احکام قرآن
أحكام القرآن لابن العربي
ناشر
دار الكتب العلمية
ویراست
الثالثة
سال انتشار
١٤٢٤ هـ - ٢٠٠٣ م
محل انتشار
بيروت - لبنان
بَيَّنَ بِذَلِكَ مَحْظُورَاتِ الصِّيَامِ؛ وَهِيَ الْأَكْلُ، وَالشُّرْبُ، وَالْجِمَاعُ. فَأَمَّا ظَاهِرُ الْمُبَاشَرَةِ الَّتِي هِيَ اتِّصَالُ الْبَشَرَةِ بِالْبَشَرَةِ فَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِيهَا عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْوَالٍ: الْأَوَّلُ: أَنَّهَا حَرَامٌ.
الثَّانِي: أَنَّهَا مُبَاحَةٌ.
الثَّالِثُ: أَنَّهَا مَكْرُوهَةٌ.
الرَّابِعُ: أَنَّهَا مُنْقَسِمَةٌ بَيْنَ مَنْ يَخَافُ عَلَى نَفْسِهِ التَّعَرُّضَ لِفَسَادِ الصَّوْمِ وَبَيْنَ مَنْ يَأْمَنُ ذَلِكَ عَلَى نَفْسِهِ.
وَتَحْقِيقُ الْقَوْلِ فِيهَا: أَنَّهَا سَبَبٌ وَدَاعِيَّةٌ إلَى الْجِمَاعِ، وَذَرِيعَةٌ دَاعِيَةٌ إلَيْهِ، فَيُخْتَلَفُ فِي حُكْمِهَا كَاخْتِلَافِهِمْ فِي تَحْرِيمِ الذَّرَائِعِ الَّتِي تَدْعُو إلَى الْمَحْظُورَاتِ؛ فَأَمَّا عُلَمَاءُ الْمَالِكِيَّةِ فَاعْتَبَرُوا حَالَ الرَّجُلِ وَخَوْفَهُ عَلَى صَوْمِهِ وَأَمْنَهُ عَلَيْهِ مِنْ نَفْسِهِ، وَقَدْ ثَبَتَ: «أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ كَانَ يُقَبِّلُ أَزْوَاجَهُ عَائِشَةَ وَغَيْرَهَا، وَهُوَ صَائِمٌ، وَيَأْمُرُ بِالْإِخْبَارِ بِذَلِكَ»؛ لَكِنَّ النَّبِيَّ كَانَ أَمْلَكَنَا لِإِرْبِهِ.
وَقَدْ خَرَّجَ مُسْلِمٌ: «أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ أَفْتَى عُمَرَ بْنَ أَبِي سَلَمَةَ بِجَوَازِهَا وَهُوَ شَابٌّ»، فَدَلَّ أَنَّ الْمُعَوَّلَ فِيهَا مَا اعْتَبَرَ عُلَمَاؤُنَا مِنْ حَالِ الْمُقَبِّلِ، لَكِنْ مِنْهُمْ مَنْ تَجَاوَزَ فِي التَّفْصِيلِ حَدَّ الْفُتْيَا، وَنَحْنُ نَضْبِطُ بِحَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى.
1 / 133