احکام قرآن

Al-Jassas d. 370 AH
110

احکام قرآن

أحكام القرآن

پژوهشگر

محمد صادق القمحاوي - عضو لجنة مراجعة المصاحف بالأزهر الشريف

ناشر

دار إحياء التراث العربي

محل انتشار

بيروت

وَقِيلَ إنَّهُ أَحَبَّ ذَلِكَ اسْتِدْعَاءً لِلْعَرَبِ إلَى الْإِيمَانِ وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ [فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضاها] وقوله [فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ] فَإِنَّ أَهْلُ اللُّغَةِ قَدْ قَالُوا إنَّ الشَّطْرَ اسْمٌ مُشْتَرَكٌ يَقَعُ عَلَى مَعْنَيَيْنِ أَحَدُهُمَا النِّصْفُ يُقَالُ شَطَرْتُ الشَّيْءَ أَيْ جَعَلْته نِصْفَيْنِ وَيَقُولُونَ فِي مَثَلٍ لَهُمْ احْلِبْ حَلْبًا لَك شَطْرُهُ أَيْ نِصْفُهُ وَالثَّانِي نَحْوُهُ وَتِلْقَاؤُهُ وَلَا خِلَافَ أَنَّ مُرَادَ الْآيَةِ هُوَ الْمَعْنَى الثَّانِي قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَأَبُو الْعَالِيَةِ وَمُجَاهِدٌ وَالرَّبِيعُ بْنُ أَنَسٍ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ الْمَعْنَى الْأَوَّلَ إذْ لَيْسَ مِنْ قَوْلِ أَحَدٍ أَنَّ عليه استقبال نصف المسجد الحرام واتفق المسلمون لو أنه صَلَّى إلَى جَانِبٍ مِنْهُ أَجْزَأَهُ وَفِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّهُ لَوْ أَتَى نَاحِيَةً مِنْ الْبَيْتِ فَتَوَجَّهَ إلَيْهَا فِي صَلَاتِهِ أَجْزَأَهُ لِأَنَّهُ مُتَوَجِّهٌ شَطْرَهُ وَنَحْوَهُ وَإِنَّمَا ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى التَّوَجُّهُ إلَى نَاحِيَةِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمُرَادُهُ الْبَيْتُ نَفْسُهُ لِأَنَّهُ لَا خِلَافَ أَنَّهُ مَنْ كَانَ بِمَكَّةَ فَتَوَجَّهَ فِي صَلَاتِهِ نَحْوَ الْمَسْجِدِ أَنَّهُ لَا يَجْزِيهِ إذَا لَمْ يَكُنْ مُحَاذِيًا لِلْبَيْتِ وقَوْله تَعَالَى [وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ] خِطَابٌ لِمَنْ كَانَ مُعَايِنًا لِلْكَعْبَةِ وَلِمَنْ كَانَ غَائِبًا عَنْهَا وَالْمُرَادُ لِمَنْ كَانَ حَاضِرَهَا إصَابَةُ عَيْنِهَا وَلِمَنْ كَانَ غَائِبًا عَنْهَا النَّحْوَ الَّذِي هُوَ عِنْدَهُ أَنَّهُ نَحْوَ الْكَعْبَةِ وَجِهَتُهَا فِي غَالِبِ ظَنِّهِ لِأَنَّهُ مَعْلُومٌ أَنَّهُ لَمْ يُكَلَّفْ إصَابَةَ الْعَيْنِ إذْ لَا سَبِيلَ لَهُ إلَيْهَا وَقَالَ تَعَالَى [لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَها] فَمَنْ لَمْ يَجِدْ سَبِيلًا إلَى إصَابَة عَيْنِ الْكَعْبَةِ لَمْ يُكَلَّفْهَا فَعَلِمْنَا أَنَّهُ إنَّمَا هُوَ مُكَلَّفٌ مَا هُوَ فِي غَالِبِ ظَنِّهِ أَنَّهُ جِهَتَهَا وَنَحْوِهَا دُونَ الْمَغِيبِ عِنْدَ اللَّه تَعَالَى وَهَذَا أَحَدُ الْأُصُولِ الدَّالَّةِ عَلَى تَجْوِيزِ الِاجْتِهَادِ فِي أَحْكَامِ الْحَوَادِثِ وَأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُجْتَهِدِينَ فَإِنَّمَا كُلِّفَ مَا يُؤَدِّيهِ إلَيْهِ اجْتِهَادُهُ وَيَسْتَوْلِي عَلَى ظَنِّهِ وَيَدُلُّ أَيْضًا عَلَى أَنَّ لِلْمُشْتَبَهِ مِنْ الْحَوَادِثِ حَقِيقَةً مَطْلُوبَةً كَمَا أَنَّ الْقِبْلَةَ حَقِيقَةٌ مَطْلُوبَةٌ بِالِاجْتِهَادِ وَالتَّحَرِّي وَلِذَلِكَ صَحَّ تَكْلِيفُ الِاجْتِهَادِ فِي طَلَبِهَا كَمَا صَحَّ تَكْلِيفُ طلب القبلة بالاجتهاد لأن لها حقيقة لو لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ قِبْلَةٌ رَأْسًا لَمَا صَحَّ تكليفنا طلبها قوله تعالىَ لِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيها] الْوُجْهَةُ قِيلَ فِيهَا قِبْلَةٌ رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ مُجَاهِدٍ وَقَالَ الْحَسَنُ طَرِيقَةً وَهُوَ مَا شَرَعَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ الْإِسْلَامِ وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٍ وَالسُّدِّيِّ لِأَهْلِ كُلِّ مِلَّةٍ مِنْ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وِجْهَةٌ وَقَالَ الْحَسَنُ لِكُلِّ نَبِيٍّ فَالْوُجْهَة وَاحِدَةٌ وَهِيَ الْإِسْلَامُ وَإِنْ اخْتَلَفَتْ الْأَحْكَامُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى [لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهاجًا] قَالَ قَتَادَةُ هُوَ صَلَاتُهُمْ إلَى الْبَيْتِ الْمَقْدِسِ وَصَلَاتُهُمْ إلَى الْكَعْبَةِ وَقِيلَ فِيهِ لِكُلِّ قَوْمٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ مِنْ أَهْلِ سَائِرِ الْآفَاقِ الَّتِي جِهَاتُ الْكَعْبَةِ وَرَاءَهَا أَوْ قُدَّامَهَا أَوْ عَنْ

1 / 112