وحزن الغدير لحزن الراعي، وأخذ يواسيه ويعزيه، موجها إلى النهر عتابا مرا على أثرته
2
وقسوته، فقال: تبا لك أيها الغدار الشره، ما أقسى قلبك! أليس لجشعك حد، أو لطمعك نهاية؟ فلو استطاع الناس أن يستشفوا ما تحت مياهك العميقة العكرة، كما يقدرون على رؤية ما في مياهي القليلة الصافية، لاقشعرت أبدانهم اشمئزازا من هول ما يرون في جوفك القذر من فضلات الضحايا التي تبتلعها من وقت إلى آخر! وكنت تهرب خجلا؛ لتختفي عن الأنظار بالغور في جوف الأرض، أو الانحدار إلى هوة دامسة الظلام.
أما أنا، فلو أسعدني الحظ بما حباك
3
من قوة باهرة،
4
ومياه زاخرة؛ لكنت أصرفها في سبل غير سبلك، فما كنت أؤذي حتى الدجاجة الصغيرة، وكنت أنساب بكل لطف ودعة بين المساكن والحدائق حاملا الهناء والرخاء والبهجة لها ولكل الوديان والحقول والمروج التي يسعدها حظها بمروري بها في طريقي إلى البحر العظيم، دون أن أسلبها ورقة من أصغر حشائشها، أو زهرة من أحقر أعشابها - قال ذلك مخلصا، وكان مؤمنا بصدق ما قال.
وبعد قليل من الوقت، اكفهر الجو، وأظلمت السماء بالمعصرات
5
صفحه نامشخص