فإن كان صغيرًا وقت العهد لم يصح، لأنها وإن كانت تلزم بعد موت العاقد فلا تمنع اعتبارها وقت العقد، كما قلنا في الوصى، يعتبر فيه شرائط الموصى وقت العقد، وإن كانت تلزم بالموت فإن عهد إلى غائب معلوم الحياة صح، وكان موقوفًا على قدومه.
فإن مات المولى وبعدت عيبته واستضر المسلمون بتأخير نظره استتاب أهل الاختيار نائبًا يبايعونه بالنيابة دون الخلافة فإذا قدم الغائب انعزل النائب. وإذا خلع الخليفة نفسه، إما بطريان عذر، أو قلنا له أن يخلع نفسه، انتقلت الولاية، إلَى وَلِيِّ عَهْدِهِ، وَقَامَ خَلْعُهُ مَقَامَ مَوْتِهِ. ولو عهد الخليفة إلى اثنين فأكثر، ولم يقدم أحدهما على الآخر، واختار أهل الاختيار أحدهما بعد موته جاز. والأصل فيه أهل الشورى، وَلَيْسَ لِأَهْلِ الِاخْتِيَارِ - إذَا جَعَلَهَا الْإِمَامُ شُورَى فِي عَدَدٍ - أَنْ يَخْتَارُوا أَحَدَهُمْ فِي حَيَاةِ المستخلف العاهد، إلا أن يأذن لهم، لأنه بالإمامة أحق. فَإِنْ خَافُوا انْتِشَارَ الْأَمْرِ بَعْدَ مَوْتِهِ اسْتَأْذَنُوهُ، فإن صار إلى حال الإياس نظرت". فإن زال عنه أمره وعزل عن رأيه فهو كحاله بعد موته في جواز الاختيار. وهل يجوز لِلْخَلِيفَةِ أَنْ يَنُصَّ عَلَى أَهْلِ الِاخْتِيَارِ، كَمَا ينص على أهل العهد؟ فقد قيل: يجوز، لأنها من حقوق خلافته. وقياس مذهبنا أنه لا يجوز لوجهين. أحدهما: أنها تقف على اختيار جميع أهل الحل والعقد. والثاني: أن إمامة المعهود إليه تنعقد بعد موته باختيار أهل الوقت. فإن قال: قد عهدت الأمر إلى فلان، فإن فلان مات قبل موتى أو تغيرت حاله فالإمام بعده فلان - وذكر آخر - جاز ذلك، وكان هذا عهدًا إليه بالشرط. فإن بقي الأول إلى وفاة العاهد سليمًا كان هو الإمام دون الثاني، وإن مات قبل موت الإمام أو تغيرت حاله بأحد ثلاثة أشياء كان الثاني هو الإمام المعهود إليه. وكذلك إن قال: فإن مات الثاني أو تغيرت حاله فالخليفة فلان صح، وكان ذلك على الترتيب.
والأصل فيه ما رواه الدارقطني في الإفراد بإسناده قال لما وجه رسول الله ﷺ القوم إلى مؤتة قال: عليكم زيد بن حارثة، فإن أصيب زيد فجعفر، فإن أصيب جعفر فعبد الله بن رواحة " وروى سيف بإسناده قال: " لما أنفذ عمر ﵁ بالجيش إلى نهاوند قال: قد أمرت حذيفة بن اليمان حتى ينتهي إلى النعمان بن مقرن، وقد كتبت إلى النعمان: إن حدث بك حدث فعلى الناس حذيفة، وإن حدث بحذيفة حدث فعلى الناس نعيم بن مقرن". وذكر أيضًا أن أبا عبيد عهد إلى الناس فقال " إن قتلت فعلى الناس جبر، فإن قتل فعليكم
1 / 26