فخرج الرجل وأوصد الباب، وكان يوسف ينظر إلى الشمعة وهي تذوب تدريجا حتى صارت نصفها فانفتح الباب ودخل الرجل المقنع، وقال: هل حاسبت ضميرك؟ - حاسبته فماذا تريد؟ - أريد أن أعلم إن كنت قد ارعويت. - اخرج يا لئيم ولا تقف أمامي.
فخرج الرجل المقنع قائلا: إذن مت، لن أعود إليك بعد.
لم يبق من الشمعة إلا قيراطان ويوسف يشجع نفسه، وهو يقول في نفسه: إني رجل طيب القلب، فإن لم يكن لطيبتي فائدة في هذا العالم فلأمت، وخير لي أن أنتقل إلى عالم آخر من أن أبقى فيه.
ولكن الشمعة ما زالت تذوب وفؤاد يوسف ينهلع، وكان أحيانا يقول في نفسه: «ليت هذا الشرير يعود.» ثم يتشجع ويقول: لا، لا أتنازل عن مبدئي، فلتعش روح هيفاء وليمت جسدي، وأخيرا قال ملء صوته: أيهذا المقنع تعال لعلنا نتفاهم.
فلم يسمع جوابا ولا انفتح الباب فقال: إذن هؤلاء اللئام لا يمزحون، بل يعنون ما يقولون وما يفعلون.
فحاول النهوض من مصرعه مع أنه موثق اليدين والرجلين، ولكن الخوف إذا امتزج بالأمل ولد القوة، فانتفض يوسف من مكانه انتفاض النمر وهو يثب، فانقلع الوتد من مكانه، ودحرج يوسف نفسه حتى قرب من الكيس، وأدار ظهره إليه وجعل يرفع يديه من وراء ظهره حتى يصبح الحبل المتوتر حول ساعديه فوق اللهيب، كان يفعل ذلك المرة بعد الأخرى؛ لكيلا يلسع اللهيب ذراعيه المكتوفتين حتى احترق وتر من الحبل قليلا، فانتفض ثانية وثالثة فانقطع وتر من الحبل، وما زال ينتفض حتى انحل وثاق يديه، ثم حل وثاق رجليه ورفع الشمعة عن الكيس، ووضعها على الأرض بكل هدوء وتناول الكيس وفتحه، فإذا هو مملوء رملا، فقال باسما متنهدا: لا يجسر هؤلاء الطغام أن يحرقوني فهم متهددون فقط، لا بد أن يأتي هذا المقنع أيضا، وسيكون بيني وبينه صراع، فإلى متى أدخر هذه القوة العضلية؟! إني مصارعه لا محالة.
وتناول يوسف الحبل وجعل يقلبه بين يديه، ثم تقدم إلى الباب فوجده موصدا بقفل منيع، فحاول أن يفتحه فلم يستطع.
ثم سمع حركة فكمن وراء الباب والحبل في يديه، ثم سمع صليل المفتاح في الباب، فتحفز للوثوب على من يدخل، وما إن انفتح الباب حتى انقض يوسف على الداخل، وطوقه بذراعيه يريد أن يصرعه لكي يوثقه، ولكنه دهش؛ إذ وجد نفسه يضم امرأة؛ ليلى!
فما لبث أن حل ذراعيه عن صدرها، وتراجع إلى الوراء وهو ينظر إليها وهي تنظر إليه، وصدرها يرتفع لحظة وينخفض أخرى فوق فؤادها الخافق.
مشاجرة الكبرياء والأنفة
صفحه نامشخص