى في ذلك فخار له زواجها وبسط له أمرها ويسره، كل ذلك في تفصيل شيق ممتع.
... أما الكتاب الآخر فهو من عبد القهار إلى أبي يوسف وريون بن الحسن. ردا على كتاب بعث به إليه وريون يطلب إليه فيه أن يكون له عينا على قاضي شباهة (سبها)، وأن يأخذ بنصيبه من أمور الإسلام. ويكشف جواب عبد القهار في هذا الشأن عن صورة من صور التنزه والتحرج عن الدخول في أمور الناس عند فساد الزمان. وقد برر موقف العزلة الذي ارتضاه بضعفه وتقدمه في العمر، عرض أمره هذا في إطار من النصيحة الصادقة، والموعظة البالغة لنفسه ولوريون في أسلوب مؤثر وجميل...
... وإذا تأملنا مادة هذه الأجوبة وجدنا أنفسنا أمام نماذج رفيعة من الفقه الحي الذي يرتبط بروح الدين الإسلامي الحنيف غضا طريا لم يشبه جمود الشكل الذي ظهر على الفقه في عصوره المتأخرة، مما يؤكد تقدم هذه الأجوبة من الناحية الزمنية.
... وأنت تقرأ أجوبة هذين الشيخين على ما وجه إليهم من مسائل ومشاكل فتجد نفسك مع كل منهما أمام فقيه مجتهد مصلح بمهمة قيام الحق وحصول التقوى مع الوقوف عند حدود الحكم الصحيح الثابت. كل منهما ينبه إلى ذلك ويحث عليه مع تمام الشفقة وكامل النصيحة للسائل، هذا مع تواضع جم، وإنابة وتسليم لله، واهتمام باتباع أحكامه والتزام أوامره والإقتداء بسنة نبيه عليه الصلاة والسلام.
صفحه ۴
... تلمس ذلك واضحا في توجيهات جناو بن فتى إلى وريون، فهو يقول له :» ولا ينجيك من الله إلا الحكم بما أنزل الله « (¬1) . ويقول : » فلم يكن الحكم إلى آراء الرجال - وقد أغناهم بما أنزل عن آراء الرجال (¬2) ..... وهو في أجوبته إلى كل من كتب إليهم يحرج على سائليه أن يفتوا من قوله بغير ما وافق كتاب الله وسنة رسوله، ويجعل الحكم إليهما وحدهما، ويطلب من عبدالقهار أن يسقط من أجوبته ما خالف الكتاب والسنة، وذلك قوله في آخر كتابه إلى عبد القهار :"ولم أجعلهم في حل من فتوى ما كتبت به إليهم إلا ما وافق كتاب الله وسنة نبيه عليه السلام. فإن رأيت تطلع ذلك وتسقط منه ما أرابك فافعل" (¬3) .
وهو لا يكاد يورد حكما في أجوبته هذه إلا مقترنا بدليله الناصع من الكتاب أو السنة، بما يسوقه من آيات الكتاب الكريم أو أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم، وروايات المسلمينن وأحكام الخلفاء الراشدين المهديين، مع التأكيد على امتثال أحكام ذلك الجيل الأول والإقتداء بسيرته. وما ذكرناه عن جناو بن فتى هنا يصدق على زميله عبدالقهار بن خلف.
ويظهر أن مادة هذه الأجوبة ترجع في أصولها إلى تابع التابعين، ونحن لا نجد ذكرا للفقهاء المقتدمين عدا جابر بن زيد وأبي عبيدة مسلم بن أبي كريمة، مما يجعلنا نفترض أن جناو بن فتى خاصة، ينتمي إلى طبقة حملة العلم من إباضية المغرب الذين ذهبوا إلى البصرة من أطراف شتى من البلاد الإسلامية لتلقي العلم عن إمام الإباضية بالبصرة أبي عبيدة مسلم بن أبي كريمة.
