أفلت خنزير من زريبته، وذهب إلى حوش قصر صاحب الضيعة، وطاف بأرجاء ساحاته الفسيحة؛ طالبا مستودعات الأقذار؛ ليملأ بطنه منها، أو بركة موحلة ينغمس فيها، وتنقل من زريبة إلى إصطبل، ومن مزبلة إلى مطبخ، وكاد يطير فرحا عندما سقط في مستنقع أوساخ القصر، فجعل يتمرغ ويتقلب فيه، وأخيرا عاد إلى زريبته، بعد أن أشبع شهوته، خنزير لا شك فيه، تكسوه الأقذار من فرطوسته إلى ذيله، ولما رآه الراعي، قال له: والآن صف لي يا صاح، ما شاهدت في هذا القصر الفخم أثناء جولتك؟ فقد سمعت أوصافا عجيبة مدهشة ممن زاروا هذا القصر العجيب، حتى إن بعضهم ذكر أن غرفه تتلألأ بالدر والماس والياقوت.
فقال الخنزير: هذا كلام فارغ؛ لأني لم أر هناك لؤلؤا ولا ماسا، وكل ما لقيته لم يكن سوى ما تتوق له نفسي من القمامات والأقذار والأوساخ.
مكافأة السنجاب
طلب ملك الغابة خادما أمينا مخلصا، صغير السن، سليم البنية، خفيف الحركة، وتقدم السنجاب؛ ليحظى بشرف الخدمة، فقال له الملك: إني أقبلك في معيتي، فإن أنت أحسنت القيام بخدمتي في عنفوان شبابك، وهبت لك قدرا عظيما من أحسن ما في الغابة من البندق والجوز عندما تتقدم في العمر.
وهكذا قام السنجاب بأعباء منصبه بكل همة ونشاط، مزهوا بخدمة سيده الملك، لاهيا عما لبدنه عليه من حق، إلى أن فات سن الشباب، وأدركه العجز عن الاستمرار في تأدية واجباته، وتلبية أوامر سيده.
وأقاله ملك الغابة من منصبه، بعدما منحه وساما ولقبا ساميا، وكذلك أعطاه ما وعده به من أفخر أنواع البندق والجوز، وحمل السنجاب ما ناله بعرق جبينه، ذاهبا إلى جهة نائية من الغابة؛ ليستمتع به في ما بقي له من العمر، بعيدا عن متاعب الحياة وهمومها.
وأمسك بجوزة، وحاول عبثا أن يكسرها؛ لينعم بأكل لبها؛ وذلك لأن أسنانه كانت قد ذهبت مع شبابه الذي أفناه في سبيل الحصول على هذا الجوز الثمين.
الثقة العمياء
ضل الحمار الضرير طريقه، بعد غروب الشمس، وتاه في مسالك الغابة الكثيفة الواسعة، فظل يتسكع بين الأشجار، إلى أن وقف حائرا لا يدري: أفي سلامته أن يتحرك يمنة أم يسرة؟
وأدركته عندئذ بومة
صفحه نامشخص