ما هزه طرب العقار وإنما ... أعطته نشوة كأسها الأخلاق
هي في الهوى وعد الوصال وفي الكرى ... طيف الخيال وفي الوداع عناق
وهو مأخوذ من قول ابن نباتة:
إنها في السحاب وبل وفي الرْ ... رِيح نسيم ونشوة في الشراب
فأما قوله: أشد احتقارا بالردى من حسامه فهذا الصدر يصلح أن يعجز بقول أبي الطيب:
وأقدم بين الجحفلين من النبل
على أن صدر بيت أبي الطيب مناسب للعجز المذكور؛ لأنه قال:
أقل بلاء بالرزايا من القنا
فبصير هذا العجز مع صدرين.
قال محمد بن عباد بن عمرو:
سميدع يهب الآلاف مبتدئا ... ويستقل عطاياه ويعتذر
له يد كل جبار يقبلها ... لولا نداها لقلنا: إنها الحجر
ولو أمكنه أن يقول الحجر الأسود لكشف المراد وبينه، وأظهر المعنى وحسنه. وقد اتفق ذلك لمحمود بن القاضي الموفق أحد مماليك مولانا، و(كاتب) إنشاء دولته في قوله يصف كتابا ورده، ويذكر أن الفاتك والناسك يلقياه بالتبجيل، وقابلاه بالتقبيل كأنما قد حل فيه اللمى، أو ذاب فيه الحجر الأسود. على أن ابن مكنسة ذكر الحجر غير موصوف، فلم يشكل المراد فيه. وسبب ذلك ما قرنه به، وضمه إليه، فقال من قصيدة أولها: لمثل ذا اليوم كان السعد ينتظر منها:
كأنك البيت قد طاف الحجيج به ... وفي ركابيك حل الركن والحجر
فأما قصيدة محمد المقدم ذكره فإن لعبد الله بن سنان قصيدة على وزنها وفي معناها على تقارب العصرين وتباعد المستقرين، منها ما هو من شرط هذا الكتاب. قال منها:
ملك له سيرة في العدل معجزة ... لولا الشريعة قلنا إنها سور
قوم إذا طلب الأعداء عيبهم ... فما يقولون إلا أنهم بشر
تسمو البلاد إذا عدت وقائعهم ... فيها وتبتسم الدنيا إذا ذكروا
إن الخلافة ما زالت منابرها ... إلى سيوفهم في الروع تفتقر
فهم صوارمها والبيض نابية ... وشهبها وظلام الخطب معتكر
قال أحمد بن عبد الله:
ترى الدهر إن يبطش فمنكم يمينه ... وإن تضحك الدنيا فأنتم لها ثغر
عطاء ولا من وحكم ولا هوى ... وحلم ولا عجز وملك ولا كبر
طريقتكم مثلى وهديكم رضى ... ومذهبكم قصد ونائلكم غمر
وهذا ضد قول العباس بن الأحنف:
وصالكم هجر وحبكم قلى ... وقربكم بعد وسلمكم حرب
ومن مليح التقسيم قول ابن حيوس:
لعمري لقد بذ الملوك جميعهم ... بأربعة في غيره لن تألفا
بأمن لمن يخشى وقهر لمن طغى ... وسبق لمن جارى وعفو لمن هفا
وقوله أيضًا:
قصر السابقون دون مداها ... وتملكتها بست خصال
مكرمات مع اعتذار، وعفو ... باقتدار، وعفة في جمال
وقوله أيضًا:
ثمانية لم تفترق مذ جمعتها ... فلا افترقت ما ذب عن ناظر شفر
ومن مليح ما في هذا البيت ما تضمنه من ذكر الجواب قوله:
وبعد بيت رسول الله ما فخرت ... بمثل بيتك لا عجم ولا عرب
إن ناضلوا نضلوا، أو فضلوا ... أو حاربوا حربوا، أو خاطبوا خطبوا
وقد أحسن أحمد المقدم ذكره فيما أتى به من ذلك في الغزل فقال:
يا بائعا حظه مني ولو بذلت ... لي الحياة بحظي منه لم أبع
ته احتمل، واستطل اصبر، وعز أهن ... وول أقبل، وقل أسمع، ومر أطع
وهو كثير.
ولأحمد بن عبد الله أيضًا:
يا خير من ركب الجوا ... د وسار في ظل اللواء
لا زلت للدنيا فأن ... ت دواؤها من كل داء
وورثت أعمار العدا ... وقسمتها في الأولياء
وبقيت مفديا بنا ... إن نحن جزنا في الفدا
ومثل هذا لحسن بن عبد الصمد، وقد كانا في عصرن وإن لم يجتمعا في مصر، فلا أدري هل تسارقا أم توافقا:
لا زلت مخفوض العدا ... ما عشت مرفوع البنا
تفدى بنا إن كان ير ... ضى المجد أن تفدى بنا
ومن أجود ما في هذه القصيدة:
ما أحسن المال إذا ... صاحب ذكرا حسنا
ومنها:
لنا الثناء خالصا ... منه وما يحوي لنا
شاد الذي بنى له ... آباؤه ومكنا
عممت بالإحسان من ... ك مضرا واليمنا
ينقاد صعب اللفظ لي ... سهل القياد مذعنا
كأن في خواطري ... لكل معنى رسنا
1 / 10