صفحه ۵
الطلبة الذين قصدوا أبا عبيدة من شمال إفريقيا لتلقي العلم هم عبدالرحمان بن رستم، وأبو درار إسماعيل بن درار الغدامسي. وعاصم السدراتي، وأبو داود القبلي (¬1) . وقد عرف هؤلاء في كتب السير الإباضية بحملة العلم. ولكن المصادر الإباضية تذكر، غير هؤلاء، ابن مغطير الجناوي الذي رحل إلى البصرة قبل هؤلاء وتتلمذ على أبي عبيدة في فترة مبكرة ورجع إلى الجبل وجلس للإفتاء به قبل رجوع حملة العلم (¬2) . ونحن لا نستبعد، بل نرجح أن يكون هذا الاتصال العلمي بالبصرة قد شمل غير هؤلاء، وفي فترات متلاحقة متتابعة - وأن يكون إلى جانب حملة العلم الخمسة المشهورين الذين ساهموا في تأسيس الإمامة الإباضية في طرابلس وتاهرت - غيرهم من المغمورين الذين شغلهم تلقي العلم وتدريسه والقيام به، عن أمور السياسة والحكم، ولعل أن يكون جناو بن فتى منهم - نستظهر لذلك بإشارته إلى كتب أبي عبيدة التي يدعو عبد القهار للحضور إليهم للإستفادة منها - وإذا تأسس هذا الفرض، فإن هذه الأجوبة وهذه الطبقات من العلماء تنتمي إلى تلك الفترة التاريخية المبكرة -أواخر القرن الثاني، وأوائل القرن الثالث للهجرة - ونستأنس لذلك أيضا بترتيب الشماخي رحمه الله، فقد جعل هؤلاء العلماء ضمن الطبقة الرابعة وهي طبقة الإمام عبد الوهاب بن عبد الرحمن بن رستم (¬3) .
وهذا أشبه بحقائق التاريخ. فإن هذه الفترة قد شهدت إمتداد نفوذ الدولة الإباضية وإتساعه مابين تاهرت إلى سرت مع كل المناطق الداخلية في المنطقة الممتدة بين فزان والشريط الساحلي -وما يوازيها في المغرب الأوسط (¬4) .
صفحه ۶
بعض الإشارات في هذه الأجوبة تشير إلى ضعف أمر الدولة الإباضية وضعف أهلها والقائمين عليها في الشرق والغرب (¬1) ، وتذكر في موضع آخر » إن المسلمين اليوم في كتمان « (¬2) والكتمان إصطلاح يعني عدم قيام الإمامة الظاهرة. وفي هذا إشارة واضحة إلى تقلص نفوذ الإمامة عن هذه المناطق مما يرجح أنها تشير إلى ما بعد وقعة » مانو « التي تضعضع بعدها بنيان الدولة الرسمية سنة 280 ه ...
وينبغي أن ننبه هنا إلى أن سقوط الإمامة لا يعني إنهيار المجتمعات الإباضية معها، ولكن هذه المجتمعات ضلت متماسكة تربطها صلات وثيقة تعمل من خلالها على المحافظة على كيانها الديني والعلمي والإجتماعي وإن لم تتمكن من إقامة الإمامة بعد سقوط الدولة الرستمية - إلا أن مناطق كثيرة بسبب شحوطها عن مراكز النفوذ لدول السواحل الإفريقية في الشمال - كانت تتمتع بواقع سياسي فريد، تختار فيه من أهل الحل والعقد فيها من يقوم بإنفاذ الأحكام في نطاق محدود -وقد كان هذا هو الحال في جبل نفوسة (¬3) ، ولعل دور وريون بن الحسن في مناطق فزان - وعليه مدار أكثر هذه الأجوبة - لعل دوره كان من هذا اللون. فقد وصفه الشماخي بأنه من القائمين بالأمر في فزان (¬4) وهذه هو أقرب ما يمكن أن ينتهي إليه الدارس في تحديد المرحلة الزمنية لهذه الأجوبة.
وترد في كتب السير الإباضية إشارات تفيد وجود صلاة وثيقة بين جبل نفوسة وبين فزان مما يدل على إرتباط فزان ودواخلها ببقية الجماعات الإباضية في الجبل وغيره.
