هو ديك واحد يا بنتي، هو الديك الذي ... لكنني لا أجمع حرفا مع حرف، وأسأل نفسي وأنا أمر بيدي على عيني وخدي وآخذ منها طبق اللبن المغموسة فيه قطع الخبز : لماذا لم أرك هناك يا محمود؟ لماذا لم تظهر لأمك التي تنتظرك؟ متى تأتي يا ولدي، متى تأخذ بيدي؟
3
الخبط على الباب شديد والأقدام القلقة تضربه بقسوة وبغير توقف. تسرع ابنتي وحارستي فتفتحه ويدخلون صائحين ضاحكين، ويندفع الأولاد والبنات إلى الصالة ويجرون إلى الشرفة وينادون على أبناء الجيران ثم يرجعون بسرعة لفتح الصندوق الذي تتناهى إلي أصوات السيرك الدائم فيه ولا أرى صوره؛ أفيال ودببة وخيول وأسود ونباح كلاب وغناء طيور وصياح أولاد وبنات وآباء وأمهات. أسمع صوت حمادة وهو يضع ما في يده على سطح البوفيه: يا ترى الدكتور عوض ... أسرعت أخته مقاطعة وهي تأخذ منه ومن أخيه حازم بقية اللفائف والحاجات وترتبها بجوار بعضها: الحالة على ما هي عليه؛ يعني مستقرة.
سأل حمادة: وصف لها حاجة جديدة؟ قالت: كالعادة؛ مقويات وفيتامينات. جلجل صوت حازم بعد أن شخط في أبناء أخيه ووبخهم على الهوسة التي عملوها: مقويات؟ يالله، شدي حيلك يا حاجة. وخطا بضع خطوات في الممر الموصل إلى حجرة أمه، لكنه تراجع ليواجه أخاه الذي برز على سحنته النفور والامتعاض. قال حازم وهو يمر بكفه على صدر أخيه: بذمتك يا شيخ ...
نتر أخوه كفه الطرية السمينة: أنت تتكلم عن الذمة؟
أسرع حازم ضاحكا في سخرية: يا منافق، أنت أيضا تتمنى هذا من قلبك، أليس كذلك يا طبيب الأرواح؟ أدار حمادة ظهره له وسرح ببصره في الصور المتحركة التي التف حولها الأولاد، ودوت فرقعة شديدة على السلم فأسرع إلى الباب الذي كان لا يزال مفتوحا وزعق: ألم أحذرك يا طارق من البمب وسنينه؟ يكفينا يا بني ما فينا، ادخل واخرس تماما.
هتفت أخته: العيال نفسها تفرح، ربنا يفك ضيقتنا جميعا.
وضع حمادة نفسه على كرسي بعيد وتعمد أن يعطي ظهره لأخيه وللتلفزيون، وأسند رأسه على يده وراح ينظر إلى الأرض، ثم نهض فجأة كمن لدغته عقرب واتجه إلى حجرة أمه. أدركته أخته قبل أن يفتح عليها الباب وهي تقول: في الأول نفطر وبعدها أصحيها من النوم، هي كويسة وبخير ، لا تخف عليها، خف على أختك وعلى نفسك أنت.
قال حمادة باشمئزاز وهو يرجع إلى مكانه: ورائي شغل ومستعجل، أنت عارفة الحال ومسلسل الولادة شغال.
ضحكت الأرملة التي لم تنجب من زوجيها السابقين وكأنها تنوح على نفسها أو تعزيها: وآخرتها عنيك لا ترى إلا النور، هم وغم وفي الآخر حفنة تراب، اقعد نأكل لقمة وبعدها تتوكل على الله.
صفحه نامشخص