الفصل الرابع عشر
وتم الزواج في حفل قصد عبد الشكور أن يكون غاية في الفخامة والأبهة؛ ليعلن بمن حضره من الأقيال وأصحاب السلطان مدى ما يتمتع به من صلات وقوة وعنفوان. وهو أمر لم يكن محتاجا إلى تأكيده؛ فهو معروف للقاصي والداني، ولكن عبد الشكور يتمتع بأن يؤكد هذا كلما أتيحت له فرصة.
وأين يجد فرصة خيرا من زواجه ليستمرئ هذا الشعور.
ولم يكن يعنيه في قليل أو كثير ما يقترن بسيرة قوته ومنعته ونفوذه مما يعرفه الناس عن الوسائل التي سعى بها إلى هذه المكانة.
فالناس، أغلب الناس، إذا واجهوه أظهروا التبجيل والإكبار والإجلال، وإن كانوا لا يضمرون له في دخائل أنفسهم إلا الاحتقار والاشمئزاز والهوان.
ومهما كان الفرح باذخ الفخامة فإنه لم يستطع أن يرسم ظل ابتسامة على وجه العروس، أو علامة مهما تكن واهنة من حبور على وجه أبيها.
ويستطيع عبد الشكور أن يهدد ويتزوج بمن اختارها بكل وسائل الغدر والختل والجبروت، ولكنه لا يستطيع - كما لا يستطيع إنسان - أن يأمر ابتسامة أن تعلو شفتين، ولا علامة من حبور على ملامح إنسان. •••
في ليلة الزفاف كانت فوزية واثقة أنها أتعس إنسانة على ظهر الأرض، وكانت كلما لامسها عبد الشكور أحست التقرف والتقزز.
وكان عبد الشكور واثقا أن زوجته لا تحبه، وإن كان يجهل أنها كانت مرتبطة بعلاقة حب عنيف مع أمجد الزعفراني المعيد بالكلية التي تخرجت فيها.
كان يجهل هذه العلاقة، ولم يكن محتاجا لمعرفتها ليدرك مدى الكراهية التي تحسها فوزية نحوه، ولكن متى حفل عبد الشكور بمشاعر الإنسان، حتى وإن كان هذا الإنسان زوجته التي أمست منذ الليلة نصفه الآخر، المفروض فيها أن تكون سكنا له ومودة ورحمة وأنيسا لحياته وتوأما لروحه.
صفحه نامشخص