نغالب ثم تغلبنا الليالي ... وكم يبقى الرمي على النبال
ونطمع أن يمل من التقاضي ... غريم ليس يضجر بالمطال
يحط السيل ذروة كل طود ... ويهون بالجنادل والرمال
هي الأيام جائرة القضايا ... وملحقة الأواخر بالأوالي
ولأبي الفرج الببغاء:
خلف المدائح بعدك التأبين ... عن أي حادثة يعزى الدين
ما كان في الدنيا كيومك مشهد ... بهر العقول، ولا أراه يكون
لم يبق محذورا فكل مصيبة ... جلل لديه، وكل خطب دون
قرت عيون المشركين وطالما ... قرت به للمسلمين عيون
ولابن معلى الأندلسي:
أمعتنق الصعيد وكان يغدو ... عليه وهو معتقل الصعاد
أرى لبس الحداد عليك مما ... يشق على المهندة الحداد
ومن كلام الوزير أبي القاسم بن المغربي: ولقد سمعت نبأ من هذا الحادث الرائع، وذروا من هذا الخبر المكروه الطلائع، فكنت كالظبي أفزعه القناص، وكالهارب لاحت له الأشخاص، فدافعت بتصديقه، وتصاممت عن تحقيقه، فلما صرح مخض الاستخبار عن محض الحذار؛ فقدت الحس فلا أدعي ألما، وذقت سكون الموت فما أشتكي سقما، وغرقت في أمواج الوساوس، وضعت بين أجبال الهواجس، فلقد كنت يومئذ - وكل يوم يومئذ - عجبا لمعتبر، ومثلا لمفتكر.
فأما قوله: دافعت بتصديقه، وتصاممت عن تحقيقه؛ فهو من قول أبي الطيب:
طوى الجزيرة حتى جائني خبر ... فزعت فيه بآمالي إلى الكذب
وقد أخذه ابن سعيد الحلبي، فقال، وأحسن:
أتاني وعرض البيد بيني وبينه ... حديث لأسرار الدموع مذيع
تصاممت عن راويه حتى أربته ... وإني على ما غالني لسميع
ولما سمع ابن مكنسة إذاعة سر الدموق قال:
دعوها تفض بعد دمع نجيعا ... نهاها النهى فأبت أن تطيعا
وسر تبدد في عبرة ... وكنت جمعت عليه الضلوعا
ومن قطعة ابن سعيد:
فلهفي على الآمال فيك فإنها ... ثوابت لم يقدر لهن شروع
وعز على ساري الدجى أن يجوبه ... وما لك من بين النجوم طلوع
ألوم عليك الوجد وهو مبرح ... وأعتب فيك الدمع وهو نجيع
وأعلم أني ما منحتك طائلا ... وهل هي إلا زفرة ودموع
وقول الوزير: فلقد كنت يومئذ _وكل يوم يومئذ - فالأصل فيه قول الأضبط بن قريع - وكان سيد بني سعد، وكانوا يؤذونه، فلما انتقل عنهم رأى غيرهم يفعل فعلهم، فقال-: بكل واد بنو سعيد. فذهبت مثلا.
وأخذ هذا المعنى متمم بن نويرة، فقال يرثى أخاه مالكا:
وقالوا: أتبكي كل قبر رأيته ... لقبر ثوى بين اللوى فالدكادك
فقلت لهم: إن الأسى تبعث الأسى ... دعوني؛ فهذا كله قبر مالك
وقال الحجاج في خطبة له: يا أيها الرجل - وكلكم ذلك الرجل_ ...
ولأبي تمام في هذا المعنى:
فلا تحسبن هندًا لها الغدر وحدها ... سجية نفس كل غانية هند
وللبحتري:
بلوتهم واحدا واحدا ... فكلهم ذلك الواحد
ومن أحسن ما خوطب به المعزى قول أحمد بن سليمان:
جاءك هذا الصبر مستجديا ... أجرك في الصبر فلا تجده
سلم إلى الله فكل الذي ... ساءك أو سرك من عنده
إن الذي الوحشة في داره تؤنسه الرحمة في لحده
ولمهيار:
كلح الصباح بموته عن ليلة ... نفضت على وجه الصباح ظلامها
فلئن مضى بعلاه دهر صانها ... فلقد أتى برداه يوم ضامها
وتصرف في معنى البيت الأول، فقال:
صبغت وفاتك فيه أبيض فجره ... يا للعيون من الصباح الأسود
ثم قال:
ولئن غمزت من الزمان بلين ... عن عجم مثلك أو عضضت بأدرد
فالسيف يأخذ حكمه من مغفر ... وطلى، ويأخذ منه سن المبرد
وأخذ هذا المعنى الخفاجي فقال:
لتطل ليالي الدهر بعدك إنه ... سيان بين صباحه وظلامه
سودته في ناظري كأنما ... خلعت لياليه على أيامه
وقال:
أشكو فراقك ثم أعلم عنده ... أن السبيل إلى لحاقك مهيع
وألوم طول الليل أرقب فجره ... أو ما ظلام الليل بعدك أسفع
وقال:
قد سألنا أطلالكم فأجابت ... ومن الصمت واعظ ونذير
يا سواد الهموم صرت على الأي ... ام لما ضاقت عليك الصدور
1 / 57