في شيء يذكر عنه إلا الإنشاء وطلاقة اللسان، وبهما مع ما حصل له في آخر عمره من توليته المناصب المحتاج إلى صاحبها اشتهر صيته واغتر بذلك من لا علم له بحقيقة أمره، وإلا فأهل مكة أدرى بشعابها.
(فالمرة الأولى) قوله في تعريف ماهية الشيطان الوسواس: وهي قوة نازعة إلى الشر ... إلخ، فقوله "وهي قوة" خطأ صريح وقول قبيح؛ لأن لفظ "قوة" مدلولها باعتبار اللفظ العربي الخالي من العجمة صفة لا ذات، ومن المقرر عند ذوي العقول أن الصفة من حيث ذاتها لا تقوم بنفسها ولا تحيز لها ولا ينسب لها حكم عارية عن موصوفها، فيتعين أن يكون الوسواس ذاتا لا صفة.
(فإن قلت) إن كلامه يصح أن يكون صوابا، ويتخرج على نحو "زيد عدل" من جواز أحد الاحتمالات الثلاثة فيه، أعني كونه اسم فاعل أو على تقدير مضاف أو مبالغة.
(قلت) يصح، إلا أنه يشتغل اشتغال ذات النحيين؛ لأنه يسئل حينئذ عن كيفية الوسوسة، فلا يخلو الحال إما أن يرجع إلى السنة ويقتبس من نبراسها، أو يرتكب طريقا آخر غيرها، فتفوق له السهام أيضا حتى يرجع إليها أو يموت على غيرها.
(الثانية) استبعاده ما لا بعد فيه، وتعجيزه لغيره بما لا عجز فيه، فيريد بقوله "وإلا فليجعلوا مثل ذلك للقسم الثاني" التعجيز، على حد قوله ﷾ ﴿فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ﴾ وقول القائل:
أولئك آبائي فجئني بمثلهم ... إذا جمعتنا يا جرير المجامع
فيا للعجب من هذا الشيخ، يهول بما لا تهويل فيه، ولكن يقال:
خلا لك الجو فبيضي واصفري
وفي الحقيقة هذا الخطأ في ضمنه خطأ
1 / 29