230

أجنحة المكر الثلاثة

أجنحة المكر الثلاثة

ناشر

دار القلم

شماره نسخه

الثامنة

سال انتشار

١٤٢٠ هـ - ٢٠٠٠ م

محل انتشار

دمشق

ژانرها

خاصة اجتماعية أو اقتصادية أو سياسية أو غيرها، وليس لها أصول فكرية ثابتة، ويضربون على ذلك الأمثلة من تقاليد بعض الشعوب البدائية، أو مما تواضعت عليه بعض الشعوب المنحلة خلقيًا، كأن التقاليد البدائية أو الانحلال الخلقي من الصور المعتبرة التي يصح أن توضع في جداول الأخلاق الفاضلة لدى التصنيف الذي يقوم به متتبعو الحقيقة بالبحث العلمي المتجرد النزيه.
ومن العجيب أن يتصيد هؤلاء المضلون الأمثلة من شعوب بدائية أو شعوب منحلة، بغية زلزلة أصول الأخلاق التي يريدون تهديمها في الشعوب المسلمة، ذات التقدم الحضاري في ميادين الأخلاق التي اكتسبها من رسالة الإسلام الربانية، مع أنهم في الوقت نفسه لا يعتبرون أكواخ الشعوب البدائية، وطراز لباسها، وطرق أكلها وشربها، ووسائل عيشها، وأنظمة مجتمعاتها المتخلفة، ونحو ذلك من الأمثلة التي يصح أن توضع في جداول المدنيات المتقدمة، وأن تقارن بما توصلت إليه المدنيات الراقية، من بناء ناطحات السحاب، إلى طراز الألبسة الأنيقة، وطرق الأكل والشرب الراقية النظيفة، التي تنتزع الإعجاب والاستحسان، ثم إلى وسائل الرفاهية والراحة والقوة والسرعة، ثم إلى كل منجزات العلم المادي الحديث.
ويقول قائل هؤلاء المضلِّين: إن بعض القبائل تأكل موتاها بدافع اقتصادي، ولا ترى ذلك منافيًا للأخلاق أو للسلوك السليم، وبعض الشعوب لا ترى في العري والزنى بأسًا، ولا ترى شيئًا من ذلك منافيًا للأخلاق أو للسلوك السوي، ويسوق كلامه هذا دليلًا على أن الأخلاق أمور اعتبارية تتواضع عليها الشعوب، وليس لها أصول ثابتة. ولقد كان على صاحب هذا التضليل أن يكون منسجمًا مع نفسه، فيقول مع ذلك: إن التقدم المدني ليس له صورة ثابتة أيضًا، فالأكواخ البدائية، وسكنى الغابات والكهوف والمغارات، واستخدام الحجارة بدل أوراق الكتابة أو بدل السكاكين، والتقاتل بها في الحروب بدل الأسلحة الحربية المتفوقة، ونحو ذلك هو من الصور المدنية التي تتواضع عليها الشعوب، أخذًا من الواقع الذي عليه الناس، فهي ومظاهر المدنيات

1 / 244