صفحه ۷
فقد روى عن أبي خليل صال الدركلي، وقد عاش في النصف الأول من القرن الثالث الهجري (¬1) ، أنه قال لتلاميذه :» إيتوا المجالس يا كسالى «، فقد حضرها من حضرها ما بينه وبين قابس، وما بينه وبين فزان، حتى وقع عليه السراق فجرحوه سبعة عشر جرحا فدخل في مغارة فمكث فيها أربعين يوما ما أكل ولا شرب إلا ما رأى في منامه أنه أطعم وأسقي، فخرج وقد نضر بدنه نضرة لم يرها قط » فظنوا أنه ذلك الرجل «. (¬2)
ويظهر من هذا النص أنه كانت للإباضية مناطق عامرة بحلقات الدرس ومجالس العلم ما بين جبل نفوسة وقابس وما بين جبل نفوسة وفزان.
ويذكر الشيخ مقرن بن محمد البغطوري إجتماع مواكب الحج من إباضية المغرب بعد منصرفهم من الحج، قال :» فكانوا يجتمعون أماسن ؛ أهل أفريقية وأهل جربة وأهل طرابلس، وقد بلغنا أنهم يجتمعون في نحو ألف أو أقل أو أكثر لا يكون المجلس بينهم إلا بالترجمان، فكانوا يجتمعون في الصحراء ما بينهم وبين فزان .. « (¬3) وهذا بعد انقطاع الأمر من تاهرت (¬4) . وكذلك فإن صلة ثقافية علمية متينة كانت تربط بين فزان ومناطق الإباضية الأخرى. فهذا أبو مرداس عندما يذكر أمر الولاية يقول: » لا أعرف إلى هذا الإمام ؛ يعني عبد الوهاب بن عبد الرحمن بن رستم، ووزيره، وهذا الفزاني ، ولم أره وأنما أعرفه بكتابه ؛ يعني عبد الخالق « (¬5) .
صفحه ۸
ويذكر نفس المصدر أن أبا مرداس قد كاتب عبد الخالق يسأله أن يدعو الله ليغيث الجبل، وأن يصف له دواء الريح وتحفظ لنا كتب السير جواب عبد الخالق الذي يزخر بمعنى التوكل والإعتماد على الله والتسليم له سبحانه فيما يمتحن به عباده من الشدة في الحياة أو المرض في البدن، وذلك قوله في جوابه لأبي مرداس (¬1) : »إن دواء مرض الريح دواء الذنوب، فمثلك يا أبا مرداس لا يسأل إلا عن دواء الذنوب « .
أما عن سؤاله أن يدعو الله أن يخلف على الناس فقد كتب له بهذه الآية الكريمة :{ .... ولو بسط الله الرزق لعباده لبغوا في الأرض، ولكن ينزل بقدر ما يشاء }. (¬2)
ونص الدرجيني في » الطبقات « أكثر وضوحا في ذكر إعتماد إباضية الجبل على فتوى عبدالخالق الفزاني خصوصا في أمر الدماء - ولعل هذا يكشف لنا عن المكانة العظيمة التي يحتلها عبد الخالق الفزاني لدى زملائه من علماء المذهب في الجبل إذا عرفنا أمر الدماء وخطرها وما ينبغي أن يتحلى به المفتي في شأنها من شدة الورع وكمال التقوى وبلوغ الغاية القصوى في العلم. يقول الدرجيني في الطبقات : » وكان أبو مرداس إذا نزلت عنده نازلة من مسائل الدماء كتب بها إلى عبدالخالق الفزاني يستفيته فيكون العمل بما يجاوبه به، وذلك لكونه يرى عبد الخالق أعلم أهل زمانه بالدماء وأحكامها « (¬3) .
صفحه ۹
المتكلمين من أهل فزان بعث إلى عمروس بن فتح المساكني(متوفى سنة 280 ه) أن يؤلف له كتابه كتابا في الأصول فكتب إليه الكتاب المعروف بالعمروسي. وكتب له رسالة. فلما رآه الفزاني، وهو الذي وضع الكتابين المعروفين بأصول الكلام قال:» النفوسي أقوى مني « (¬1) ولم ينبه البغطوري ولا الشماخي على اسم هذا العالم المتكلم من فزان، وقد يكون عبدالخالق أو غيره .
