إن الثناء على السلف واجب، فكل من استوزر - وأنت منهم - لم يترك شيئا من جهده. وأنا من المؤمنين بقول المثل: الحرب بالنظارات هينة. لذلك أراني أوسع على أولياء الأمور وأعذرهم؛ لأن أعباء السياسة تنوء بها الجبال - وخصوصا في عهد القنابل - فكيف بأكتاف الرجال.
فلهذا، إننا نطلب لك من الله المعونة لترضي، (أولا وآخرا) أربعة وخمسين رجلا، فتبقى في كرسي الحكم زمنا تستطيع به القيام بعمل جليل.
الورق قليل جدا، ولا فسحة للكلام والإكثار منه، فلنوجز: ليس لنا في هيكل الحكومة شفيع، فنفوز بشيء عند (التوزيع) ومال الدولة كمال الصدقات يؤتى على حبه، ذوي القربى واليتامى، والمساكين، وابن السبيل، والقرويون عموما، ونحن خصوصا - يا سيد - أبناء سبيل بكل ما في الكلمة من معنى. إن القرية متروكة على الله، ومشاغل الله جل جلاله أكثر من مشاغل النواب الكرام.
إن كل وكد من يقتسمون أموال الطرقات ، في طرق بيوتهم وبيوت أنصارهم، وما بقي فلطرق مناطق الاصطياف. ونحن لو يعلمون (مصيفون) في قرانا، ولسنا نبلغها إلا بشق النفس، وعلى ظهور الحمير، والحمير مهدودة القوى في أيامنا هذه.
وإذا ركبنا سيارة دفعنا (أم الخمسين) فدى لعيني الأربعة والخمسين، عن بضعة عشر كيلومترا، وهيهات أن نبلغ بيوتنا سالمين من العطب.
هذه حال طرقاتنا حيث توجد، أما ما نشرب فمن مياه الشتاء المجموع في الآبار والصهاريج، وأغلبه ملوث، فتفشو بيننا (الدورية) في أيلول وتشرين، والكينا عزيزة نادرة.
أما العلم فأخو الطرقات والمياه. مدارس - إذا وجدت - خير من تعليمها الجهل المطبق. كان أحد العلماء نوى أن يزورني لغرض أدبي، فلما درى بما دون بيتي من أهوال، تغلبت مخاوف الطريق على لذته الأدبية والعلمية، فنسي ما حلم برؤيته من آثار.
قرأت تصريحا لك قلت فيه: إن الله خلق الكون في ستة أيام، فما قولك في أرض تكون كما تركها الله في اليوم السادس، لولا بقية آثار فيها؟ فقرى بلاد جبيل أصلح مكان لاختبار علماء الجيولوجيا؛ لأن طبقات الأرض فيها كما كانت بعد الطوفان.
صرحت أنك ستعتني بالقرية، فحسنا تصنع. وسمعت أنك ستزورها فأحسن وأحسن تصنع. فما راء كمن سمعا.
فحال دولتنا كسيدة تلبس (روبا) مزركشا، فوق ثياب ممزقة بالية، أو أننا كبائعي البندورة، خير بضاعتنا على وجه (السحارة) أما ما تحت ذلك فخبص في خبص.
صفحه نامشخص