قال: «ألا ترين المغافر هناك؟»
قالت: «أراها، لكنني لا أثبتها لبهرجة أشعة الشمس على صخورها.»
فتطاول بعنقه وتفرس في المكان، وقال: «ألا ترين تلك البقعة المرصفة بشكل مربع؟ إن الأشعة تتلاعب عليها، وتنعكس عنها.»
قالت: «نعم أرى البقعة وحولها الجماهير من الناس.»
قال: «هؤلاء جماهير العامة ينتظرون وصول الموكب ليروا الماء يجري ويفرحوا به، أو يشاهدوا الموكب وما معه من الأعلام أو لسماع الطبول والأبواق.»
وكان الموكب قد اقترب من المغافر حتى إذا دنا من المصطبة حول العين تراجع الناس وتقدم ابن طولون وحده وترجل عند ذلك سعيد ومشى بين يديه يريه هندسة البناء وكيف يجري فيه الماء فشاعت عينا دميانة لرؤيته وتعب بصرها من التحديق في أشعة الشمس ولكنها كانت ترى ابن طولون يجول بفرسه على المصطبة وسعيد يظهر ويختفي وراء فرس ابن طولون.
وفيما هي في ذلك رأت ابن طولون هوى بجواده وسقط على الأرض، فسقط قلبها معه وصاحت بأعلى صوتها: «باسم المسيح باسم العذراء.» وخافت أن يقع الجواد على سعيد فيؤذيه على أنها ما لبثت أن رأت ابن طولون نهض وقد وقعت قلنسوته ثم أومأ إلى الجند فتسارعوا إلى سعيد وقبضوا عليه وشقوا ثيابه وتناول أحدهم سوطا وأخذ يضربه ضربا متواليا. فأحست دميانة كأن الضرب واقع على رأسها، فلم تتمالك أن وقفت فجأة ولطمت وجهها بكفيها وهي تقول: «ويلاه ماذا يفعلون أيضربون سعيدا آه. آه، ويلاه.» وأخذت فرائصها ترتعد ونسيت موقفها.
وتحقق زكريا أنهم يضربون سعيدا ولا فائدة من التكذيب، فأخذ يخفف عنها ويغالطها وهي تقول: «إني أراهم يضربونه وأشعر كأن ذلك الضرب واقع على قلبي. ويل لهم لماذا يضربونه؟ أهذا جزاء من أحسن عملا؟»
فأمسك زكريا بيدها وأجلسها وقال: «تمهلي يا سيدتي ريثما نرى الحقيقة، ولا بد لذلك من سبب، كوني عاقلة صبورة مثل عهدي بك.»
ورأتهم بعد أن فرغوا من ضرب سعيد يشدون وثاقه ثم يسوقونه إلى المطبق، فكاد الدم يجمد في عروقها. على أنها لما رأته حيا يمشي هدأ روعها وكانت تخاف أن يموت من الضرب وتقدم زكريا إليها وطلب إليها أن تصبر حتى يبحث عن سبب ما حدث. وأكد لها أن الأمل كبير في إنقاذ سعيد. ثم استأذنها في الذهاب فأذنت له ولكنها عادت فتراجعت وقالت: «لا. لا أبقى هنا وحدي فيأتي ذلك النذل. لا. لا. خذني معك. أرجعني إلى الدير. إنه أبقى لي من سائر المساكن.» قالت ذلك وشرقت بدموعها.
صفحه نامشخص