أما تقليد الوزارة فجائز، لما حكاه الله تعالى عن نبيه موسى ﵇ (واجعل لي وزيرًا من أهلي هارون أخي اشدد به أزري وأشركه في أمري) وإذا جَازَ ذَلِكَ فِي النُّبُوَّةِ كَانَ فِي الْإِمَامَةِ أجوز، لأن مَا وُكِّلَ إلَى الْإِمَامِ مِنْ تَدْبِيرِ الْأُمَّةِ لا يقدر على مباشرة جميعه إلا بالاستنابة، نيابة الوزير المشارك فِي التَّدْبِيرِ أَصَحُّ فِي تَنْفِيذِ الْأُمُورِ مِنْ تفرده بها ليستظهر به على نفسه، وليكون أبعد من الزلل، وأمنع من الخلل. فأما اشتقاق الوزارة، فقييل أَنَّهُ مَأْخُوذٌ مِنْ الْوِزْرِ، وَهُوَ الثِّقَلُ لِأَنَّهُ يتحمل عن الملك أثقاله، وقيل أَنَّهُ مَأْخُوذٌ مِنْ الْوَزَرِ، وَهُوَ الْمَلْجَأُ. وَمِنْهُ قوله تعالى (كلا لا وزر) أَيْ لَا مَلْجَأَ فَسُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّ الْمَلِكَ يلجأ إلى رأيه ومعونته. وقيل: أَنَّهُ مَأْخُوذٌ مِنْ الْأَزْرِ، وَهُوَ الظَّهْرُ، لِأَنَّ الملك يقوى بتوزيره كقوة البدن بالظهر. والوزارة عل ضربين: وزارة تفويض، ووزارة تنفيذ.
أما وزارة التفويض فهي أَنْ يَسْتَوْزِرَ الْإِمَامُ مَنْ يُفَوِّضُ إلَيْهِ تَدْبِيرَ الأمور برأيه، وإمضاءها على اجتهاده، فيعتبر في تقليد هذه الوزارة شُرُوطِ الْإِمَامَةِ. وَهُوَ أَنْ يَكُونَ مِنْ أَهْلِ الْكِفَايَةِ فِيمَا وُكِّلَ إلَيْهِ مِنْ أَمْرِ الْحَرْبِ والخراج خبيرًا بهما "فإنه مباشر لهما تارة بنفسه، وتارة يستنب فيهما ولا يَصِلُ إلَى اسْتِنَابَةِ الْكُفَاةِ، إلَّا أَنْ يَكُونَ منهم، كما لايقدر على المباشرة إذا اقصر عنهم. ويفتقر تقليده لفظ الخليفة، لِأَنَّهَا وِلَايَةٌ تَفْتَقِرُ إلَى عَقْدٍ، وَالْعُقُودُ لَا تصح إلا بالقول، فإن وقع له بالنظر أو أذن له فيه، فقياس المذهب: أنه يصح التقليد بناء على إيقاع الطلاق بالكتابة. وتشتمل الوزارة على لفظين. أحهما: عموم النظر. والثاني: النيابة. فإن اقتصر به على عموم النظر دون النيابة لم تنعقد به الوزارة، وإن اقتصر به على النيابة لم تنعقد أيضًا. فإذا جمع بينهما انعقدت. والجمع بينهما أن يقول" قَلَّدْتُكَ مَا إلَيَّ نِيَابَةً عَنِّي " فَتَنْعَقِدُ بِهِ الوزارة لأنه جمع بين عموم النظر والاستنابة، فإن قال " نُبْ عَنِّي فِيمَا إلَيَّ" احْتَمَلَ أَنْ تَنْعَقِدَ الْوَزَارَةُ، لِأَنَّهُ قَدْ جَمَعَ بَيْنَ عُمُومِ النَّظَرِ وَالِاسْتِنَابَةِ. وَاحْتَمَلَ أَنْ لَا تَنْعَقِدَ بِهِ الْوَزَارَةُ، لأنه إذن يحتاج أَنْ يَتَقَدَّمَهُ عَقْدٌ. وَالْإِذْنُ فِي أَحْكَامِ الْعُقُودِ لا تصح به العقود. فإن قَالَ: "قَدْ اسْتَنَبْتُكَ فِيمَا إلَيَّ" انْعَقَدَتْ بِهِ الْوَزَارَةُ لِأَنَّهُ عَدَلَ عَنْ مُجَرَّدِ الْإِذْنِ إلَى ألفاظ العقود. فإن قَالَ " اُنْظُرْ فِيمَا إلَيَّ" لَمْ تَنْعَقِدْ بِهِ الْوَزَارَةُ، لِاحْتِمَالِهِ أَنْ يَنْظُرَ فِي تَصَفُّحِهِ أَوْ فِي تَنْفِيذِهِ أَوْ فِي الْقِيَامِ بِهِ، وَالْعَقْدُ لا يلتزم بلفظ محتمل.
فإن قال " قد استوزرتك تعويلًا على نيابتك" انعقدت الْوَزَارَةُ، لِأَنَّهُ قَدْ جَمَعَ بَيْنَ عُمُومِ النَّظَرِ فيما جعل إلَيْهِ بِقَوْلِهِ" اسْتَوْزَرْتُكَ" لِأَنَّ نَظَرَ الْوَزَارَةِ عَامٌّ، وتثبت النيابة بقوله " تعويلًا على نيابتك" وخرجت عن وزارة التقليد إلى وزارة التفويض، فإن قال: " فوضت إليك وزارتي" ويحتمل أن لا تنعقد به هـ ... ذه الْوَزَارَةُ، لِأَنَّ ذِكْرَ التَّفْوِيضِ فِيهَا يُخْرِجُهَا عَنْ وزارة التنفيذ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا تَنْعَقِدَ، لِأَنَّ التَّفْوِيضَ مِنْ أحكام هذه الوزارة فافتقر إلى عقد ينفذ به، والأول أشبه فَعَلَى هَذَا لَوْ قَالَ " قَدْ فَوَّضْنَا إلَيْكَ الوزارة" صح؛ لأن ولاة الأمور يكتبون أنفسهم بلفظ الجمع
1 / 29