على مقال أسبوعي أو مقالين يرسلهما إليها من العاصمة الإنجليزية، ويؤجر على كل مقال بعشرين شلنا، فلم ينشط لكتابة هذه الرسائل، واعتمد على زميله أنجيلز ليكتبها باسمه، ويساعده مع ذلك بمعونة من عنده، ولم يزل كذلك حتى انقطعت مراسلته للتربيون.
ويعتبر كتاب «رأس المال» إنجيل الشيوعية المقدس عند أتباعها. فكان من المعقول أن يفرغ نبي الشيوعية لإتمام إنجيله الذي تقوم عليه دعوته، ولكن النبي لم يكن يقترب من صفحات إنجيله إلا تحت ضغط شديد من الحاجة العاجلة الملحة. وما هو إلا أن استقل زميله أنجيلز بتجارة أبيه واستطاع أن يخصص لكارل ماركس معاشا سنويا دائما، حتى طوى النبي كتابه المقدس طي الأبد، وتركه ناقصا كما بقي حتى الآن.
هذا هو الإمام الذي خرج للناس ليبشرهم بقداسة العمل، ويبغضهم في المتبطلين الذين يعيشون عالة على غيرهم. فلو أنه عومل بالشريعة التي أراد أن يفرضها على الناس، لهلك جوعا، وأنصفته الدنيا على حد قوله: «من لا يعمل لا يأكل»، ولم يكن هو من الذين يعرفون أمانة العمل، ويتحرجون من أخذ المال بغير جزاء.
والعجب العاجب في أمر هذا الرجل الذي استباح الأجر بغير عمل، أنه خشي من منافسة الزعيم باكونين، وبحث عن سبب للتشهير به وتجريحه وحمل المؤتمر الاشتراكي على فصله، فماذا كان السبب الذي بنى عليه حملة التشهير، وطلب الفصل والتحقير؟ سبب عجيب من كارل ماركس: وهو أن باكونين قد دنس سمعة الاشتراكيين، لأنه اتفق مع ناشر في روسيا على ترجمة كتاب، ولم ينجز ترجمة ذلك الكتاب.
ونص الحملة موجود في سجلات المؤتمر، ونص الاتفاق بين ماركس وبين لسكي وبين دنكر موجود كذلك في تراجم هذا الرجل المريب.
فإذا كانت هذه الصفحة المدنسة مفتقرة إلى سواد فوق سوادها، فقد يزيدها سوادا، أن نعلم أن باكونين كان استاذا لكارل ماركس في الآراء الديمقراطية، وأن هذا الجزاء السيئ كان نصيب كل أستاذ، وكل زميل، وكل صاحب اتصلت حياته بحياة هذا الرجل. وقد مضى بنا اسم الزعيم لاسال في هذا الحديث، وعرفنا منه أنه توسط لكارل ماركس عند ناشر مؤلفاته ليساعده بنشر كتابه، فمن شاء أن يرجع إلى رسائل كارل ماركس فلينظر، كيف كان وفاؤه لهذا الفضل عليه؟ إنه كان يقول عن لاسال أنه يفكر تفكير الزنوج، وأن ملامحه تدل على وراثة زنجية، ثم يشفع ذلك بالتلميح إلى عفاف أمهاته قبل جيل!
ويستطيع من شاء أن يرجع إلى أسماء أساتذته وزملائه واحدا واحدا، فلن يجد إنسانا منهم سلم من تهمة شائنة أو وصف بغيض. ولا استثناء لغير شخص واحد هو الذي كان محتاجا إلى معونته المالية مدى الحياة، وهو فردريك أنجيلز. ومع ذلك نقرأ رسائل أنجيلز إليه فنرى كيف وصفه في إحداها بجمود العاطفة والأنانية، ونقص المروءة والشعور. •••
إن الحقائق التي لخصناها هنا عن زعيم الشيوعية بعض ما عرف عنه من هذا القبيل، وكلها مستمد من سجلات الحركة الشيوعية، التي دونها دعاتها وأنصارها، فمن كان لا يعميه غرض ولا هوى، فلا صعوبة عليه في فهم الرجل على حقيقته التي لا تحتمل المغالطة والخداع، فهو مثل في التطفل، ومثل في طوية الشر والكنود، ومن كان كذلك لا يقتدى به في شريعة العمل، ولا تفيض نفسه بخير صحيح لمن يجهلهم من بني آدم وحواء، وقد كان أقربهم إليه يلقون منه الشر في موضع الخير، ولا يجدون فيه موضعا للثقة والاقتداء.
الإصلاح والمذاهب الهدامة
كل مذهب من المذاهب الاجتماعية، فالداعون إليه يزعمون أنهم يريدون به الخير ويقصدون إلى الإصلاح.
صفحه نامشخص