ادب دنیا و دین

الماوردی d. 450 AH
13

ادب دنیا و دین

أدب الدنيا والدين

ناشر

دار مكتبة الحياة

شماره نسخه

الأولى

سال انتشار

۱۴۰۷ ه.ق

محل انتشار

بيروت

ژانرها

عرفان
الْخِبُّ. وَاخْتَلَفَ النَّاسُ فِيمَنْ صَرَفَ فَضْلَ عَقْلِهِ إلَى الشَّرِّ كَزِيَادٍ، وَأَشْبَاهِهِ مِنْ الدُّهَاةِ، هَلْ يُسَمَّى الدَّاهِيَةُ مِنْهُمْ عَاقِلًا أَمْ لَا. فَقَالَ بَعْضُهُمْ: أُسَمِّيهِ عَاقِلًا؛ لِوُجُودِ الْعَقْلِ مِنْهُ. وَقَالَ آخَرُونَ: لَا أُسَمِّيهِ عَاقِلًا حَتَّى يَكُونَ خَيِّرًا دَيِّنًا؛ لِأَنَّ الْخَيْرَ وَالدِّينَ مِنْ مُوجِبَاتِ الْعَقْلِ. فَأَمَّا الشِّرِّيرُ فَلَا أُسَمِّيهِ عَاقِلًا وَإِنَّمَا أُسَمِّيهِ صَاحِبَ رَوِيَّةٍ وَفِكْرٍ. وَقَدْ قِيلَ: الْعَاقِلُ مَنْ عَقَلَ عَنْ اللَّهِ أَمْرَهُ وَنَهْيَهُ حَتَّى قَالَ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ ﵁ فِيمَنْ أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ لِأَعْقَلِ النَّاسِ أَنَّهُ يَكُونُ مَصْرُوفًا فِي الزُّهَّادِ؛ لِأَنَّهُمْ انْقَادُوا لِلْعَقْلِ وَلَمْ يَغْتَرُّوا بِالْأَمَلِ. وَرَوَى لُقْمَانُ بْنُ أَبِي عَامِرٍ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: «يَا عُوَيْمِرُ ازْدَدْ عَقْلًا تَزْدَدْ مِنْ رَبِّك قُرْبًا. قُلْت: بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي، وَمَنْ لِي بِالْعَقْلِ؟ قَالَ: اجْتَنِبْ مَحَارِمَ اللَّهِ، وَأَدِّ فَرَائِضَ اللَّهِ تَكُنْ عَاقِلًا ثُمَّ تَنَفَّلَ بِصَالِحَاتِ الْأَعْمَالِ تَزْدَدْ فِي الدُّنْيَا عَقْلًا وَتَزْدَدْ مِنْ رَبِّك قُرْبًا وَبِهِ عِزًّا» . وَأَنْشَدَنِي بَعْضُ أَهْلِ الْأَدَبِ هَذِهِ الْأَبْيَاتِ، وَذَكَرَ أَنَّهَا لِعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ ﵁: إنَّ الْمَكَارِمَ أَخْلَاقٌ مُطَهَّرَةٌ ... فَالْعَقْلُ أَوَّلُهَا وَالدِّينُ ثَانِيهَا وَالْعِلْمُ ثَالِثُهَا وَالْحِلْمُ رَابِعُهَا ... وَالْجُودُ خَامِسُهَا وَالْعُرْفُ سَادِيهَا وَالْبِرُّ سَابِعُهَا وَالصَّبْرُ ثَامِنُهَا ... وَالشُّكْرُ تَاسِعُهَا وَاللِّينُ عَاشِيهَا وَالنَّفْسُ تَعْلَمُ أَنِّي لَا أُصَدِّقُهَا ... وَلَسْت أَرْشُدُ إلَّا حِينَ أَعْصِيهَا وَالْعَيْنُ تَعْلَمُ فِي عَيْنَيْ مُحَدِّثِهَا ... مَنْ كَانَ مِنْ حِزْبِهَا أَوْ مِنْ أَعَادِيهَا عَيْنَاك قَدْ دَلَّتَا عَيْنَيَّ مِنْك عَلَى ... أَشْيَاءَ لَوْلَاهُمَا مَا كُنْت تُبْدِيهَا وَاعْلَمْ أَنَّ الْعَقْلَ الْمُكْتَسَبَ لَا يَنْفَكُّ عَنْ الْعَقْلِ الْغَرِيزِيِّ؛ لِأَنَّهُ نَتِيجَةٌ مِنْهُ. وَقَدْ يَنْفَكُّ الْعَقْلُ الْغَرِيزِيُّ عَنْ الْعَقْلِ الْمُكْتَسَبِ فَيَكُونَ صَاحِبُهُ مَسْلُوبَ الْفَضَائِلِ، مَوْفُورَ الرَّذَائِلِ، كَالْأَنْوَكِ الَّذِي لَا يَجِدُ لَهُ فَضِيلَةً، وَالْأَحْمَقُ الَّذِي قَلَّ مَا يَخْلُو مِنْ رَذِيلَةٍ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ قَالَ: «الْأَحْمَقُ كَالْفَخَّارِ لَا يُرَقَّعُ وَلَا يُشَعَّبُ» . وَرُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ قَالَ: «الْأَحْمَقُ أَبْغَضُ خَلْقِ اللَّهِ إلَيْهِ، إذْ حَرَمَهُ أَعَزَّ الْأَشْيَاءِ عَلَيْهِ» . وَقَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ: الْحَاجَةُ إلَى الْعَقْلِ أَقْبَحُ مِنْ الْحَاجَةِ إلَى الْمَالِ، وَقَالَ بَعْضُ الْبُلَغَاءِ: دَوْلَةُ الْجَاهِلِ عِبْرَةُ الْعَاقِلِ، وَقَالَ أَنُوشِرْوَانَ لِبَزَرْجَمْهَرَ: أَيُّ الْأَشْيَاءِ خَيْرٌ لِلْمَرْءِ؟ قَالَ: عَقْلٌ يَعِيشُ بِهِ. قَالَ: فَإِنْ لَمْ يَكُنْ؟ قَالَ:

1 / 26