ادبیات زبان عربی
أدبيات اللغة العربية
ژانرها
وكان الصحابة - رضوان الله تعالى عليهم أجمعين - يستظهرون الأحاديث النبوية ولا يكتبونها، وجرى التابعون على سنتهم حتى كانت خلافة عمر بن عبد العزيز - رضي الله عنه - فكتب إلى الآفاق: «انظروا حديث رسول الله
صلى الله عليه وسلم
واجمعوه.» ودونه بأمره محمد بن شهاب الزهري المتوفى سنة 125، وكان ابتداء تدوين الحديث على رأس المئة، وبعد ذلك دونت كتب الحديث تباعا في عصر العباسيين، ووجهت إليها العناية حتى ضبطت ضبطا محكما.
وأما البراعة في الآداب من العلم بوقائع العرب وتاريخهم، وقول الشعر، وإنشاء البليغ من النثر؛ فإنها قد بلغت في خلافة بني أمية مبلغا لم تبلغه أمة قط في مثل مدتها. وقد كان الخلفاء من بني أمية يعلون منزلتها ويرفعون مكانات الشعراء والخطباء والعلماء، وكذا الدولة العباسية، وأخبار المهدي مع المفضل وحماد وحديث الرشيد مع الأصمعي حلية تلك القلادة. وقال الإمام أبو الحسن بن سعيد العسكري: «بلغ من عناية بني أمية وشغفهم بالعلم أنهم ربما اختلفوا وهم بالشام في بيت من الشعر أو خبر أو يوم من أيام العرب؛ فيبردون فيه البريد إلى العراق حتى قال أبو عبيدة: ما كنا نفقد في كل يوم راكبا من ناحية بني أمية ينيخ على باب قتادة يسأله عن خبر أو نسب أو شعر، فقدم عليه رجل من عند أبناء الخلفاء من بني مروان، فقال له: من قتل عامرا وعمرا التغلبيين يوم قضة؟ فقال: قتلهما جحدر بن ضبيعة بن قيس بن ثعلبة، فشخص بها ثم عاد إليه فقال: أجل، قتلهما جحدر، ولكن كيف قتلهما جميعا؟ فقال: اعتوراه، فطعن هذا بالسنان وهذا بالزج فعادى بينهما، ثم قال: ولم يزل المأمون حين دخل العراق يراسل الأصمعي في أن يجيئه ويحرص على ذلك، والشيخ يعتذر بضعف وكبر ولم يجب، فكان الخليفة يجمع المسائل وينفذها إليه إلى البصرة. ا.ه. باختصار.
وقد كتب شيء من التاريخ في زمن معاوية - رضي الله عنه - وقال ابن خلكان إنه رأى تأليفا لوهب بن منبه المتوفى سنة 116 في أخبار ملوك حمير وأشعارهم.
وكان وضع علم العربية في آخر عهد الخلفاء الراشدين بسبب انتشار اللحن، وأول من وضعه وأسس قواعده أمير المؤمنين علي بن أبي طالب - كرم الله وجهه - وأخذه عنه أبو الأسود الدؤلي وأتمه.
قال أبو البركات عبد الرحمن بن محمد الأنباري في كتابه «تاريخ الأدباء» بعد كلام، ما نصه:
وسبب وضع علي - كرم الله وجهه - لهذا العلم ما روى أبو الأسود قال: دخلت على أمير المؤمنين علي بن أبي طالب فوجدت في يده رقعة، فقلت: ما هذه يا أمير المؤمنين؟ فقال: إني تأملت كلام العرب فوجدته قد فسد بمخالطة هذه الحمراء (يعني الأعاجم)، فأردت أن أضع شيئا يرجعون إليه ويعتمدون عليه. ثم ألقى إلي الرقعة وفيها مكتوب: «الكلام كله: اسم وفعل وحرف، فالاسم: ما أنبأ عن المسمى، والفعل: ما أنبئ به، والحرف: ما أفاد معنى»، وقال لي: انح هذا النحو، وأضف إليه ما وقع إليك، واعلم يا أبا الأسود أن الأسماء ثلاثة: ظاهر، ومضمر، واسم لا ظاهر ولا مضمر، وإنما يتفاضل الناس يا أبا الأسود فيما ليس بظاهر ولا مضمر (وأراد بذلك الاسم المبهم). قال: ثم وضعت بابي العطف والنعت، ثم بابي التعجب والاستفهام، إلى أن وصلت إلى باب إن وأخواتها، فكتبتها ما خلا «لكن»، فلما عرضتها على أمير المؤمنين - عليه السلام - أمرني بضم «لكن» إليها، وكنت كلما وضعت بابا من أبواب النحو عرضته عليه إلى أن حصلت ما فيه الكفاية، فقال: ما أحسن هذا النحو الذي نحوت! فلذا سمي «النحو». ا.ه.
وأخذ عن أبي الأسود جمع من الطلاب، من أشهرهم نصر بن عاصم المتوفى سنة 89 بالبصرة، وهو واضع النقط والشكل للمصحف كما تقدم، وجاء بعده جمع من أئمة العربية أحكموا ترتيب القواعد وأكثروا من الأدلة والشواهد، وسيرد عليك ترجمة بعضهم في هذا الكتاب. (8) حالة اللغة العربية وآدابها في عصر الدولة العباسية وما بعدها
جاءت الدولة العباسية وقد انتشرت العرب في أنحاء المعمورة وامتد ملكهم شرقا وغربا من الهند إلى الأندلس، ودانت لهم أمم كثيرة مختلفة اللغات واللهجات، دخل أكثرهم في الإسلام واختلطوا بالعرب وتكلموا بلغتهم؛ فكثر المتكلمون بالعربية من غير العرب، وهم كما تعلم من الأعاجم الذين لم تكن العربية ملكة فيهم كالعرب، فسرى الفساد إلى اللغة، وفشا اللحن والتحريف. وكان أول ما ظهر ذلك في المدن والأمصار، ثم دب إلى البدو بعد زمن طويل؛ لقلة اختلاطهم بالأعاجم، ومن لم يختلط منهم لم تفسد لغته. وكانت سرعة الفساد وبطؤه تابعين لكثرة المخالطة وقلتها.
صفحه نامشخص