عظموا الخشبة بعد ثلاثة عشر قرنا، واسألوا الله أن لا تسوس.
وقرب نصف الليل انتهى الفيلم، فقعدت منهوكا كمن قطع عشرين واديا، وهبط ربعي عن التلال، وجرى حديث عن الرب يسوع سأنقله إليك فلا تلج بحياة ربك، وإذا عذرتني كما عذر جارته بنت المجدل فربحت سعادة الدارين، نعمت وإياك هناك بجيرة ذات النورين، ليت لي ولك ربع حظها.
مجلس القرية يلوم الحكومة
لا نعني بمجلس القرية المختار والعضوين المعينين من الحكومة. فمجلسنا هذا لا ينتخب ولا يعين، ولا يتقيد بعدد، وليس له نصاب قانوني؛ قبته سنديانة الكنيسة ودورته دائمة، قبل القداس أو الزياح. نعقده حيث نجتمع؛ في السهرات، في عيادة المرضى، أو السلام على الغائب، فالسلام عندنا يحل على من يغيب عن الضيعة ولو يومين.
من حضر باع واشترى فالأمر شورى بيننا، ولا خلاف على الرئاسة، فما أحد خير من أحد إلا بالصحة والعافية والرأي السديد. فإذا دارت الغربلة والبخل حسبتك في طاحون أنطلياس، لا محاباة ولا شفقة. المجلس دينونة رهيبة، ومن يشهده خال أنه في وادي يوشافاط، والويل لمن ساءت سمعته وقلت هيبته، فالمجلس يشجبه ولو كان رأسه ينطح السحاب.
أما الاجتماع الذي أحدثك عنه، فكان مساء الاثنين 16 أيلول، فأكثر القرية ينتظرون صاحب البريد عصر الإثنين أو الجمعة، وهو لا يخرم ولا يخلف الميعاد. استبطأه الناس ذاك النهار فتفرقوا ليتعشوا، وعشاء القروي مع غياب الشمس، فكأنه صائم رمضان أبدا.
نهق حمار صاحب البريد في سفح القرية عند الدغشة فرددوا: جاء، جاء. وازدردوا لقمتهم ملهوفين، وعادوا إلى الاجتماع على سطح البئر، وإن شئت تعبيرا جديدا قلنا لك (الفيرندا) لا السطح والمسطبة.
كانوا فيما مضى يسألون بطرس - البوسطجي - عن المكاتيب المضمونة الحاملة بشائر الفلاح، لأهل الكادحين عبر البحار، ولكنهم صاروا غير مرغوب فيهم حتى في السنغال، أما اليوم فكل بضاعة البريد وطنية؛ بلاغات محاكم، وإنذارات، رسوم مسقفات ومسكرات، وغرامات يجود بها بعض الجنود الخيرين على من يفتح باب بئره، أو لا يعمل السدادة باطونا أو حديدا. فباتوا في هذه الأيام الرحراحة يتهافتون على الجرائد. كل يتناول واحدة من الصحف والمجلات التي ترد علي. الجميع يعنون بأخبار الحرب؛ فالملسوع يخاف من جرة الحبل، فحرب الأمس أهلكت نصف سكان القرية، وسكرت حارة برمتها. أستغفر القلم والذاكرة بل فتحت أبوابها وسقوفها، أما اليوم فعادت الضيعة كما كانت من قبل نقدا وعددا.
كانوا يتوقعون أن تعلق الحرب بأوروبا فابتدروا سلاحهم؛ من خروب ما كانوا يبالون به، فصح قول المثل المحلي: جاء من يعرفك يا خروب، وثمار لم يكونوا يحرصون عليها لو لم يتذكروا كيف كبرت قيمة التين وابيض وجه الخروب، فصار دبسه سيد المائدة زمنا، ككافور في مصر.
بشرتهم الصحف بالسلام العالمي، فدعوا للآفال ولجنة الخمسة، وحيوا الأساطيل الإنكليزية الساهرة على السلام بأعين لا تنام، وانصرفوا إلى الأخبار المحلية، فلفتت نظرهم الموازنة فتداولوا حديثها. أما ساعي البريد بطرس فما وعى شيئا من هذا، انبطح يشخر، وكيف يسهر من يطوف زهاء ثلاثين قرية في الأسبوع مرتين، وفي خرجه مئات الرسائل المضمونة التي تفتقد بها الحكومة رعيتها، وتحصل الغرامات.
صفحه نامشخص