وكل هذه معان لم يكن أدباء العرب يعرفونها، ولهم العذر الواضح هنا؛ لأنهم لم يكتبوا للشعب الذي يحتاج إلى أن يتعلم بلغته التي يفهمها، وإلى أن يجد الكاتب الملهم الذي يرسم له المستقبل، وإلى الحرية والإنسانية والفهم العميق للإنسان والكون. •••
ما هو الأدب العربي القديم؟
هو أدب كان يؤلفه الكتاب والشعراء لأجل الخلفاء والأمراء والفقهاء؛ لأن جميع هؤلاء كانوا «الدولة»، ولم يكن للشعب وجود في أذهان الكتاب، ولم يكن هناك قراء يمكن أن يعتمد عليهم في مكافأة المؤلفين.
وكان أدب الخلفاء والأمراء نوادر وقصصا وأشعارا تسلي وتذهب بالسأم، أي سأم البطالة ... بطالة المترفين.
وكان أدب الخلفاء أحيانا تواريخ تؤيد دولتهم وتثبت حقوقهم في تبوء الحكم.
وكان أدب الفقهاء شروحا وتعقيبات على الدين والمذاهب.
ولما ظهرت الدولة الفاطمية في مصر، وظهرت الدول المستقلة في المغرب والأندلس، وكثرت السياحات، ظهر أدب يكاد يكون شعبيا في قصص الرحلات، بل صار شعبيا خالصا في كتاب ألف ليلة وليلة مثلا.
ولكن الشعوب كانت لا تزال في التراب، فلم يرتفع هذا الأدب عن التراب.
وأولئك الذين يطلبون منا أن نكبر من شأن المتنبي أو أبي نواس ينسون أننا لا نخاطب الملوك والأثرياء ولا ننشد تسليتهم، وإنما نخاطب الشعب. وصحيح أنه نشأ بيننا شعراء، مثل علي الجارم وأحمد شوقي، قصروا حياتهم وأشعارهم - أو كادوا - على الملوك أو الأمراء، ولكننا لا نكبر من شأنهم لهذا السبب، بل نعيب عليهم مواقفهم، وأنهم لم يتكلموا بلسان الشعب ولم يدعوا إلى جمهورية أو ديمقراطية أو اشتراكية، ولم يوجدوا حولهم مناخ الحرية؛ حيث يستطيع الناس أن يتحدثوا ويكتبوا عن حقوق الإنسان.
ولست في هذا القول أعارض بأن يكون بيننا سلفيون وعصريون، بحيث يلتزم الأولون أحسن ما عند القدماء ويأخذ الآخرون بروح العصر الذي نعيش فيه، ولكن هذا الأحسن الذي عند القدماء لا يمكن أن يحتوي الأشعار اللوطية التي ألفها أبو نواس، ولا الأشعار البرازية التي ألفها ابن الرومي!
صفحه نامشخص