ولأن فيها طلب الرأي وثبات العزم وما يضعف عنه النساء، والبروز في مباشرة الأمور مما هو عليهن محظور. وقد قيل: إنه يجوز أَنْ يَكُونَ هَذَا الْوَزِيرُ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ، وإن لم يكن وزير التفويض منهم، إلَّا أَنْ يَسْتَطِيلُوا فَيَكُونُوا مَمْنُوعِينَ مِنْ الِاسْتِطَالَةِ. وكان الفرق بينهما من وجوه أربعة: أَحَدُهَا: أَنَّهُ يَجُوزُ لِوَزِيرِ التَّفْوِيضِ مُبَاشَرَةُ الْحُكْمِ وَالنَّظَرُ فِي الْمَظَالِمِ، وَلَيْسَ ذَلِكَ لِوَزِيرِ التَّنْفِيذِ، ولأنه لا يَجُوزُ لِوَزِيرِ التَّفْوِيضِ أَنْ يَسْتَبِدَّ بِتَقْلِيدِ الْوُلَاةِ وليس ذلك لوزير التنفيذ. ولأنه يَجُوزُ لِوَزِيرِ التَّفْوِيضِ أَنْ يَنْفَرِدَ بِتَسْيِيرِ الْجُيُوشِ وتدبير الحرب وليس ذلك لوزير التنفيذ. ولأنه لا يَجُوزُ لِوَزِيرِ التَّفْوِيضِ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِي أَمْوَالِ بيت المال بقبض ما يستحق له ودفع مَا يَجِبُ فِيهِ وَلَيْسَ ذَلِكَ لِوَزِيرِ التَّنْفِيذِ. فبان بهذا أنهما قد افترقا في حقوق النظر من هذه الوجوه الأربعة. ويفترقان أيضا في أربعة شروط: أَحَدُهَا: أَنَّ الْحُرِّيَّةَ مُعْتَبَرَةٌ فِي وَزَارَةِ التَّفْوِيضِ وغير معتبرة في وزارة التنفيذ. الثاني: أن الإسلام مُعْتَبَرٌ فِي وَزَارَةِ التَّفْوِيضِ وَغَيْرُ مُعْتَبَرٍ فِي وزارة التنفيذ. الثالث: أن العلم بأحكام الشريعة مُعْتَبَرٌ فِي وَزَارَةِ التَّفْوِيضِ وَغَيْرُ مُعْتَبَرٍ فِي وزارة التنفيذ. الرابع: المعرفة بأمر الحرب والخراج معتبرة في التفويض فِي وَزَارَةِ التَّفْوِيضِ وَغَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ فِي وَزَارَةِ التنفيذ. وقد ذكر الخرقي ما يدل على أنه يجوز أن يكون وزير التنفيذ من أهل الذمة، لأنه قال " ولا يعطى من الصدقة لكافر ولا عبد" إلا أن يكونوا من العاملين فيعطوا بحق ما عملوا ". وروي عن أحمد ما يدل على المنع، لأنه قال في رواية أبي طالب - وقد سئل: نستعمل اليهودي والنصراني في أعمال المسلمين مثل الخراج؟ فقال " لا يستعان بهم في شيء".
ويكون الوجه فيه قوله تعالى (لا تتخذوا بطانة من دونكم لا يألونكم إلا خبالًا) وقوله تعالى (لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء) وقوله ﵊ " لا تأمنوهم إذ خونهم الله". ويجوز للخليفة أن يقلد وزيري تنفيذ نظرت، فإن فوض إلى كل واحد منهما عموم النظر لم يصح لما ذكرنا. ثم ننظر، فَإِنْ كَانَ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ بَطَلَ تَقْلِيدُهُمَا مَعًا. وَإِنْ سَبَقَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ صَحَّ تَقْلِيدُ السابق وبطل تقليد المسبوق، وإن أشرك بينهما في النظر على اجتماعهما فيه ولم يَجْعَلَ إلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَنْفَرِدَ بِهِ صح، وتكون الوزارة فيهما لا في النظر منهما، ولهما تنفيذ ما اجتمعا عَلَيْهِ، وَلَيْسَ لَهُمَا تَنْفِيذُ مَا اخْتَلَفَا فِيهِ، وَيَكُونُ مَوْقُوفًا عَلَى رَأْيِ الْخَلِيفَةِ وَخَارِجًا عَنْ نظر هذه الوزارة، وتكون هذه الوزارة تقصر عن وزارة التفويض المطلق من وجهين:
1 / 32