وتحفظ لنا كتب » السير « إسم عالم آخر وهو عبد الحميد الفزاني الذي يقول عنه الوسياني :» وهو عالم كبير من علماء أهل الدعوة وكان في بلاد السودان مسيرة شهر من جبل نفوسة « (¬2) . ويذكر في الروايات أن أبا معروف ويار بن جواد الويغوي عندما أصيب ببصره بعث إلى السيخ عبد الحميد فقال : أرسل لي دواء العين، وكان جواب الشيخ عبد الحميد من جنس جواب عبدالخالق الذي ذكرناه آنفا فقد قال حين بلغته رسالة أبي معروف :» عجبا لهذا الشيخ، أعطاه الله شفاء الذنوب ثم يسأل ما يزيله عنه !! « (¬3) .
وعدا ما ذكرناه من النصوص التي تصور العلاقة العلمية بين جبل نفوسة وفزان، فنحن لا نعلم تماما متى انقطعت هذه الصلة الثقافية ولا نجد ما يعيننا على تصور مظاهر إتصالها. وقد جاء في بعض الروايات أن هذه الصلة كانت قائمة حتى أواخر أيام أبي الربيع سليمان بن هارون الملوشائي (عاش خلال الخمسين الأخيرة من المائة الرابعة للهجرة (¬4) . قال البغطوري في سير مشائخ نفوسة :وقد جاءته الكتب من فزان بعدما كبر وضعف عن القراءة، فيقول : ياليتني أدركتهم في شبيبتي، فيقرأ عليه واحد منهم، يعني طلبته، حتى يفتر ثم يرجع الآخر فيدرس عليه إلى آخر الليل (¬5) .
صفحه ۱۰
ويظهر مما تجمع لدينا من معلومات، أن هذا الإقليم لم يكن يتمتع بالإستقرار الذي يعين على إزدهار الحياة العلمية والثقافية، بل على العكس من ذلك، حيث الغارات وما يصحبها من نهب وقتل وتدمير كانت الطابع الذي يفرض نفسه على الحياة في هذه البلاد.
وتحفظ لنا كتب " السير" هذه القصة عن أهل " تامزاوت " الذين تعرضوا للغارة والقتل فأزعجوا عن بلدهم وغدروها فخلت منهم بعد عمرانها فقد روى عن" أبي بحر الفزاني من أهل تامزاوت صلى بهم العيد بأربعمائة ثم صلى بهم العيد المقبل بمائتين وقيل بمائة فلتفت إليهم بعدما فرغ فقال لهم : إنتقصتم يا أهل تامزاوت فربي يعلم ماذا يحل عليكم. ثم صلى بهم العيد الثالث بخمسين رجلا فالتفت إليهم فقال لهم مثل مقالته الأولى، ثم صلى بهم العيد الرابع بثلاث وهو وإبنان معه، فلما فرغوا إلتفت إلى إبنيه فقال لهم : الرحيل. فاشتغلوا بالرحيل ففاجأهم العدو فوجدهم على الرحيل فدخل إبناه في القتال فقتلا فدخل العدو البلد فوجدوا أبا بحر فلم يجدوا ما يقتلون من الكبر " (¬1) .
فطابع الغارة والصراع قبل كان فيما يظهر هو الغالب على الحياة في هذه المناطق في تلك الفترات، وهو ما نلمس ملامحه في هذه الأجوبة التي بين أيدينا والتي تتعرض بعض المسائل إلى الموقف الصحيح من مثل هذا القتال، وما ينبغي على المسلم في مثل تلك الحال. بل أن أحدها يصور لنا لونا من تلك الوقائع وما يترتب عليها عند الحديث عن هزيمة واريون بن الحسن وإبراهيم بن أسدين وورودهم على شباهة (سبها) من موقع هزيمتهم (تراغن) وما كان من خروج الشيخ عبد القهار بن خلف عن سبها إلى زريعة. حيث الأمور - فيما يظهر - أكثر استقرارا وأمنا (¬2) .
