نقلته إليهم كتب السنة فليسعنى ما وسعهم ، بعد ما تبين لى ما تبين لهم ، وهذا أمر معلوم لذوى البصائر لا يختلف فيه عالم ، اللهم إلا الحشوية الذين يؤمنون بكل ما حمله سيل الرواية سواء أكان صحيحا أم غير صحيح ، ما دام قد ثبت سنده على طريقتهم ، قال ابن أبى ليلى : " لا يفقه الرجل في الحديث حتى يأخذ منه ويدع " . وقال عند الرحمن بن مهدى : " لا يكون إماما في الحديث ، من تتبع شواذ الحديث ، أو حدث بكل ما يسمع أو حدث عن كل أحد " . والامثلة على ذلك كثيرة تجدها في مواضعها من كتابنا . وهذا البحث لم يعن به أحد من قبل - كما قلنا - وكانت دراسته واجبة قبل النظر في كتب الحديث والتفسير والفقه والاصول والتأريخ والنحو وكل ما إليها مما يتصل بالدين الاسلامي ، وكان يجب أن يفرد بالتأليف منذ ألف سنة عند ما ظهرت كتب الحديث المعروفة بعد انتشار المذاهب الفقهية بين المسلمين حتى توضع هذه الكتب في مكانها الصحيح من الدين ، ويعرف الناس حقيقة ما روى فيها من أحاديث ليكونوا منها في أمرهم على يقين ، ولو أننى ألفيت أمامى في المكتبة العربية على سعتها كتابا قد انطوى على هذا الامر الخطير الذى يجب على كل مسلم أن يحيط به علما - لا نحط عن كاهلى هذا " العبء الثقيل (1) " الذى احتملته في سبيل البحث والتنقيب بين مئات الكتب والاسانيد التى أطلعت عليها ، ورجعت إليها ، ثم أخذت منها ، ونقلت عنها ، ولما أنفقت ما أنفقت من سنين طوال في اقتحام هذا الطريق الشاق ، الذى لم يعبد من قبل ولم يضع له أحد فيما سبق منارا يهتدى به - حتى تسنى لى أن أعثر على تلك المواد الغزيرة التى مكنتني من أن أسوى منها هذا الكتاب الجامع الذى يعد الاول في موضوعه ، وأن أذيعه في الناس حتى يكونوا على بينة من أمر الحديث المحمدى ، يدرسونه على نور العلم ، ويفهمونه بمنطق العقل . ولان هذا البحث - كما قلنا - طريف وغريب ، وقد ينبعث له من يتطال إلى معارضته من بعض الحشوية والجامدين ، استكثرت فيه من بعض الادلة ، التى لا يرقى الشك
---
= اطراح المتعصب بالهوى ، والمقلد الاعمى من زمرة العلماء وأسقطوهما باستكمال من فوقهما الفروض من وراثة الانبياء . وكان السلف يعبرون عن المقلد بالجاهل لان العالم من كان مستقلا في فهمه للعلم واستدلاله على فهمه ، ويقولون مثل إنسان يقلد كبهيمة تقاد . (1) هذا هو وصف الدكتور طه حسين لعملنا في كلمته النفيسة التى افتتحنا بها هذه الطبعة . (*)
--- [ 27 ]
صفحه ۲۶