وحسبي أن أقول إننا حين نقرؤه نحب الإنسان، أي الإنسانية التي تعلو على تقاليد التاريخ والاختلافات المذهبية أو العنصرية.
جوركي إنسان يدعو إلى ديانة الإنسانية، مثل دستوفسكي وتولستوي.
والقارئ العربي الذي يجهل هذا الكتاب إنما يجهل دنيا عظيمة من الشرف والخير والكفاح والجمال. •••
ومؤلف آخر يجب أن نعرف جميع مؤلفاته، وكل كلمة كتبها؛ هو تولستوي، ومع ذلك أنا لم أتأثر بمؤلفات هذا الأديب العظيم قدر ما تأثرت بحياته، حياة الكفاح الروحي، كي يفهم معنى الحياة ومعنى الموت، وكي يوفق بين أسلوب عيشه وأسلوب تفكيره؛ ذلك أنه استنبط لنفسه ديانة خاصة هي مزيج من فلسفة الإنجيل وفلسفة جاك روسو، وقد طردته الكنيسة الروسية لاجترائه على أن يفكر ويستنبط بدلا من أن يعتقد ويستسلم.
وحاول أن ينقل أفكاره أو فلسفته إلى أسلوب عيشه في البيت والمجتمع، فاصطدم بزوجته، وبقي على خلاف معها، خلاف فلسفي، حتى فر منها، ومات بعد بضعة أيام في مكان ناء عن بيته.
ولم يحل مشكلة الحياة والموت، وهل يمكن أن تحل؟!
إن قصص تولستوي، من حيث الفن، تنزل على القمم في الأدب، ولكن حياته قصة، بل علياءة، تسمو على كل ما كتب.
ونحن حين نقرؤه نتحمل همومه، ونحزن معه، وهذا حسن؛ لأننا نجد في هذه الهموم والأحزان تربية، والأدب الحق ليس حلويات نتمصص عصيرها ونتمزز طعمها، وإنما هو هم وكفاح من أجل الفهم أو الخير أو السلام أو الشرف. •••
ومؤلف آخر حبيب إلى قلبي هو أناطول فرانس.
وهو صديق وأنيس، أحس وأنا أقرؤه كأني أتغامز معه على الشهوات المشتركة بين عقلينا، وهو من أبناء القرن العشرين لا شك في ذلك، يكره الألغاز التي يضعها البله والمغفلون ويتحدون بها العقلاء كي يحلوها لهم.
صفحه نامشخص