إن الشجرة التي تنبت في الكهف لا تعطي ثمرا، وسلمى كرامة كانت في ظل الحياة فلم تثمر أطفالا. إن البلبل لا يحوك عشا في القفص كيلا يورث العبودية لفراخه، وسلمى كرامة كانت سجينة الشقاء، فلم تقسم السماء حياتها إلى أسيرين. إن أزاهر الأودية هي أطفال يلدها انعطاف الشمس وشغف الطبيعة، وأطفال البشر أزاهر يلدها الحب والحنو، فسلمى كرامة لم تشعر قط بأنفاس الحنو وملامس الانعطاف في ذلك المنزل الفخم القائم على شاطئ البحر في رأس بيروت، ولكنها كانت تصلي في سكينة الليالي ضارعة أمام السماء لتبعث إليها بطفل يجفف بأصابعه الوردية دموعها، ويزيل بنور عينيه خيال الموت عن قلبها.
وقد صلت سلمى متوجعة حتى ملأت الفضاء صلاة وابتهالا، وتضرعت مستغيثة حتى بدد صراخها الغيوم، فسمعت السماء نداءها وبثت في أحشائها نغمة مختمرة بالحلاوة والعذوبة، وأعدتها بعد خمسة أعوام من زواجها لتصيرها أما وتمحو ذلها وعارها.
الشجرة النابتة في الكهف قد أزهرت لتثمر.
البلبل المسجون في القفص قد هم ليحوك عشا من ريش جناحيه.
القيثارة التي طرحت تحت الأقدام قد وضعت في مهب نسيم المشرق ليحرك بأمواجه ما بقي من أوتارها.
سلمى كرامة المسكينة قد مدت ذراعيها المكبلتين بالسلاسل لتقتبل موهبة السماء.
وليس بين أفراح الحياة ما يضارع فرح المرأة العاقر عندما تهيئها النواميس الأزلية لتصيرها أما. كل ما في يقظة الربيع من الجمال، وكل ما في مجيء الفجر من المسرة يجتمع بين أضلع المرأة التي حرمها الله ثم أعطاها.
لا يوجد نور أشد سطوعا وأكثر لمعانا من الأشعة التي يبعثها الجنين السجين في ظلمة الأحشاء.
وكان نيسان قد جاء متنقلا بين الروابي والمنحدرات عندما تمت أيام سلمى لتلد بكرها، وكأن الطبيعة قد وافقتها وعاهدتها، فأخذت تضع حمل أزاهرها وتلف بأقمطة الحرارة أطفال الأعشاب والرياحين.
مضت شهور الانتظار وسلمى تترقب الخلاص مثلما يترقب المسافر طلوع كوكب الصباح، وتنظر إلى المستقبل من وراء دموعها، فتراه مشعشعا، وقد طالما ظهرت الأشياء القاتمة متلمعة من خلال الدموع.
صفحه نامشخص