============================================================
كتاب أدب الملوك في بيان حقاثق التصوف الدنيا وتعظيم النفوس والرياسة وعظم النفوس، وعلوم الصوفية لا تدرك بالطلب الظاهر، ولا بالكتب والدرس، فإنها موهبة يتبعها اكتساب، وهو بشرط الفقر والبؤس والبلوى والجهد، وقد حكي عن مالك بن أنس أنه سئل عن مسألة في هذا المعنى، فقال : إن 3 هذا علم يخرج من بين الخرق والقمئل: و فأهل التصوف هم أهل القلوب الذين خص بهم الصديقية، فقاموا بالله لله وأخذوا المعنى عن الله عز وجل، فعرفوا بذلك مواريد الأسرار ومواجيد القلوب وعوارض الصدور، ومن لم يعرف الإلهام من الهواجس واللمة من الوسوسة، فتكلم في علوم الصوفية عطب وهلك ، فإن أحوال الصوفية ترد على الأسرار بشاهد عوارض الأربعة : فالإلهام من الله عز وجل بلا واسطة ، والهاجس من النفس خاصة، واللمة من الملك، والوسوسة من الشيطان، ولا يعرف وجود ذلك على كثرة تلوينه وخفي التباسه إلا من وفقه الحق وصافاه وأخلص له معناه، فعرف بالملاحظات غوائل ما يشغل عن الحق من الدنيا الدنية وآفاتها الخفية، وعرف بالخطرات حقائق الأحوال واشتباه المواريد على القلب وما يشغل القلب من العوارض (79) المكنونة في طي النفوس، وعرف بالإشارات عزر حقائق الحق الواردة من الغيب إلى الأسرار، فصار أسير الحق في بلاده ، غريبا بين اكثر عباده، سفير آولياء الله المريدين يخبرهم بما يشكل عليهم في أحوالهم، فهم في الدنيا أعز من الكيريت الأحمر، وهم الكبراء العلماء العارفون بالله، قد قاموا له به في عباده، فالله يحفظهم في الحركات والسكون والظواهر والمكنون، ومن كان الحق حافظه بالخصوصية في طريقه وحفظ سره وعرفه معايب النفوس ومصادر الحسوس، فنظر بالحق للحق، ونطق به له، وفني عن نفسه له به، فوقع عليه اسم التصوف، وكان مع ذلك كله وجلا من مكره، خائفا من تقليب قلبه، مطالبا في حركاته، معذبا في لحظاته، ذاهبا في إشاراته، مقيما على علمه، محتهذا في طريقه ناصحا لخلقه حافظا لشرائعه، ومن كان متسوقا في تصرفه كان عارية في تصوفه ، تزين بحلى الأبرار وتحلى بزي الأخيار وأظهر الفقر لأهل الدار، فنال بذلك عوارض الدنيا وتعلق بحطامها وأخذ من أظرف آسبابها، فعاش في الناس وصار دعواه باطلا وقوله زورا، فالفقر خصمه يوم القيامة، والناس يطالبونه بما رفقوا به ودعواه تلعنه، ثم إلى الله أمره، إن شاء عذبه وإن شاء عفا عنه، وقد حكي عن بعضهم أته قال: إن أقواما من أهل الدعاوى الكاذبة يجاء بهم يوم القيامة مشهرين كاللصوص، فينادى عليهم : إن هؤلاء سرقوا بضاعة ... .
صفحه ۷۳