152

ومنهم قوم لم يقنعوا بهذه الأشياء فقط، لكنهم راموا أيضا أن يقنعوا العوام أنهم يستحقون 〈أكثر من ذلك〉، بسراة لباسهم، وكثرة ثمنه، وحسن خواتيمهم، وسراتها، وكثرة من معهم من التباع، وما يوجد لهم من الأوانى الفضة.

فهذا القول كاف فى التنبيه على خدع هؤلاء بالأقاويل والأفعال. ولو ذهبت إلى إحضار 〈كل〉 ما قاله جالينوس فى ذلك، لكثر وطال به الباب.

وأما خدع صنف آخر من هؤلاء بالأعمال، فإنها كثيرة أيضا، وقصدهم فى جملتها أن يعملوا أعمالا تشبه فى الظاهر الأعمال الصحيحة من أعمال الطب، ليقنع بها الناس، ويشهدوا لهم بالحذق فى الصناعة، مع ما ينالونه من الكسب. وإذا تأمل المتأمل باطن تلك الأعمال، وجدها مخرفة، وحيلة، وباطنا، لا حقيقة له، لا فى علاج المرضى، ولا فى حفظ الأصحاء، بل على أكثر الأمر إنما تكون أعمالهم سببا لمرض الأصحاء. وذلك بما يقدم عليه قوم منهم من شق، وكى، وغيرهما من البطش باليد لأعضاء لا تحتاج إلى ذلك. فيحدثون بالصحيح علة تحتاج 〈أن〉 تعالج وتدبر مدة من الزمان، وربما آل أمرها إلى الهلاك.

وكذلك قال 〈جالينوس〉: يركب منهم قوم أصنافا من الأدوية، لعلاج العين، وغيرها من علل الجسم، تراكيب من أكحال، وأقراص، وسفوفات، يدفعونها إلى المرضى، ليستربحوا بها الفائدة. 〈و〉ليست 〈هذه التراكيب〉 مما يصلح لعللهم، لكنها فى الظاهر تشبه الأدوية المركبة بالحقيقة للعلاج. فكم من قد عمى من أكحالهم! وكم من هلك من سفوفاتهم، وأقراصهم!

ولأنى لا أرى وصف كيفية أعمالهم، وحيلهم، لئلا يتعلمها الأشرار، فأكون من حيث قصدت النفع، أوقعت الضرر. وأيضا، فإنى أرجو ممن له أدنى دين وعقل، إذا رآنى قد عدلت عن إظهار العيوب، وكشف القبائح، 〈أن〉 يغار من قبحها، ويزهد فى دناياها، فيكون ذلك سببا لمصلحته، وانتقاله إلى التعلم، والتأدب. فلذلك تركت كشفها، ولأكون على الوجهين جميعا مشكورا.

ولكنى لرغبتى فى أن يكون التحذير أبلغ، والحذر أنفع، فإنى، مع ما لا أكشف كيفيات الحيل فى عملها، واستعمالها، أرى أن أذكر من أسمائها، ما به يلوح للمحتالين بها، أننى عن علم بها تركتها. ويكون مع ذلك مفتاحا، وبابا ينفتح لأهل الفطنة، ليدخلوا إلى معرفتها منه، إن اخبروا ذلك، ليكون لهم بذلك من حيلهم أتم حذر.

صفحه ۱۶۰