فانتفضت ليلى، وقالت: ويلاه! من عرف ذلك سواك؟ - يوسف براق و... - يوسف عرف ذلك أيضا؟ - نعم، أخبره إياه الواشي بينه وبينك. - هل عرف يوسف من هو أبي غير الشرعي؟ - لا، ولا أنا عرفته، ولا الواشي عرفه على ما أظن. - من كان ذلك الواشي؟ - فهد المهند صديق الدكتور خطيبك.
فانتفضت ليلى وقالت: ويلاه من خبث صديق! ويلاه من إثم هذا الشرير! ويلاه من عابد المال! هل صدق يوسف الوشاية؟ - صدقها. - ماذا قال؟ - قال: إن جسد ليلى ابن زنى، ولكن روحها بنت الطهارة، وهو كما تعلمين روحاني، ويحسب الجسد كربونا وأوكسيجينا وهيدروجينا ونيتروجينا، ولا فرق عنده بين جسد الكلب وجسد الإنسان.
فبهتت ليلى وقالت بعد هنيهة: متى عرف يوسف ذلك؟ - قبل أن يخطبك صديق. - وماذا قال بعد أن خطبت صديقا؟ - قال: إن كيانه زال بانفصال أحد عنصريه عنه، ولم يعد يحسب نفسه موجودا بغير الجسد.
فامتقع وجه ليلى ووضعت رأسها في كفيها وبكت بكاء مرا، وما زالت تشرق بدموعها حتى تناول جورجي يدها وقال: لماذا تنتحبين يا ليلى؟ - لأني أنا فقدت كياني أيضا، كنت مرتفعة باتحاد عنصري مع عنصر يوسف، فلما انفصل عنصري عن عنصره شعرت أني سقطت، إني يا سيدي أدنأ عنصرا من عنصر يوسف، إني ابنة زانية ويوسف ابن طاهرة، إني ترابية ويوسف روحاني، فما أنا مستحقة أن أكون متحدة مع يوسف، فعسى أن روح يوسف وهي ترفرف في هذا العالم تصادف الروح التي تليق بها.
عند ذلك ذعرت ليلى؛ إذ شعرت أن باب الغرفة التي يختليان فيها قد انفتح.
في حضرة إله الحب
بغتت ليلى؛ إذ رأت يوسف داخلا وهو يقول باسما: ما زالت روح يوسف ترفرف يا ليلى، ولكنها لم تقع إلا هنا.
فانتفضت ليلى ووهنت قوتها حتى كادت تقع عن كرسيها لو لم يسرع يوسف، ويمسك بيدها ويسندها إلى كرسيها، وعند ذلك لم يتمالك أن وضع يدها العاجية على ثغره، وطبع فيها قبلة لا تمحى، ثم جلس إلى جانبها وهي مستغرقة في تأثرها شارقة بدموعها، وبعد هنيهة قال لها: أين كبرياؤك يا ليلى، إنها تلذ لي؟ - الكبرياء للروح، وأنا ترابية فلا تتسفل إلي يا يوسف. - وهل يتأثر التراب يا ليلى؟ فلماذا تحاولين أن تبعدي روحك عني؟ - إن روحي أثيمة فلا تتدنس بها. - قولي هذا لمن يحسب الحب إثما، أما أنا فأقدس كل حب ولو كان فيه ألم لي، جئت إلى منزلك اليوم لكي أفتقدك، فلماذا أسأت الظن بي ورفضت مقابلتي؟ - أي حب تعني؟ - حبك لصديق خطيبك.
فارتجفت ليلى وقالت: قلت لك: إني أثيمة يا يوسف، وأنت تحاول أن تبررني. - إني أسمى مبدأ من أن أحسب تحول حبك عني إلى صديق إثما. - إني تعسة يا يوسف؛ لأنك لم تفهمني. - أفصحي فأفهم. - لم أحب صديقا، ولكني أحببت الكنز الذي لي، وهو مدفون معه، مائة ألف جنيه غرتني يا يوسف فحملتني على أن أنكر حبك، وأنكر أيضا بغضي لصديق، فهل صدقت أني ترابية، ولم يبق من روحانيتي إلا ما يشعرني بإثمي هذا؟ - ما هذا إثم يا ليلى؛ لأن الهيولى هي التي أحبت المائة ألف جنيه، فإذا كانت الروح لم تزل على عهدها، فحسبي أن أعلم أن روحي وروحك أليفان، ولو كنت في الثرى وأنت في الثريا.
فنظرت إليه ليلى نظرة لا يقدر أن يفهمها أحد غيره، وقالت: إذن ما زلت تحبني يا يوسف؟ - إذا بطلت أن أحبك يزول كياني بكليته، فما أنا سعيد إلا بهذا الحب، إن زواجك من صديق يفصل جسدك عني فصلا أبديا، قد لا أراك بعد الآن، قد لا أسمع بذكرك، قد أكون وراء الأوقيانوس، قد أكون في الرمس ... وأما روحي فتبقى تناجي روحك. - إن هذا الحب قد طهر روحي من إثمها يا يوسف، بل طهر جسدي أيضا، فما قيمة المائة ألف جنيه عندي بأكثر من قيمة دخان هذه السيكارة التي في يد المسيو جورجي، فهل قبلت توبتي يا يوسف؟
صفحه نامشخص