واعتمادا على المصادر الإباضية فإننا نستطيع أن نستخرج القائمة التالية من أسماء المشائخ
صفحه ۱۱
عبدالخالق الذي يقول عنه الشماخي : »كان في المنزلة العليا علما وعملا وورعا وتقى « (¬1) .
وعبد الحميد الفزاني الذي قال عنه الوسياني " عالم كبير من علماء أهل الدعوة " (¬2) وفي الرسالة المجهولة المؤلف التي تذكر أسماء بعض شيوخ الوهبية نجد إسم أبي إسحاق إبراهيم بن زناد " (زياد ؟) الفزاني (¬3) ، ولا نجد له ذكرا في كتب "السير". ثم انفرد الشماخي بإيراد بقية القائمة في سيره " ؛ ومصدره فيما يظهر هو هذه الأجوبة التي ننشرها اليوم فهو لم يخرج عما ورد فيها من أسماء.
قال: " ومن مشائخنا بفزان عبد القهار بن خلف رحمه الله، وكان عالما ورعا مفتيا " (¬4) ثم أورد جل جوابه الذي يذكر فيه أمر عودته عن فتياه في مسألة زواج الإبن بربيبة أبيه (¬5) .
ثم ذكر بعده وريون بالحسن بالمعجمة (وزيون) قال "وكان قائما هو وإبراهيم بن أسدين أظن بفزان من أهل الدعوة " (¬6) .
ثم ذكر إدريس الفزاني ، واورد إشارة جناو بن فتى الى كتبه عند دعوته لعبد القهار للقراءة عليه (¬7) . وذكر معهم أبا الحسن جناو بن فتى - ولا وجه لذكره بين علماء فزان، فهو كما سترى من المغرب الأوسط من قبيلة مديونه، وموطنه هو موطن هذه القبيلة - وآخر من ذكرهم من المشائخ الشيخ بكار بن محمد الفزاني قال : وأطلعت له على مسائل نقلت من كتابه (¬8) .
صفحه ۱۲
هؤلاء الأشياخ، كان يعتمد على مادة تماثل محتويات هذه الأجوبة التي ننشرها اليوم. وهكذا فإننا نجد أنفسنا محدودين في حدود المعلومات التي تقدمها لنا هذه الرجالات والمواقع، وما يرد فيها من الأحداث والوقائع، ولا نستطيع أن نعتمد فيما وراءها على أي شيء من المصادر المتوفرة لدينا.
وفي إطار هذه الحقيقة سنحاول أن نقدم هنا فكرة عن شخصيات هذه الأجوبة في إطار ما تقدمه هذه الأجوبة من معلومات :
وهذه الأجوبة تتكون كما سبقت الإشارة من مجموعتين متداخلتين كتبهما علمان متعاصران هما جناو بن فتى، وعبدالقهار بن خلف موجهة إلى مجموعة من الأشخاص ردا على أسئلة محددة وردت منهم.
صفحه ۱۳
والكاتبان وإن جمعتهما هذه الأجوبة في صعيد واحد، إلا أنهما من مكانين متباعدين، نجد الإشارة إلى هذه في إعتذار جناو بن فتى في كتابه إلى عبدالقهار بن خلف عن التقصير في رد جوابه في قوله :"مع أنه تباعدت بنا وبك الدور، وتفرقت بنا وبك الأوطان، فلا يمكن وصول الكتاب أو الجواب إلا بعد أشهر" (¬1) . ورغم معاصرة الكاتبين بعضهما للآخر جناو بن فتى فيما يظهر أسن من عبدالقهار، وغالب الظن أنه أستاذه قد تتلمذ عليه في فترة سابقة، فهو هنا في جوابه إليه بدعوة إلى الحضور إليه وإحداث العهد به للتعلم والإستفادة: " أننا شديد الشوق إلى قدومك وإحداث العهد بك لعلك تستفيد من كتب أبي عبيدة رحمه الله" (¬2) وأبو عبيدة المشار إليه هنا هو أبو عبيدة مسلم بن أبي كريمة التميمي البصري من علماء القرن الثاني للهجرة، من التابعي وإمام الإباضية بالبصرة بعد جابر بن زيد، وهو الذي تلقى عنه " حملة العلم " من المغرب وغيره ولا يستبعد أن يكون جناو بن فتى من تلاميذه المباشرين الذين رحلوا إلى البصرة وتلقوا عليه العلم. والذي يؤكد أن الإشارة هنا إلى أبي عبيدة مسلم وليس إلى غيره هو ما أردف به جناو فتى عباراته بقوله: فإني أرجو أن تمكن اليوم إن شاء الله لعل الله يحي بك هذه الدعوة فتحي لهم أثار سلفهم المهتدين (¬3) ، وما تكون أثار هذا السلف غير كتب أبى عبيدة مسلم وما حفظه عن جابر بن زيد وأساتذته من الصحابة رضوان الله عليهم ودونه في تلك الكتب ؟ !
