[ذكر الجزية] [بَابُ الْجِزْيَةِ] [فصل ممن تؤخذ الْجِزْيَةِ وحكمتها وسببها]
[سَبَبُ تَأْلِيفِ الْكِتَابِ
بَابُ الْجِزْيَةِ]
سُئِلَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ الْعَالِمُ الْعَلَّامَةُ شَمْسُ الدِّينِ زَادَهُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ عَنْ كَيْفِيَّةِ الْجِزْيَةِ الْمَوْضُوعَةِ عَلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ بِالْبِلَادِ الْإِسْلَامِيَّةِ، وَسَبَبِ وَضْعِهَا وَعَنْ مِقْدَارِ مَا يُؤْخَذُ مِنَ الْأَغْنِيَاءِ وَمِنَ الْمُتَوَسِّطِينَ وَمِنَ الْفُقَرَاءِ، وَعَنْ حَدِّ الْغَنِيِّ وَالْمُتَوَسِّطِ وَالْفَقِيرِ فِيهَا وَهَلْ يُثَابُ أَوْلِيَاءُ أُمُورِ الْمُسْلِمِينَ - أَمَدَّهُمُ اللَّهُ تَعَالَى - عَلَى إِلْزَامِهِمْ بِهَا عَلَى حَسَبِ حَالِهِمْ أَمْ لَا؟ وَهَلْ يُؤْخَذُ مِنَ الْغَنِيِّ وَالْفَقِيرِ وَالْمُتَوَسِّطِ؟
وَأَجَابَ: أَمَّا سَبَبُ وَضْعِ الْجِزْيَةِ فَهُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ﴾ [التوبة: ٢٩] .
[مِمَّنْ تُؤْخَذُ الْجِزْيَةُ]
فَأَجْمَعَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ الْجِزْيَةَ تُؤْخَذُ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَمِنَ
1 / 79
الْمَجُوسِ.
1 / 80
وَكَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ ﵁ قَدْ تَوَقَّفَ فِي أَخْذِ الْجِزْيَةِ مِنَ الْمَجُوسِ حَتَّى شَهِدَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ أَخَذَهَا مِنْ مَجُوسِ هَجَرَ ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ.
وَذَكَرَ الشَّافِعِيُّ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ ذَكَرَ الْمَجُوسَ فَقَالَ: مَا أَدْرِي كَيْفَ أَصْنَعُ فِي أَمْرِهِمْ، فَقَالَ لَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ: أَشْهَدُ لَسَمِعْتُ
1 / 81
رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: " «سُنُّوا بِهِمْ سُنَّةَ أَهْلِ الْكِتَابِ» " وَهَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّهُمْ لَيْسُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿أَنْ تَقُولُوا إِنَّمَا أُنْزِلَ الْكِتَابُ عَلَى طَائِفَتَيْنِ مِنْ قَبْلِنَا وَإِنْ كُنَّا عَنْ دِرَاسَتِهِمْ لَغَافِلِينَ﴾ [الأنعام: ١٥٦]، فَاللَّهُ سُبْحَانَهُ حَكَى هَذَا عَنْهُمْ، وَلَمْ يُنْكِرْهُ عَلَيْهِمْ وَلَمْ يُكَذِّبْهُمْ فِيهِ.
وَأَمَّا حَدِيثُ عَلِيٍّ أَنَّهُ قَالَ: " أَنَا أَعْلَمُ النَّاسِ بِالْمَجُوسِ كَانَ لَهُمْ عِلْمٌ يُعَلِّمُونَهُ وَكِتَابٌ يَدْرُسُونَهُ، وَإِنَّ مَلِكَهُمْ سَكِرَ فَوَقَعَ عَلَى ابْنَتِهِ أَوْ أُخْتِهِ فَاطَّلَعَ عَلَيْهِ بَعْضُ أَهْلِ مَمْلَكَتِهِ، فَلَمَّا صَحَا جَاءُوا يُقِيمُونَ عَلَيْهِ الْحَدَّ فَامْتَنَعَ مِنْهُمْ وَدَعَا أَهْلَ مَمْلَكَتِهِ وَقَالَ: تَعْلَمُونَ دِينًا خَيْرًا مِنْ دِينِ آدَمَ وَقَدْ أَنْكَحَ بَنِيهِ بَنَاتِهِ، فَأَنَا عَلَى دِينِ آدَمَ، قَالَ: فَتَابَعَهُ قَوْمٌ وَقَاتَلُوا الَّذِينَ يُخَالِفُونَهُ حَتَّى قَتَلَهُمْ، فَأَصْبَحُوا وَقَدْ أُسْرِيَ بِكِتَابِهِمْ وَرُفِعَ الْعِلْمُ الَّذِي فِي صُدُورِهِمْ فَهُمْ أَهْلُ كِتَابٍ، وَقَدْ أَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَأَبُو بَكْرٍ - وَأَرَاهُ قَالَ: وَعُمَرُ - مِنْهُمُ الْجِزْيَةَ ".
فَهَذَا حَدِيثٌ رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ فِي " مُسْنَدِهِ " وَسَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ
1 / 83
وَغَيْرُهُمَا وَلَكِنَّ جَمَاعَةً مِنَ الْحُفَّاظِ ضَعَّفُوا الْحَدِيثَ.
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: لَا أَحْسَبُ مَا رَوَوْهُ عَنْ عَلِيٍّ فِي هَذَا مَحْفُوظًا.
وَقَدْ رَوَى الْبُخَارِيُّ فِي " صَحِيحِهِ " عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ أَنَّهُ قَالَ لِعَامِلِ كِسْرَى: " أَمَرَنَا نَبِيُّنَا أَنْ نُقَاتِلَكُمْ حَتَّى تَعْبُدُوا اللَّهَ وَحْدَهُ أَوْ تُؤَدُّوا الْجِزْيَةَ ".
وَفِي " مُسْنَدِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ " وَالتِّرْمِذِيِّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: «مَرِضَ أَبُو طَالِبٍ فَجَاءَتْهُ قُرَيْشٌ وَجَاءَهُ النَّبِيُّ ﷺ وَشَكَوْهُ إِلَى أَبِي طَالِبٍ فَقَالَ: يَابْنَ أَخِي مَا تُرِيدُ مِنْ قَوْمِكَ؟ قَالَ: " أُرِيدُ مِنْهُمْ كَلِمَةً تَدِينُ
1 / 84