303

أجنحة المكر الثلاثة

أجنحة المكر الثلاثة

ناشر

دار القلم

ویراست

الثامنة

سال انتشار

١٤٢٠ هـ - ٢٠٠٠ م

محل انتشار

دمشق

ژانرها

موظفي الشرطة أو الجيش من المصريين بتنفيذ أمر على بعض السودانيين، وهذا الأمر يثير النقمة، كأمر مصادرة، أو تحصيل ضريبة، أو قبض على ذي وجاهة دينية أو اجتماعية أو سياسية، يقلق راحة السلطات المستعمرة، بنضاله ضد أعمالهم المسيئة لأهل البلاد، وتشدد هذه السلطات المستعمرة أوامرها الموجهة لهؤلاء الموظفين بأن يستعملوا كل ما في أيديهم من قوة وحزم وخشونة، ويدعون النقمة تربو حتى تبلغ أشدها، وحينما يلاحظون بوادر انفجار النقمة، يرسلون إلى الناقمين من يقنعهم برفع الشكوى إلى صاحب السلطة العليا الإنكليزي، وذلك لينظر في أمرهم، ويدفع عنهم عنت موظفي الشرطة أو الجيش، وحينما يرفعون إليه شكواهم مما حصل، ويشدد تعنيفه لموظفي الشرطة أو الجيش المصريين، وهم الذين باشروا الأمر المثير للنقمة، ليوهموهم أن هذا التصرف تصرف مصري لا تصرف استعماري، وبذلك يلقون في قلوب السودانيين جرثومة الكراهية الشديدة التي تباعد الشقة بين المسلمين.
ويفعل المستعمرون مثل ذلك بين سكان مدينة وسكان مدينة أخرى داخل قطر واحد، وبين سكان المدن وسكان الريف، كأن يسلطوا الموظفين الدمشقيين على سكان مدينة حلب، والعكس، والموظفين البغداديين على سكان الموصل، والعكس، والموظفين القاهريين على سكان الاسكندرية، وكذلك العكس، والموظفين من سكان المدن على سكان القرى وسكان البادية، وكذلك العكس.
وهكذا بين كل بلد وبلد، وبين كل مدينة وقرية، وبين كل حي وحي آخر ضمن البلد الواحد، وكذلك يفعلون بين المنتسبين إلى قوميات مختلفة، مع اشتراكهم في وحدة دينية، تفريقًا بين المسلمين، فيسلطون الشراكس أو الأتراك أو الأكراد على العرب، ويسلطون العرب على الشراكس أو الأتراك أو الأكراد كي يملأوا قلوب كل قوم منهم بالحقد والضغينة على المنتسبين إلى القوميات الأخرى، إذ يوهمونهم أن الأذى الذي أصابهم لم يكن من أوامر المستعمرين المشددة، وإنما كان من دوافع خاصة لدى القوم الذين يباشرون التنفيذ.

1 / 317