ويذكر جناو عن نفسه أنه في آخر مدته وأنه قد تقدم به العمر، وهو يقول في نفس الكتاب :" وأنا أحب تعجيل ذلك منك، يعني قدومه عليه لأني على آخر أيامي واقتراب أجلي وفناء مدتي وورودي على ما كنت أصدر عنه" (¬4) .
صفحه ۱۴
والبلوهة - وذلك من باب تواضع العلماء - فان في أجوبته - كما ترى - علم عزيز وفكر منير ولغة عالية، وبيان رصين - إلا أن هذا النص على "بدويته يكشف لنا عن جانب من حياة الرجل التي كانت - على طبيعة حياة البادية حياة منتجعات متنقلة متصلة الترحال، وليست حياة الحاضرة المستقرة الثابتة.
صفحه ۱۵
ونسبة هذا الشيخ في قبيلة "مديونة" البربرية. ونص على إسمه بهذا وضوح فهو جناو بن فتى المديوني. وهذه القبيلة فرع من زناته، وهم من شعوب البربر البتر، لقد أورد إبن خلدون نسب هذه القبيلة على الصورة التالية : مديونة إبن فاتن بن تمصيت بن ضري بن زحيك بن مادغيس الأبتر (¬1) . وذكر إبن خلدون أن ديار هذه القبيلة " المغرب الأوسط " (¬2) وفي موضع آخر قال : "وكانت مواطن مديونة من قبائل البربر قبلة تاسالة (¬3) وفي موضع آخر يذكر أنهم أخوة بني واسين، وقال : وربما يشهد بذلك جوار موطنهم .......... ما بين صا وملوية" (¬4) فالمواطن الأصلية لهذه القبيلة كما يحددها إبن خلدون هي قبلة تاسالة ما بين وادي صا (زا) وملوية في المغرب الأوسط. وفي نطاق هذه الرقعة الواسعة من البلاد لا نستطيع أن نشير إلى المقر المحدد، أو إلى الموطن الذي كان يعيش فيه جناو بن فتى الدماء لذهاب العلماء" (¬5) ، وقال أيضا :" وأما أهل زماننا يقاتلون المفسدين بمن هو شر منهم وأكثر فسادا في الأرض وتنهب الأموال وتحرق المنازل وكلاهما مفسدون ولا يكزن بعض المفسدين أحب إلى الله من بعض" (¬6) وقال في موضع آخر المسلمون اليوم في كتمان، وإنما يجوز الدفع لما لم يجدوا من دفعه بدا مثل نار أقبلت عليهم إن لم يطفوها عن أنفسهم هلكوا (¬7) وقال :" وأهل هذا الزمان لا ينبغي الخروج معهم إلا أن يكون خروجهم إلى جراد أو سمك فلا بأس أن تخرج معهم، وأما غير ذلك من خروج بعضهم إلى بعض فاحذر، واهرب من الناس كهروبك من السبع" (¬8) .
ثم أضاف بعد ذلك :" ونفير أهل التوحيد إلى أهل التوحيد بأسباب تكون بينهم فاحذر ثم احذر .....
صفحه ۱۶
خير من أن تفسكوا دما حراما وتكثروا سواد من سفكها" (¬1) .
والشكوى من إضطراب الزمان وفساد الناس ورقة الدين، وتفضيل العزلة عن هذا المجتمع
وتجنب أهله والإشتغال بالنفس كل هذه المعاني التي رأيناها فيما تقدم من أقوال أبي الحسن جناو بن فتى نجدها كذلك لدى زميله وتلميذه عبدالقهار بن خلف. فهو يقول فيما كتب له إلى يوسف وريون بن الحسن ردا على كتاب طلب إليه فيه أن يكون له عينا على قاضي شباهة (سبها) : " واعلم أني في معزل من هذا وذلك لما أراه من عنايتي بما في بيتي واشتغالي به، ولقد أقيم ما شاء الله وأنا غير عارف بما الناس فيه من الأمور إن شاء الله، ولو أن عندي ما يصلحني في عيالي لطبعت على بابي ثم لم أخرج على بشر ولم يدخل علي حتى ألحق بالله، إلا ما شاء الله من ذلك" (¬2) . ويقول في موضع آخر بعد هذا : وينبغي للعاقل أن يكون بصيرا بأهل زمانه مقبلا على شأنه" (¬3) . ثم يختم رسالته بهذا الدعاء " وأسأل الله أن يجعل غنائي في نفسي ويرزقني لزوم ما ينفعني والعمل به. وترك ما لا يعنيني واجتنابه فإن ذلك عليه يسير " (¬4) .
صفحه ۱۷
عبدالقهار بن خلف، وكل ما يمكن أن نستخلصه عنه هنا أنه من العملماء النابهين الذين يتمتعون بمكانة مرموقة بين أقرانهم علما وعملا. وهو فيما يظهر من مواطنى مدينة (سبها) والتي وردت الاشارة اليها أكثر من مرة في أجوبته-وظاهر الأمر أنه بربري الأصل، نستظهر لذلك بما ورد في رسالته من أسماء، فهو يذكر عمته أخت أبيه باسم أميمة بنت الحباب، واسم أبيه خلف، وهذه أسماء عربية صحيحة لا تشوبها عجمة، وهي خاصة تميزها عن بقية الأسماء التي وردت في هذه الأجوبة، والتي تلتقي جميعا في عجمة بعضها مثل وريون ( وزيون ) وجناو، وأسدين، ومصطار وعبيدس وعبدوس، ونحن لا نستبعد فرضية عربية عبدالقهار فهناك إشارة صريحة في كتب الرحلات المتقدمة أن بعض مناطق فزان مثل ودان وزويلة وغيرها كان يقطنها قبائل شتى من حضرميين وسهميين ووافدين من الكوفة والبصرة وخراسان (¬1) . ونحن نرجح أن يكون عبدالقهار من هذه الأسرة التي تنتمي في أصلها القديم إلى بعض القبائل العربية التي وفدت مع جند الفتح في زحفهم المبكر إلى هذه الديار ...
ويبدو أن عبدالقهار كان يرتبط بصلة وثيقة بالشيخ جناو بن فتى والظاهر أن جناو كان أستاذا لعبدالقهار، وكان يعقد عليه آمالا كبيرة في أن يحيي لقومه آثار سلفهم المهتدين ويكون لهم منارا (¬2) .
وهو معنى يؤكده مرة أخرى عندما يقول له في جوابه : " فوددت لقياك للمناظرة والمذاكرة والتفقه في الكتاب والسنة مع ما يرجى في المشاورة من عزم الله لهم لأهل المشاورة في الدين من إرشادهم في أمورهم" (¬3) . وهذا المعنى يؤكده أيضا مضمون رسالة إلى أبي الحسن وريون إلى عبدالقهار، حيث يطلب إليه أن يأخذ بحضه من الإسلام وإلا يستغني عن أموره، ويطلب إليه أن يكون له عينا على قاضي شباهة (سبها) وأن ما رأى منه من خير أو شر أعلمه بذلك (¬4) .
صفحه ۱۸
شديد الزهد، معرضا عن الدنيا غير مقبل عليها منصرفا إلى آخرته وما عناه من أمر نفسه وعياله - ونقرأه يستشهد لضعفه بهذه الأبيات : (¬1)
أصبحت لا أحمل السلاح ولا أملك رأس البعير إن نفرا .......
والذئب أخشاه إن مررت به وحدي وأخشى الرياح والمطرا ...
وهو رغم إعراضه عن المساهمة الفعالة في أمور الناس وشؤونهم العامة إلا أنه لا يدخر خالص النصيحة عن سائله، يبلغ له في الموعظة والتحذير :"أوصيك ونفسي بتقوى الله العظيم، والعمل لما أنت صائر إليه عن قليل ...." ثم يختتم رسالته إليه بقوله :"ويقال : شر النسك نسك العجم، فاحذر على نفسك، والبربر من العجم " (¬2) .
وننتقل إلى الحديث عن أبي يوسف وريون بن الحسن، وهو مدار هذه الأجوبة ومحمر هذه المكاتبات، يكاتب هؤلاء الأشياخ ويسألهم الرأي والفتوى فيما يحدث عليه من نوازل ويحل به من مشاكل، ويكتبون إليه بالأحكام والنصائح والمواعظ ....
والذي تعرفه عن وريون أقل مما نعرفه عن غيره من أشخاص هذه الأجوبة، وهو عند الشماخي وزيون بالزاي المعجمة (¬3) ، وقد يكون هذا من تصحيف النساخ، ولا يفيدنا الشماخي بأكثر مما عندنا في هذه المخطوطة عن هذا الشيخ. فهو عند حديثه عن عبدالقهار يقول :"وكان كثير النصح لوزيون بن الحسن وكان قائما هو وإبراهيم بن أسدين أظن بفزان من أهل الدعوة والله أعلم " (¬4) .
صفحه ۱۹
معلوماته هذه من الجواب رقم "5" الذي يذكر فيه عبدالقهار خبر هزيمة وريون عن تراغن وإنسحابه إلى سبها أو شباهة كما يسميها وهذا سياق القصة كما يوردها عبدالقهار، ".....أنه لما جاء الخبر بالليل أن عساكر وريون وغيره قد انهزمت من تراغن جائني الخبير بذلك، وهو عبد الله بن عبيدس الشباهي وكان لي صديقا مصافيا وخليلا مواتيا، فأيقظني من نومتي وأنا مريض بمرضي، وقد كنت مريضا قبل ذلك أربعة أيام، فذكر لي الخبير أن العساكر قد انهزمت وأن وريون وإبراهيم بن أسدين قد جاء كلاهما مهزومين وقد نزلا في بيت أبي الرؤوس. فقلت أكذلك الخبر ؟ قال : نعم. فقمت مبادرا واتكأت على رمحي فدخلت الدار التي فيها وريون وإبراهيم فوقفت عليهما وأخذت منهما تصحيح الخبر ....." (¬1) .
فهذا النص يذكر بوضوح أن وريون هو قائد هذه العساكر فهي عساكر وريون. ويذكر أيضا إبراهيم بن أسدين من كتب التاريخ والسير ذكرا لهذه المعركة، ومن ثم فنحن لا نعرف شيئا عن الطرف المنتصر ولا عما آل إليه أمر وريون وإبراهيم بعد هذه المعركة .
ولكننا نجد في الخطاب الآخر الذي وجهه عبد القادر إلى أبي يوسف وريون إشارة إلى قيامه على أمور الحكم ومراقبة القضاة وتعيينهم فهو يقول :" أعلم أن كتابك وصل إلي تذكر فيه أن أكون لك عينا على قاضي شباهة، وأن ما رأيت منه من خير أو شر أعلمتك بذلك في سر. وقلت : وخذ بحضك من الإسلام ولا تستغني عن أموره " (¬2) .
ولا تعرف عن هذا الكتاب هل كان قبل تلك الهزيمة أو بعدها إلا أن هذا النص يكشف عن مكانة وريون التي تصوره في مركز المسؤولية، يطلب من هذا الشيخ أن يوافيه بما يقيم به سيرة قاضي
صفحه ۲۰